العدد 3555 - الخميس 31 مايو 2012م الموافق 10 رجب 1433هـ

الشعوب ستحمي ثوراتها

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في كثير من الدول الديمقراطية العريقة ينجح أحد الأحزاب في الحصول على غالبية برلمانية تؤهِّله، قانوناً، لتأليف الحكومة والسيطرة على أغلب وزاراتها. وبعد فترة قصيرة، يدعى المواطنون لانتخاب رئيس للدولة فينجح رئيس ذلك الحزب في هذه الانتخابات وتكون المحصِّلة النهائية سيطرة ذلك الحزب، من خلال انتخابات نزيهة وضمن قوانين البلاد الديمقراطية، على السلطتين التشريعية والتنفيذية وعلى رئاسة الدولة بكل ما تتمتع به الأخيرة من نفوذ ومكانة وسلطات.

يحدث ذلك كثيراً فلا تقوم الدنيا ولا تقعد في تلك البلدان خوفاً على مصير الحياة السياسية فيها، ولا تسمع وَلْوَلاَت الخوف من انزلاق مجتمعات تلك البلدان نحو الدكتاتورية ونحو هيمنة أقلية حزبية على مستقبلها. ذلك أن الناس في تلك البلدان يعرفون جيداً أن برامج الأحزاب السياسية والاقتصادية يسهل تنفيذها بيسر وسرعة معقولة إذا تبنَّتها البرلمانات والحكومات ورئاسة الدولة في آنٍ واحد وإذا غابت الصٍّراعات بين السلطات الثلاث تلك.

على ضوء حدوث تلك الظاهرة مراراً وتكراراً في مختلف البلدان الديمقراطية يحق لنا أن نطرح السؤال الآتي: ما المشكلة وما الخطر وما العيب السياسي لو أن انتخابات الرئاسة المصرية القادمة انتهت بفوز مرشح الإخوان المسلمين، وبالتالي أصبح حزبهم يسيطر على مؤسسات السلطة الثلاث، البرلمان والحكومة ورئاسة الدولة؟ لماذا العويل والصَّخب والخوف من المستقبل الذي يسمعه ويشاهده ويقرأه الإنسان عبر وسائل الإعلام ليل نهار، لكأن الذي يحدث في مصر بدعة وهرطقة تتناقض مع الممارسة الديمقراطية، وبالتالي ستهدِّد ثورة شعب مصر؟

ومع ذلك، وبعيداً عن الانحيازات الإيديولوجية، إذا إنني شخصياً كنت أفضل نجاح المرشَّح القومي العروبي اليساري الممثِّل بصورة أكبر لآمال وتطلعات شباب الثورة، دعنا نذكَّر أنفسنا بالمعطيات التالية:

أولاً/ لقد آن الأوان أن نثق في التحوُّل الوجداني والذًّهني الكبير الذي أوجدته ثورات الربيع العربي في المواطن العربي العادي، وبالتالي في الشعوب العربية. لقد كسر حاجز الخوف التاريخي وأضعفت مشاعر وعادات اللامبالاة نحو القضايا المجتمعية وأصبح قسم لا يستهان به من المواطنين يشعر بمسئوليته الشخصية تجاه نجاح ثورات الكرامة والحرية والعدالة وتجاه إفشال الثورات المضادة على يد بقايا أنظمة الاستبداد السابقة.

إن شعب مصر الذي قدَّم التضحيات الجسام كفيل بأن لا يتركها تذهب سدى وقادر على أن يعود إلى الشوارع والسَّاحات ليحمي ثورته من السَّرقة أو الانحراف. إنه أهَّلته ثورته لأن يحكم مستقبلاً على قياداته السياسية من خلال إنجازاتها الوطنية والقومية والمعيشية وليس من خلال مدى ترديدها لشعاراتها الدينية أو الأخلاقية المثالية. ولنا في خروج آلاف المتظاهرين منذ بضعة أيام في شوارع عاصمة المملكة المغربية احتجاجاً ومحاكمة لحكومة حزب إسلامي، لنا في ذلك دليل قاطع بأن الناس لن يتعاملوا بعد الآن مع دور دينهم الحنيف من خلال شعارات مرفوعة وإنما من خلال منجزات ملموسة في واقعهم المعيشي والتنموي والوطني - القومي.

