عندما نتحدث عن سورية وثورتها، لا يعني أننا مع أعدائها مُطلقاً. وعندما ننتقد حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فلا يعني أننا ضد العراق حتماً. وعندما نقول ان مقتل معمّر القذافي بتلك الصورة البشعة خطأ، فلا يعني أننا أرباب لنظام «الكتاب الأخضر» البائد. فهذا المنطق التقسيمي خاطئ، وهو منطق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، عندما حذر العالم وبكل استكبار ونزق، إبَّان احتلاله العراق: مَنْ لم يكن معنا فهو ضدنا.
أعود للموضوع السوري الذي يشغل الكثيرين منذ عام ونيف. فقبل أيام، انتخب مجلس الشعب السوري، محمد جهاد اللحام رئيساً له. واللحام هو بعثي، ينتمي إلى الملايين الثلاثة، التي هي قاعدة البعث الشعبية في سورية. وهو حدَث، يُبشِّر ببطلان ما كان يُقال، عن الإصلاح السياسي في ذلك البلد. إصلاحٌ، أطلقه مَنْ كان يُدان بعدم الإصلاح، وبدون جمعية تأسيسية، ودون استقالة رأس الهرم، ولا حتى استقالة الحكومة، ولا محاكمات للذين سرقوا المال العام، أو الذين مارسوا تعذيباً بحق المعتقلين، أو للذين استباحوا المناطق والأحياء بالقوة!
لا أدري كيف يستقيم هذا الأمر؟ أم أن الموضوع مرتبط بتوبة نصُوح مفاجئة، يقوم على إثرها صاحب الخطيئة، بالتكفير عن ذنبه، فيلجأ إلى الزهد، واعتزال النساء، ومجانبة النبيذ، والتفرغ للعبادة في صومعة مركونة، وكأننا في حالة رجل خطَّاء، ركبه الذنب فتاب، كما في حالة أبو العتاهية حين قرَضَ أشعار الموت واللحُود! هذا الأمر لا يستقيم في السياسة أبداً، ولا يُمكن أن يُصدَّق. فجميع الأنظمة الدكتاتورية، لم تفلح في قيادة الإصلاح، لأنها باختصار، غير قادرة على أن تعيد صياغة ذات البنى الفاسدة في الدولة، فتهدها، وتقيم غيرها. كيف يُمكن أن تصلح مادامت هي المجرَّمة والفاسدة أصلاً؟ بل كيف لها أن تصلح دون أن تضحي حتى برجل واحد، من نظامها الفاسد، الذي وُشِمتَ بالفساد فيه بسبب فساده! هذا الأمر غير منطقي وغير متفق مع صحيح القول والفعل.
اليوم، ومع شديد الأسف، أصبح الملف السوري، ملفا فِتنويا بامتياز بالنسبة للكثيرين، دولاً وجماعات وأفراداً، رغم أن ظروفه واضحة تماماً. ما أدعيه في ذلك، أنه ومن غير المعقول، أن يتحوَّل هذا النظام القمعي إلى «عجل السَّامِرِي» بالنسبة للبعض، فيقع في عبادته سياسياً. فالنظام السياسي، الذي لا يتمتع بأبسط أشكال الحكم الرشيد، لا يستأهل أن يُدافِع عنه أحد، فضلاً عن أن يُضحَّي من أجله. هذه ثابتة جَليَّة، لا تحتاج إلى مزيد من التفسير والشرح، لكي لا نبتَلى جميعًا بالبحث عن بقرة صفراء فاقعٌ لونها تسرُّ الناظرين.
أن تدافع إيران (الإسلامية) وروسيا (الأرثوذكسية) والصين (البوذية) وفنزويلا (اليسارية) عن سورية (البعثية) يعطينا الصورة الحقيقية للمشكلة. إنها المصالح، وموازين القوى الإقليمية والدولية وليس شيئاً آخر. أن يظهر في لبنان وفلسطين والعراق ومصر والأردن وتونس وتركيا الكثير من السُّنة والشيعة والمسيحيين والقوميين والمقاومين يُدافعون عن النظام السوري، فهو يعطينا فكرة عن مدى سياسية الموضوع. إنها مسطرة ممتدة من الرؤى المعقوفة، والمصالح غير المنتهية بين كل هؤلاء، والضحية هو الشعب السوري المسكين.
نقطة نظام أذكرها هنا، وقد ذكرتها في مقالات سابقة، وهي أن انتقاد النظام السوري، والدعوة إلى تغييره، لا تعني دفاعاً مطلقاً عن جماعات تمارس الإرهاب داخل سورية، سواء عبر التفجير أو التفخيخ، أو الاختطاف، أو عبر العبث بالسِّلم الأهلي، باسم كونها معارضة. ولا دفاع عن ضرب المنشآت الخدمية، من بنوك ووزارات وأحياء مأهولة بالسكان، فهذه من المسلَّمات. أقول كل ذلك، على رغم أن نقد النظام السوري، لا يحتاج إلى كل تلك التوضيحات، إلاَّ أن البعض (ومع شديد الأسف) يحتاج إلى أن يُذكَّر بهكذا توضيح في كل مرة.
