وأنا في القاهرة وصلتني رسالة نصية مفادها: «عبد الله العباسي في ذمة الله»!
ظننتُ الخبر مزحةً ثقيلة، ثم ما لبثت أن استدركت: هذا ليس مزاحاً، فلا أحد يمزح في أخبار تتعلق بالموت، إضافة إلى أن التي أرسلت الخبر لم تعتد إلا على إرسال الأخبار المؤكدة والجادة فقط.
كنتُ في قاعة المؤتمر حينها، أنتظرُ بشغفٍ ورقة «المطران مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم» حول «تفكيك الكراهية في العالم العربي»، لكنني لم أحتمل بقائي في القاعة كي لا يلتفت أحد إلى شرودي ومسحة الحزن التي غزت وجهي فجأة وأنا التي اعتدتُ مقابلة الجميع بابتسامة لا أحب أن تفارق وجهي، فقررتُ أن أخرج منها. توفي عبدالله العباسي إذاً، العباسي الذي كنا نسميه ملح المناقشات والمداخلات بعد كل فعالية مهما كان مجالها، ثقافية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تاريخية، إذ اعتاد حضور أغلب الفعاليات المقامة في أكثر المؤسسات والمنظمات الأهلية والمجالس.
عبدالله العباسي الذي طالما شاكس المحاضرين والمنتدين عبر أسئلة ومداخلات تصل أحياناً إلى وصفها بالمتفجرات لحدة طرحها وعدم اهتمام صاحبها بزعلٍ أو عتبٍ قد يلقاه ممن يجلس خلف المايكرفون في القاعة، بعد أن يطرح وجهة نظره المخالفة تماماً لما طرح الأخير.
عبدالله العباسي الذي كان يدخل القاعة مبكراً في كل مرة، حتى يكاد يكون الأول بعكازته التي عرفته بها مذ رأيته في المرة الأولى، وبابتسامته الباحثة بين الوجوه عن أحبته ومعارفه ليلقاهم بترحيب وتهليل. كان على قدرٍ كبيرٍ من الصراحة جعله يخوض معارك نقاشية مع الكثيرين، فلم يعبأ بمنصبٍ لأحد ولم يكترث باسم أو عائلة حين يكون الأمر متعلقاً بإبداء رأيٍ أو بالمطالبة بحقٍ أو بطرح وجهة نظر يراها مخالفة لمن أمامه.
كان دائم الانتقاد، دائم الحضور، لا يدخل مكاناً إلا وترك له أثراً.
يعرفه من حوله بطباعه هذه فيحبونه أكثر وعلى رغم تعرضه لكثير من المشكلات إلا أنه ظل ملتزماً بخطه حتى في كتاباته الصحافية التي نشرها في هذه الصحيفة وتلك باعتباره لا يبقى في مكان واحد ولا يحب أن يكون محتكراً لجهة واحدة، ولأنه لم يحظَ بالفرصة التي كانت تناسب صراحته وصدقه في الطرح.
رحل عبدالله العباسي ليؤكد أن الموت أنيق جداً في اختيار من ينتقي، وأن الطيبين يرحلون أولاً مخلفين وراءهم رصيداً من المحبة، وكثيراً من الشوق والألم في قلوب من أحبهم ومن تعامل معهم ومن مروا به.
رحم الله عبدالله العباسي بقدر ما كان مخلصاً لآرائه ووطنه وفكره. وبقدر ما كان طيباً عفوياً.
ومضة:
«أينما ذهبت، وكيفما كان الطقس، فاحرص دائماً على أن تصطحب معك ضوء الشمس الخاص بك».
أنطوني دانجيلو
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3547 - الأربعاء 23 مايو 2012م الموافق 02 رجب 1433هـ
الله يرحمه
الله يرحمك يا العباسي كنت اشوفه في كل مكان وفي كل فعالية وكان لازم يتكلم في النقاشات وكنت احب اسمعه واجد الله ي
المهاجم الشرس الودود
رحمك الله يا ابا عيسى . قبل وفاتة بيومين قال لي هل تظن بأني ساخرج منها هذه المرة . فقلت له يا بو عيسى خل ايمانك بالله قوي و ليس كل من مرض مات . و الناس اليوم اعمارها طويلة فلا عليك بأس . تبسم و قال إن الله على كل شيء قدير . ثم رأيته في حالة صعبة و قلت لأهلة ما علية شر . و قلبي تعتصر ألم . و جئتة كعادتي في اليوم الثاني و لم اجدة و قلت يمكن نقلوه لجناح آخر . حتى ابلغتني الممرضة بأنة انتقل لرب رحيم كريم . تغمدك الله يا أبا عيسى برحمتة و أسكنك فسيح جناتة . و سنراك في كل مجلس حتى لو رحلت عنا بجسدك .