لسنا في جزيرةٍ معزولةٍ، ولسنا في عالمٍ يتبادل الرسائل بالحمام الزاجل، بل وفّرت التقنية الحديثة وسائل منخفضة الثمن وسريعة وفي متناول الجميع، لنقل أي حدث أو انتهاك لحقوق الإنسان في لحظات من قارة إلى أخرى، قفزاً فوق رأس الرقيب.

من هنا، نلاحظ تقارب مواقف الدول في مختلف القارات، وتشابه توصياتها، أثناء المراجعة الدورية الشاملة لتقرير حقوق الإنسان في البحرين، والتي بنتها على معلومات موثقة ودقيقة.

التوصيات نفسها طرحتها أيضاً دول أميركا اللاتينية، التي خرجت أكثرها من تحت العباءة الأميركية قبل ثلاثة عقود، وجربت حظها مع الديمقراطية، بعد تاريخ طويل من حكم الدكتاتوريات والانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان. فالأوروغواي، أعرب مندوبها عن أمل بلاده في التزام البحرين بتنفيذ توصيات لجنة بسيوني، وأوصى بالقيام بالإصلاحات الديمقراطية من خلال إجراء حوار وطني يضم مختلف فئات المجتمع. وأعرب عن أمله بتوقيع البحرين اتفاقيات حقوق الإنسان والحماية من الاختفاء القسري، كالبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب.

مندوبة الأرجنتين، رحَّبت بخطة حكومة البحرين لتنفيذ التوصيات في إطار الاستعراض الدوري، ودعتها إلى الانضمام إلى اتفاقية الحماية من الاختفاء القسري، وإلغاء التمييز الذي تعاني منه البحرينية المتزوجة من أجنبي، وإلغاء عقوبة الإعدام.

مندوب البرازيل، التي تحكمها سجينةٌ سابقةٌ (دلما روسيف) وقبلها (ديسيلفا) عاملٌ بدأ حياته ماسح أحذية، أوصى حكومة البحرين بالانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وألا يتضمن قانون الأسرة أي تمييز ضد المرأة في قضايا الطلاق والزواج والإرث وحضانة الأطفال. ونلاحظ إجماع الدول الثلاث على ضرورة الحماية من الاختفاء القسري، والتوقيع على اتفاقية منع التعذيب.

مندوب تشيلي، اتخذت توصياته منحى اجتماعياًّ أكثر، فقد أوصى الحكومة باستمرار عمليات تمكين المرأة على صعيد اجتماعي وسياسي، وإصدار الشق الثاني من أحكام الأسرة، ورفع سن زواج الإناث، وضمان الحق في حرية التعبير. والتقى معه في الجزئية قبل الأخيرة، مندوب كوبا الاشتراكية، إذ دعا البحرين إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لإصدار الشق الثاني من قانون الأسرة.

مندوب كوستاريكا أبدى قلقه من استمرار عمليات التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين، ومحاكمة المدنيين أمام محاكم السلامة الوطنية، ودعا البحرين إلى احترام حقّ التجمع السلمي. أما مندوب الإكوادور؛ فقد أبدى دعم بلاده للبحرين في استمرار خطواتها لدعم العمالة المهاجرة، وأوصى بالإسراع في إصدار قانون العمل الذي يوفّر المزيد من الحماية للعمال المهاجرين، واستمرار بذل الجهود لإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم العادي.

ليست كل دول العالم التي انتقدت البحرين معادية أو ذات توجّهات سياسية يسارية أو ثورية، بل إن كثيراً من الدول العربية اتخذت مواقف مشابهة لبقية دول العالم، فمصر أوصت بالإسراع في تنفيذ توصيات بسيوني، وسن التشريعات لحماية واحترام حقوق المرأة، وتوفير الحماية الكاملة للعمالة الوافدة. وأوصى المندوب الكويتي بضرورة متابعة تنفيذ توصيات بسيوني، مع وضع إجراءات المساءلة والتعويض موضع التنفيذ، وفقاً لأفضل المعايير الدولية.

مندوب الأردن ثمّن اقتراح البحرين إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان، وأوصى باستمرار التعاون بين الجهات الحكومية وغير الحكومية، والقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة في مؤسسات الدولة كافة. وطلب مندوب المغرب معرفة التدابير المتخذة للمصادقة على اتفاقية الاختفاء القسري، وأوصى بالإسراع في التعديلات التشريعية. وطالبت مندوبة موريتانيا بأن تكون إجراءات المحاكمات وحقوق الموقوفين والسجناء وفقاً لأفضل الممارسات.

توصيات بالجملة قدمها المجتمع الدولي على طبقٍ من ذهب، وقديماً قيل: صديقك من صَدَقك لا من صدّقك، والكل ينتظر التنفيذ.