البعض من هؤلاء بات يتحدث عن فبركات إعلامية يتم توظيفها زوراً وبهتاناً في الملف السوري وضد النظام. وآخرون يتحدّثون عن مبالغات في الضحايا، وقيام تحالفات دولية سوداء، تخدم «إسرائيل». إذاً، النتيجة، أنهم وبهذا الحديث، يريدون من الجميع أن يقبل بهذا الواقع الكريه لشكل هذا النظام القروسطي الدكتاتوري! هذا هراء. وهو خطاب خمسيني خشبي، ينص على أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، إلى أن وجدنا القوات الإسرائيلية، وهي في وسط سيناء، والضفة الغربية وغزة، والجولان، ولاحقاً في جنوب لبنان، بل حتى العاصمة بيروت!
البعض اليوم، ممن يؤيدون النظام في دمشق، يتحدثون عن أن هناك فبركات إعلامية يقوم بها الإعلام العربي والغربي ضد سورية، لكنني أقول، ان وجود تلك الفبركات من عدمها، لا يعني أن النظام لا يكذب حتى في النشرات الجوية! ووجودها لا يعني أن صورة واحدة فقط غير صحيحة لصبي أو شاب مقتول على يد الأمن أو الجيش في درعا أو حمص أو إدلب، وهي تكفي لكي نطلق عليها «انتهاكا إنسانيا». ثم ان تكون هناك مبالغات في سقوط الضحايا كما يقول هؤلاء، فهذا لا يعني أن مئتي شخص لم يقتلوا في عموم سورية على يد الأمن والجيش، وهو رقمٌ كافٍ لأن يستقيل هذا النظام، ويُحاكَم متهموه. هذه معادلات خاطئة، تبريرية، يريد أصحابها إرضاء لضمائرهم فقط نتيجة مواقفهم هذه.
لا ندري كيف نفهم الأمور بأكثر مما هي عليه من الوضوح، لكننا لا نقول في هكذا أشياء إننا حملناها على محاملها السبعين وسلمنا بجموحها العاطفي، إلاَّ ما قاله الشاعر البرتغالي فرناندو بيسو: إذا تمكن القلب من التفكير فسوف يتوقف عن النبض.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3551 - الأحد 27 مايو 2012م الموافق 06 رجب 1433هـ
أتيت بها في الصميم يا أستاذ محمد
مشكلتنا في التعاطي مع الثورة في سورية و الأنتفاضة هنا في البحرين هو منطق إما معنا إما ضدنا ، لا تكاد تجد فرداً يؤيد بالفعل كلتا الحالتين و بحياد واقعي بدون غلو و إلغاء للآخرين . الكل يتهم الآخر بالفبركة و الحقيقة انهم جميعاً يفبركون . الواقع بسيط . بشار الأسد مجرم. الثورة شرعية. و في البحرين الأنتفاضة داخلية ديمقراطية مشروعة . كفى كذباً على الشعوب باسم المذهبية و العنصرية.
رد على الفقه الواقعي
من غير الصحيح في مناقشة الموضوعات أن يتم مهاجمة صاحب الفكرة عن مواجهة الفكرة ذاتها وهو ما ينطبق عليك بالضبط وهذا المنهج لا يدل على الرقي والموضوعية ابدا بقدر ما يدل على سيطرة العواطف وحدة المزاج
كل الشكر للكاتب على هذا الموضوع والشكر للوسط كذلك
الأخ العزيز محمد
الأولوية حاليًا لوقف العنف
انا لست مع النظام السوري بشكله الحالي إلا ان أخذ الأمور من دون روية في الاتجاه المعاكس ليس هو الحل
أي أن الحل في سوريا يجب أن يتعدى هذه المرحلة حتى يمكن لشكل النظام أن يتغير فترك الساحة الآن للمتردية والنطيحة لتعيث في الأرض الفساد ليس في مصلحة السوريين أنفسهم
أخيرًا إجعل بوصلتك فلسطين
كل شيء يرمى على القاعدة !!!
توجد بعض التعليقات على المقال كأن القاعدة هي اساس المشكلة ، انظروا إلى كل نظام سقط كان يقول أن السبب هي القاعدة ولما سقط لم نرى اثر للقاعدة. بعدين المعرضة السورية صار لها أكثر من 8 أشهر سلمية ولم تحمل السلاح بس شافوا انه مو في فايدة بعدين تم انشقاق الجيش وتم التسليح بالسلاح الخفيف فأين كانت القاعدة لأكثر من 8 اشهر لماذا لم نرى أي شي؟ كونوا منصفين آلاف القتلى السوريين من قتلهم أليس النظام البعثي، ايوجد احد يقول غير هذا الكلام ، من يقول غير هذا فهو ارهابي وشبيح وقاتل .
