يمكن لأي واحد منا أن يكون كما يريد، كما يمكنه أن يكون كما يريد غيره؛ وشتان بين الإرادتين.
ما يميز بين البشر هو قدرة كل واحد منهم أن يكون مختلفاً ومضيفاً لما حوله وما بعده. تلك القدرة والميّزة هي بَصْمَته في الحياة. والبصمة ليست خطوط تمييز يحملها كل واحد منا في يديه وباطن قدميه. البصمة أن تسهم في الحياة باختلاف وتميز قدرتك وطاقتك ودورك.
كل تصنّع أو اصطناع للأدوار يمكن كشفه في اختبارات الحياة المفتوحة على ممارسة شبه آنية تفرز من خلالها الغث من السمين والمعدن من القش والوهم من حقيقة الحضور. لا أحد يمكن له أن يمارس خديعته على الحياة؛ وإن فعل فإلى حين، وذلك الحين ينكشف عند حدوده معنى وقيمة كل واحد منّا.
قبل سنوات كتب أوسكار وايلد متناولاً الفيلسوف الأيرلندي جورج برنارد شو: «ليس له عدوّ واحد في العالم، ولا يحبه واحد من أصدقائه». كانت تلك كتابة في حدود حالمة وتهكمية في الوقت نفسه. حالمة من حيث معرفة كثيرين بتفاصيل لا مجال لذكرها هنا، وتهكمية من حيث طبيعة «برنارد شو». الرجل الذي لم يك عابراً. كان مقلقاً مربكاً فاضحاً للكثير من الثابت من حوله. الثابت من حيث تحوله إلى عادة، والعادة أو بمفهوم آخر «العرف» في كثير من أوجهها وصورها وتناولاتها لا معنى ولا قيمة لها إلا برسم أنها كرست حضورها في سلوك البشر فباتت مصدراً من مصادر التشريع لدى كثير من الأمم.
في موضوع الإرادات اليوم وخياراتها بين البشر هناك من لا يملك طاقة توجيه إرادته ولو بمقدار أنملة. كأنه بذلك موضوع تأجيل لدوره إن لم يكن تمهيداً لتغييب ذلك الدور، وهناك من لا يجد غضاضة أو حرجاً في أن يترك أمر نفسه لمن شاء وأراد؛ ومثل ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنفه ضمن مواطني الإرادات. إنه خاضع لعوامل تأثير مهما علا أو صغر شأنها. لا خيار له ولا يملك حجة على ذلك التأثير.
لا أحد في الدنيا يترك أثراً بالقوة بمعناها المادي القريب تماماً إلى استلاب إرادات ما عداه. ولا أحد في الدنيا يمكن له أن يبرمج خيارات الناس إذا ما انتبهوا إلى أن مثل تلك الممارسة لا تقل فعلاً وأثراً عن مواراتهم في قبر وهم أحياء.
مثل ذلك التوجه والمنهج في تخصيص إرادات وخيارات الناس محاولة لتعميم ما يشبه الخرافة. هو التعميم نفسه الذي أشار إليه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في كلمة له: «يعاد الإيمان إلى الأمة بقرار جمهوري، وتعمّ الخرافة»! ولا تعميم للخرافة أكبر من أن تختطف خيارات وإرادات الناس ليتم إدخالها في «سيستم» المراد له أن يكون مطابقاً ومشابهاً لما يريده الممسك أو متوهم الإمساك بتلك الخيارات والإرادات.
خلاصة الأمر: من لم يكن له خيار وإرادة يفعّل من خلاهما دوره في الحياة فهو عبء عليها وعبء على نفسه، والذي يملكهما يظل في دور التصدّي الفاعل لمنح الحياة قيمتها ويمس ذلك المنح قيمته في الوقت نفسه.
ومضة:
«إن كنت تعد العلم مكلفاً... فجرب كلفة الجهل».
ديريك بوك
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3556 - الجمعة 01 يونيو 2012م الموافق 11 رجب 1433هـ
فعلا شخصيات غريبه
في اعتقادي كثرت هذه الشخصيات في مجتمعاتنا حيث انها تتقولب بقوالب اخرى ولا تعبر التعبير الصادق عن شخصيتها ، لا أعلم لماذا يضع الإنسان نفسه في هذا الموقع لكي يكون غيره ولا يكون هو ..... نهاية المطاف لا هو هو ولا هو غيره
ومضات ومقالات رائعة
الحياة مليئة بالالم ولكن ما يخفف من هذا الالم هو الامل الذي يمنحنا اياه الاخرين . عزيزتي سوسن انت رائعة بقلمك هذا الذي يتحفنا كل يوم بالجمال والاناقة .الومضات التي تكتبينها جميلة دائما اكتبها عندي في دفتر صغير لارجع اليها اذا احتجتها فشكرا لك يا سوسن
جميلة مثل دائما
رائع استاذة سوسن هذا القلم المليء.بالحكمة والامل .... فعلا انت سوسنة الامل