كُثُرٌ هم الذين يحاولون أن يتماثلوا للشفاء، وكثيرون أيضاً هم الذين لا يريدون؛ لأنهم استمرؤوا ذلك، وخصوصاً الذين يعانون من أمراض تتيح لهم نظرة للناس والخلق دالّة على غصة حضورها ويجدون في ذلك الحضور أذى كثيراً لا يمكن لهم أن يتعايشوا معه؛ عدا مباركته.
الذين يحاولون التماثل للشفاء يحنّون إلى الغابر والسالف من عافيتهم والاستواء، يسعون ما قُدِّر لهم أن يعودوا إلى قواعدهم بين البشر الذين كانوا منهم، مشاركين إياهم كل ما يعجّ في الحياة من حركة حيوية ملء أدائهم والأمكنة التي هم جزء من تفاصيلها.
أعلم وتعلمون ألاّ شيء يستعصي على الإنسان إذا ما أراد أن يغيّر حاله وواقعه، وبقليل من أدوات الفعل من أهمها أن يحدّد ما يريد ولن يكفي ذلك ما لم يكن على دراية بمراحل الوصول إلى هدفه؛ من دون أن يغفل أو يتغافل عن أن الزمن لا يعمل أجيراً لديه. عليه هو أن يرصد ويترصّد زمنه بحضور كبير يمكّنه من تجاوز معوقات إما اصطنعها هو من جهة؛ وإما أن تكون اصطنعت في طريقه، كي لا يفوته الوقت وهو ينتظر الآتي الذي ربما لن يجيء. ولأن النفوس مناخات متعددة بمقياس القوة والضعف؛ تأتي الإرادات بحسب مؤشرات تلك النفوس ولا يمكن لأحد أن يحيد عنها.
في الجانب الشعري، الذين يحلمون أسمى درجة من الذين يأملون؛ لأن الحالمين لا يُخْضِعون تحركهم حتى لقانون الجاذبية والأخذ بالأسباب. يقطعون حياتهم طولاً وعرضاً إما بصعلكة أو دون اكتراث بما يحمله الغد وما ينتج عنه تحرك هنا وموقف هناك. الحالمون في الجانب الشعري، هم الذين يصنعون الحياة وأيضاً في حدود رمزية قد توصل وقد لا توصل إلى شيء أو أثر ملموس.
لكن الآملون الذين لا يتركون للإحباط مكانا في حياتهم، على درجة أكبر في الابتعاد عن مساحة الشعري بطبيعة تعاملهم مع ما يعترض حياتهم من مشكلات وأزمات ومعوّقات ومثبّطات. هؤلاء الآملون لا يؤجلون قانون الجاذبية، ولديهم قدرة على تحليل ما يدور حولهم كل بحسب إمكاناته. لا يتركون الأمور للصدفة أو لغدٍ يحمل المفرح من المفاجآت وهم يغطون في نوم عميق.
أولئك تكرههم الأمراض ولا تعمّر في نفوسهم وإن احتوت أجسادهم؛ إلا أن ذلك لا يحول دون السخرية من كل مُثبّط ووكيل عثْرة.
يذهبون في الحياة ساهرين على آمالهم في خضم الآلام. يمتهنون فتح الكوّات حتى في الأمكنة التي تحاصرهم ولو كانت من فولاذ. الفعل والحركة والتجريب وإعادة الكرّة مضامينهم قبل أن تكون عناوين من السهل أن يرفعها حتى الذين هم في غياب عن كل ذلك.
لكن في قراءة أخرى ونظر مغاير يظل الحالمون أكثر صحة ماداموا لا يستهدفون الحياة في طورها وحركتها الطبيعية ببشرها؛ رفْداً للذين يأملون وإن تورطوا في الشعري.
الخطر كل الخطر يكمن في الذين لا يمكن أن يتنفسوا ويشعروا بقيمتهم وجدوى حتى أعضائهم التنفسية من دون أن يذهبوا في الوهم بقدرتهم على إعادة صياغة العالم وفق أمراضهم التي لا يجدون فيها مرضاً، أو أولئك الذين يجدون صحتهم مرضا من وهم، اعتادوا عليه وأحبوه!
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3558 - الأحد 03 يونيو 2012م الموافق 13 رجب 1433هـ
جميل المقال
نعم اخت سوسن هناك الكثير ممن يتوهمون المرض ومن يعيشون وهم المرض ووهم المستحيل ولكن ما دمنا نملك اقلام كاقلامكم يا شرفاء سيبقى الامل موجودا
مقال جميل
مقال رائع ويمكن لأي شخص أن يطبق ما فيه على نفسه وكأنما المقال موجه لكل شخص ولكل الفئات
الشيخ
رضاء من رب العالمين
مهما زاد الألم والعذاب ....
ومهما إشتد الحزن بنا ....
ومهما أغشينا الهم والغم ....
ومهما طال الليل وتجبر ....
فنحنوا صابرون ومؤمنون بربنا بأن الفجر....
لقريب .... لقريب .... لقريب .... لقريب
(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
جميل
رائع جدا . جميلة هذه اللغة ومذهل هذا الفكر سلمك الله وقلمك