ثانياً/ لا يوجد مبَّرر لظن بعض المدَّعين بأن مستوى الفهم السياسي عند الأحزاب الإسلامية متخلف وغير قابل للتعلم من عبر التاريخ. يكفي أن تتمعَّن قيادات تلك الأحزاب في ما آلت إليه الأحزاب العربية بشتّى أشكالها وأطروحاتها، من تراجع مفجع في مكانتها ومدى التفاف الجماهير من حولها، وذلك عندما مارست كل أنواع الالتفاف على مبادئ ومناهج الديمقراطية الحقة بانتهازية بليدة... يكفي التمعُّن في عبر ذلك التاريخ الذي لايزال ماثلاً أمامنا حتى تعرف تلك القيادات كيف تجنِّب نفسها الوقوع في المطبّات نفسها.

ذلك أن أحاسيس الحرية والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية عند الجماهير ستحاسب وستنتصر في النهاية، وهذا نهج تاريخي صارم عبر مسيرة الإنسانية.

مثلما أن تعديل أخطاء مسار الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية، فكذلك النهج نفسه مع الثورات. إن الجواب على عثراتها هو توفُّر المزيد من ألق وروح وإمكانيات الثورة لدى المواطن العادي. لا خوف على ثورة مصر، إنها ستشقُّ طريقها.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3555 - الخميس 31 مايو 2012م الموافق 10 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:52 ص

      فلتجرب

      مثلاً الاخوان المسلميين مادام اتوا عن طريق الانتخابات ولا اقصد السلفيون فليجربوا ....وشكراًلدكتورعلي فخرو

    • زائر 6 | 3:00 ص

      كفى ... سياسات جائرة

      قال تعالى : "وما الله بغافل عما يعمل الظالمون " حتى وإن خُضع المواطن العادي " المكافح " لسياسات جائرة تقوم على التظالم واستمرار البغي وإهدار الكرامة وترضيته بالهون، وحتى لو رصّت أرضه بأجداث الشهداء ، إلا أن إمكانيات الثورة للمواطن العادي – لأي شعب – تشق وستشق في المنهج والهدف وبإستقامة على الجادة الممهدة والغاية الممجدة "وبشر الصابرين ". وتحياتي لكم ...

    • زائر 5 | 2:51 ص

      مفجر الثورة قادر على صيانتها

      أي ثورة عزيزة وغالية على صناعها ومفجروها ومن

      ضحى من أجلها هو ذاته المستعد للتضحية من أجل الحفاظ عليها

      بتطبيق الديمقراطية بشكل سليم لا خوف فيمن يأتي

      لمواقع صنع القرار لانه محكوم بقواعد ونظم

    • زائر 4 | 2:37 ص

      تميزت فترة فخرو التربوية بـ

      حدثت نهضة و تطور في المسيرة التعليمية في الفترة التي كان فخرو يقود التربية و لكن كان ينقصه الاهتمام بالجانب المادي للمعلم غير انه كان مهتما بتطويره مهنيا . اعتقد فخرو مطالب بانقاذ التعليم

    • زائر 3 | 2:11 ص

      الرئيس البرلماني الجديد

      انا من مرشحين السيد علي فخرو لرئاسة برلمان البحرين الجديد

    • زائر 2 | 12:56 ص

      التيارات الدينية لن تكون رحيمة بالشعوب

      التيارات الدينية اذا كانت تقتل قبل الوصول للحكم او على الاقل تدعم من يقتل باسم الرب فهل نرتجي منها عدلا حين يكون الزمام بيدها فهي لديها استنباطات دينية متناقضة لنفس القضية فان ارادت تبرير الصلح مع اسرائيل ستمنحه الشرعية بنصوص دينية وان ارادت ان لا يكون صلحا ستسرد ادلة من نفس المصدر الديني تحرمه. لنسأل من هم رواد و قادة التمييز و التهميش هنا في مؤسسات الدولة ؟ من نفس الفصيل هم من يسعون للسيطرة على الدول العربية و قد حذر منهم مسئول امني اماراتي لمعطيات وجدها على الارض

    • زائر 1 | 12:33 ص

      سنة الله

      شكرا على هذا المقال الرائع والنابع عن حس وطني مخلص ونحن كمواطنيين نتفق مع الدكتور بأن الحرية والمساواة والعدالة والكرامة والديمقراطية ستنتصر على الظلم والفساد والاستبداد طال الزمان لو قصر الشعب سوف ينتصر .

اقرأ ايضاً