المشكلة ان الذين يريدون حكم سوريا هم أشد فتكا من النظام
لو كان الداعمين لمن يريد حكم سوريا اخذوا الموضوع بروية وحكمة لكان الوضع افضل مما هو عليه اليوم ، وضع سوريا معقد أيما تعقيد وليس من السهل تفكيك معادلاته بهذه البساطة ، وما عقد الوضع أكثر الأصطفاف السياسي بين الطرفين للنظام أنصار وللمعارضة أنصار وكل شد الى أعلى مراتب الشد وبات التراجع صعب بوجود هذا العدد المهول من القتلى والجرحى لا أأويد بشار ولا المعارضة أنا مع الشعب السوري الكل لعب لعبة طحنت جماجم الشعب ولم يستطيعوا الخروج منها ودخلت خرابة الدول القاعدة فزادت الطين بلة .
يزداد احترامي لك يوما بعد يوم
روؤيه وتحليل انساني وثاقب لمايدور في سوريا
اتمنى من كل قلبي ان يتفهم قراء الوسط الوضع في سوريا وان يتم النظر الي الامور بمصداقيه ومن دون طائفيه سياسيه.
كما اتمني من بعض كتاب الوسط ان يكتبوا بتجرد وصدق كما يكتب الاستاذ محمد وبعيدا عن الولاء السياسي او الطائفي
فقه الواقع
يبدو من الصورة للاخ الكاتب محمد انه من مواليد السبيعينات ولم يشهد زلزال عام النكسة وتوابعها حيث لا صوت يعلوفوق صوت المعركة..الاستاذ محمد محلل ومراقب سياسي من الدرجة الاولي و ليس من المطلوب من المحلل السياسي ان يفسر ما يقول وان يقدم الاعذار تبعا لما قال..كتابات ونحليلات محمد تعكس ثقة كبيرة بالنفس نتيجة للقرآة الكثيرة وشحذ المهارات اللغوية والمعلوماتيه في فهم وفقه الواقع. وفقك الله
لماذا
لماذا حرام على النظام في سوريا الاصلاح ونحن يجب علينا ان ننتظر العمر كله كي يتفظل علينا بشي من الاصلاح ....المساله اكبر من هيك
الأستاذ محمد مع التحية ..(2)
أَحترمُ وجهة نظرك باعتبارك كاتب مثقف وطالما أعجبت بالعديد من مقالاتك ،ولكن ألا يجب التوقف فيما يتعلق بنوع هذه المعارضة الهوجاء ، ألا يجب التأمل فيمن مدهم بالسلاح ولم ، ألا يجب التوقف عندما يتعلق الأمر بديمومة المقاومة الفلسطينية ، لا يغرنك الذقون الكثيفة للبعض فهاهي اللحى تملأ الخافقين وليس من هم لديهم إلا قتل المسلمين أمثالهم ، أقول أن استماتة بعض الأنظمة المتصالحة مع الصهيونية في إعطاء السوريين هذه الحرية مسألة تبعث على التأمل،وإلا فما بالهم غضوا الطرف عن البحرين رغم سلمية حركتها؟!
الأستاذ محمد مع التحية ..(1)
طالما رددت وعبر مقالات متكررة في حق السوريين في الإنتفاض على الظلم وهذا حق، ولكن وجود بعض الأنظمة المؤيدة للنظام بدأ من روسيا كما ذكرت ووجود بعض الأنظمة المعارضة للنظام كأمريكا ، ينبئك وأنت خبير بأن القادم هو في حب أم الدلال(اسرائيل) والمعارضة في شكلها الحالي أو على الأقل كثير من فصائل المعارضة انتهجت الخط العنيف التخريبي كما هو حال العراق ، وهؤلاء الناس يتخوف منهم على مستقبل سوريا،فبشائرها التهديد بنسف ضريح السيدة رقية فما علاقة ذلك بظلم الأسد ؟
خذو حذركم
الحرية في سوريا شفناها من خلال هالمسلسلات والفن الراقي الذي استطاع ان يتقدم بسوريا عشرات السنين والخوف ان مجيء الاسلاميين سينهي كل هذا الرقي والمدنية في سوريا مثل الحال الذي ينتظر مصر ارض الكنانة
القاعدة ام البعث
هل تريد ان تحكمك القاعدة فتوفر لك العيش الرغيد والحريات المصانة والتنمية الاقتصادية ؟؟ بالفصيح يقولون خلك على جنونك يا يجي لك أجن منه
تحياتي الخالصة لك استاذي الكريم