العدد 3549 - الجمعة 25 مايو 2012م الموافق 04 رجب 1433هـ

شهر لمتهم أدين بقضية تجمهر

قضت المحكمة الصغرى الجنائية الثالثة برئاسة القاضي مفتاح سليم وأمانة السر حسين حماد بحبس متهم لمدة شهر وتغريمه 100 دينار لإدانته في قضية تجمهر وشغب.

وكانت النيابة العامة وجهت إلى المتهم تهمة التجمهر والشغب وفقاً للمادتين (178) و(179) من قانون العقوبات لأنه في يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2011 اشترك مع آخرين في تجمهر في مكان عام ومؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه الاخلال بالأمن العام.

وقد تقدم المحامي محمود ربيع بمذكرة دفاعية طالب في نهايتها ببراءة موكله، كما تقدم بمذكرة دفاعية دفع من خلالها بعدم دستورية مادتي الاتهام، إذ تنص المادة رقم 178 من قانون العقوبات على أنه: «كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل، الغرض منه ارتكاب الجرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها أو الإخلال بالأمن العام ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تجاوز مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين».

فالبيِّن من صياغة المادة سالفة الذكر، أنها تثير عدة شبهات في مدى دستوريتها. فأي تشريع عقابي، لابد أن يدور في فلك المادة 20/ أ من الدستور التي تنص على «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون...»، ولإعمال هذا النص فلابد من أن تكون النصوص العقابية محددة لعناصر التكليف الجنائي في القاعدة الجنائية تحديداً واضحاً بحيث يفهم المخاطب به المواطن العادي الأفعال المؤثمة في هذه النصوص. فالغاية من إقرار مبدأ الشرعية هو ضمان إخطار الجمهور المخاطبين بالقانون بالأفعال التي تعتبر جريمة ويستوجب على مرتكبها العقاب، الأمر الذي يستلزم معه وضوح قصد المشرع. وكل غموض في النص من شأنه أن يؤدي إلى التحكم القضائي الخطر.

وتابع ربيع أن حرية الرأي والاجتماع من الحقوق الدستورية التي نصت عليها كل من المادتين (23) و(28) من الدستور، وهي حقوق لا يمكن للقانون أن يتجاوزها ويمارس سلطته في إسكاتها بقوة القانون وإلا كان مخالفاً لما علاه من قاعدة أعلى وهو الدستور. فتلك الحقوق كما تعبر عنها المحكمة الدستورية المصرية بأنها من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم؛ فإن هدم حرية الاجتماع، إنما يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام الحكم يكون مستنداً إلى الإرادة الشعبية؛ ولا تكون الديمقراطية فيه بديلاً مؤقتاً، أو إجماعاً زائفاً، أو تصالحاً مرحلياًّ لتهدئة الخواطر؛ بل شكل مثالي لتنظيم العمل الحكومي وإرساء قواعده؛ ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون، وفي الحدود التي تتسامح فيها النظم الديمقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها. وحيث حدد المشرع الدستوري قيدين لحرية التجمع هما أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية، وألا تتنافى مع الآداب العامة. ولما كانت المادة (178) من قانون العقوبات فرضت عقوبات على التجمهر المجرد المقترن لغرض غير مشروع خلافاً للقيد الذي نص عليه الدستور، مما تكون معه المادة (178) عقوبات قد وقعت في المخالفة الدستورية.

وخلاصة القول، إن جريمة التجمهر المنصوص عليها في المادة (178) من قانون العقوبات دارت في رحى عدم الدستورية لاكتنافها الغموض وعدم التحديد التي تتطلبها الشرعية الجنائية الدستورية فضلاً عن مساسها بجوهر الحق وهي حرية التعبير وحرية الاجتماع وعدم المساواة في المراكز بشأن المعاقبة على النيات والأعمال التحضيرية.

وعليه نلتمس من عدالة المحكمة تقدير جدية الدفع بعدم دستورية المادتين رقمي (178)، (179) من قانون العقوبات ووقف الدعوى وتمكين الدفاع من رفع الدعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية.

كما دفع ربيع بعدم توافر أركان جريمة الشغب والتخريب، إذ إن النيابة العامة أسندت الى المتهم تهمة التجمهر والشغب في مكان عام، وبين لعدالة المحكمة أن الجريمة تتطلب توافر أركانها بنوعيها المادي والمعنوي والمفترض.

ففي الشق المادي لا يوجد دليل واحد يثبت أن المتهم قام بالاشتراك في تجمهر أو أنه قام بأية حركة من الحركات المادية لتلك الجريمة إذ ان شهادة شاهد الاثبات خلت من رؤيته المتهم يشارك في التجمهر أو يمارس أياًّ من الأفعال المادية المجرمة قانونا وفقا للمادة (178) عقوبات، أما الركن المعنوي وهو القصد الجنائي وهو علم الجاني بأنه يرتكب الجريمة وتوجه ارادته الى ارتكابها، وجريمة التجمهر من أجل تحقيق غرض غير مشروع هي جريمة عمدية يأخذ الركن المعنوي فيها القصد الجنائي الخاص، فالجناة هنا يعملون على تحقيق غرض معين واتجاه ارادة الجناة الى تحقيق هذا الغرض هو العنصر اللازم توافره لتحقق القصد الخاص، ويعني ذلك أنه يجب ان يتوافر القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والارادة، بالاضافة الى اتجاه هذه الارادة الى تحقيق غرض من الأغراض التي عدتها المادة (178) من قانون العقوبات.

وعليه؛ فإن افادته جاءت خاوية الدليل والاثبات وغير واضحة فيما اذا كان المتهم مع المتجمهرين الذين قاموا بتلك الافعال المنسوبة إلى المتهم ظلما وبهتانا من دون ان يقترف شيئاً من تلك الأفعال والتي لا تمت له بصلة لا من قريب ولا من بعيد، هي بعيدة عنه كل البعد نظرا إلى الأمراض التي يعانيها حيث انه لا يستطيع حتى مزاولة الرياضة.

الأمر الذي تضحى معه هذه الدعوى منعدمة السند، مما يستوجب الحكم ببراءة المتهم من التهمة المسندة إليه. «إذ إن الأحكام تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال، فإذا كانت المحكمة لم تنته من الأدلة التي ذكرتها إلى الجزم بوقوع الجريمة من المتهم بل رجحت وقوعها منه فحكمها بإدانته يكون خاطئاً». كما دفع ربيع ببطلان اعتراف المتهم بمحضر الشرطة لكونه وليد اكراه، إذ انه من المقرر قانوناً أنه يتعين لكي يكون الاعتراف الصادر عن المتهم دليل اثبات صحيح قانوناً ويمكن التعويل عليه في ادانة المتهم، أن يكون صادراً منه عن إرادة حرة. ويقصد بالارادة الحرة قدرة الانسان على توجيه نفسه الى عمل معين او الامتناع عنه، وهذه القدرة لا تتوافر لدى الشخص الا اذا انعدمت المؤثرات التي تعمل في إرادته وتفرض عليه اتباع وجهة خاصة.

وتابع ربيع أن تقرير الطبيب الشرعي المرفق بالأوراق؛ أكد أن الآثار الموصوفة تؤكد أن وجودها ذو طبيعة رضِّية واحتكاكية نشأت من المصادمة والاحتكاك بأجسام صلبة وخشنة أياًّ يكن نوعها وهي جائزة الحدوث وفقاً للتصور والتاريخ الواردين بمذكرة النيابة، علماً بأن الاصابات المشاهدة متمثلة في تكدم بلون مخضر باهت مقابل منتصف قصبة الساق اليسرى في مساحه 8× 7 سم، وتسحج خدشي طويل الوضع بطول حوالي 15 سم شريطي الشكل بسمك حوالي 1 سم مقابل مقدم الفخذ الأيمن، وتكدم شريطي الشكل مقابل خلفية اليد اليمنى مائلة الوضع وبطول حوالي 4 سم وعرض حوالي 1 سم وبلون بنفسجي، ما يثبت أن المتهم تعرض للضرب المبرح لانتزاع الاعتراف منه في مركز الشرطة؛ الأمر الذي لا يجوز معه الاعتداد بهذا الاعتراف لكونه وليد إكراه وتعذيب جسدي ونفسي.

كما دفع ربيع بنكران التهم أمام النيابة العامة والمحكمة، إذ من المقرر فقهاً وقانوناً أن يشترط لصحة الاعتراف أن يكون صادراً أمام المحكمة حتى يتم التعويل عليه، فلما كان ذلك وكان الثابت من أن المتهم أنكر التهم المنسوبة اليه أمام النيابة العامة وأمام عدالة المحكمة، وبين أسباب وظروف اعتقاله بأنه تفاجأ بوجود أفراد الشغب وعلى الفور تم القاء القبض عليه الأمر الذي يفقد الاعتراف الصادر عنه بمركز الشرطة وذلك لصدوره عن ارادة معيبة بعيب الإكراه.

وانتهى ربيع بما جاء في مذكرته بطلب البراءة واحتياطياًّ استعمال منتهى الرأفة مع المتهمين بالاكتفاء بالغرامة وفقاً لمواد الاتهام أو الاكتفاء بالمدة التي قضوها في الحبس الاحتياطي أو الأمر بوقف تنفيذ العقوبة وفقاً لنص المادة (81) عقوبات.

العدد 3549 - الجمعة 25 مايو 2012م الموافق 04 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً