في اللحظة الرَّاهنة تجري مراجعة عميقة، عبر العالم كلّه، للكثير من المسلّمات والشعارات السَّابقة. من بينها مراجعة لموضوعي الديمقراطية والرأسمالية.
بالنسبة للديمقراطية أصبح واضحاً أن الكلمة تحتاج عند ذكرها أن ترافقها صفات تحدِّد مجالاتها والشروط التي تحكمها. فمجال الديمقراطية ليس السياسة فقط وإنما الاقتصاد أيضاً. الديمقراطية السياسية تعالج شرعية وأدوات بناء سلطة الحكم، من حكم منبثق من إرادة ورضى المواطنين إلى انتخابات حُرّة نزيهة ممثّلة لكلّ مكوّنات المجتمع الى استقلالية وفصل للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الى تشريعات تنظيم الحريات والعلاقات والمؤسسات.
لكن الديمقراطية السياسية تحتاج أن تسير جنباً إلى جنب مع الديمقراطية الاقتصادية من توزيع عادل للثروة إلى مساواة في الفرص المعيشية إلى توافر الحدود المعيشية الدنيا لكل فرد لكي يعيش بكرامة ودون أيّ نوع من التهميش أو الإقصاء.
إضافة فان الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية تحتاجان الى شرط أساسي يحكم مسيرتهما وهو شرط العدالة كمفهوم ديني عند البعض أو فلسفي أخلاقي عند البعض الآخر. السَّيرورة الديمقراطية التي لا تحكمها مفاهيم العدالة والإنصاف والقسط والميزان لا يمكن إلا أن تنحرف في النهاية وتتشوَّه.
دعنا نأخذ مشهدين في عالمنا الحالي. ففي بلدان أميركا الجنوبية التي ناضلت سنين طويلة ضدّ الدكتاتوريات وانتقلت إلى حدٍّ ما إلى الديمقراطية أدركت منذ البداية أن ديمقراطيتها السياسية يجب أن تصاحبها الديمقراطية الاقتصادية فحقَّقت في بضع سنين، بنسب متفاوتة بالطبع، إنجازات مشهودة من مثل تقليل نسبة الفقر بما يزيد عن الثلاثين في المئة والخروج من دوَّامة التضخُّم المجنون الذي اشتهرت به كل دول أميركا الجنوبية عبر عقود طويلة من الزّمن وإنزال نسبة ديون دولها والمحافظة على نسبة نمو اقتصادي سنوي يقارب الستة في المئة. في هذه الأجواء تحسَّنت الإنتاجية من خلال تعميم وتحسين للتعليم والتدريب .
لنقارن ذلك بدول الغرب الرأسمالية الرئيسية من مثل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي إن هذه الدول الديمقراطية العريقة ظلت عبر سنين طويلة تعطي اهتماماً كبيراً ومستمراً بالجانب السياسي من الديمقراطية، بينما ظلّ الاهتمام بالجانب الاقتصادي متذبذباً خاضعاً لمعطيات الظروف. بعد الحرب العالمية الثانية، وخوفاً من انتقال عدوى الفكر الشيوعي إليها، أعطت الكثير من دول الغرب ذات الحكم الديمقراطي السياسي اهتماماً ببناء نوع معقول من دولة الرعاية الاجتماعية التي عوَّضت إلى حدٍّ ما عن عدم الالتزام بمتطلبات الديمقراطية الاقتصادية. لكن طبع الرأسمالية المتوحّشة الظالمة عاد في ثمانينيات القرن الماضي تحت راية الليبرالية الجديدة التي في قلب ممارستها فصل تعسُّفي بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية.
إضافة لذلك جاءت الموجة العاتية من العولمة غير المنضبطة فدخل الغرب الديمقراطي في أزمته الاقتصادية - المالية الكبرى التي يعيشها الآن. والنتيجة هي ما نراه أمامنا: مظاهرات تملأ ساحات عواصم ومدن الغرب تطالب بالإنصاف، زيادة في عدد الفقراء والمهمشين، دول مهدَّدة بالإفلاس بسبب الديون، بطالة متفاقمة، تقشُّف على حساب الضعاف والمهمشين، وغير ذلك كثير.
مهما حاول الإنسان أن يفلسف ذلك المشهد فإنه يصل إلى نفس النتيجة: عندما تفصل الديمقراطية السياسية عن الديمقراطية الاقتصادية تصبح الأولى نظاماً عاجزاً عن حلّ المشاكل الوجودية للمجتمعات وساكنيها.
هذا التّباين في المشهدين وفي النتيجتين يجب أن يعيه جيداً من سيحملون أمانة الحكم في مجتمعات ما بعد ثورات الربيع العربي. وإذا كان لابدّ لشباب الثورات من أخذ دروس في الديمقراطية فليأخذوه من بعض دول أميركا الجنوبية. أما الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي فليس لديها ما تعطيه حالياً بعد أن ظلَّت لسنين طويلة تحلم بإمكانية وجود ديمقراطية سياسية لا تضبط ولا تلجم ولا تتحكَّم في النظام الاقتصادي الرأسمالي لتجعله نظاماً اقتصادياً ديمقراطياً يلتزم بقواعد العدالة والتساوي المعقول الإنساني في الفرص والثروات والتذكُّر الدائم بأن الأرض ما خلقت من أجل البعض، وإنما من أجل الكل.
منذ يومين كنت أحضر مؤتمراً دولياً ولفت نظري أن المتحدِّث المنتمي لإحدى دول الغرب الرأسمالية ذكَّر الجميع بأن شعار الاشتراكية يجب أن يبحث من جديد وأن الساحة لم تعد محصورة لشعار الرأسمالية فقط. أي تغير هائل نراه أمامنا وأيَّ درس يجب أن نعيه.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3546 - الثلثاء 22 مايو 2012م الموافق 01 رجب 1433هـ
و الله اهل البحرين ماينقصهم شي
غير العدالةو الكرامه سوى بالمبادى الاسلامية , الرسمالية , اشتراكية , بحرينية ( الحالية يعني ) . اذا تطبق العدالة و تحترم الكرامات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية كل شي بينحل و لو تولها امي ميقرا ولا يكتب . الشكر الجزييل الي الدكتور الذي احترمة جدا جدا
مطلوب انت
لا تترك الساحات يا دكتور
قل شيىء يفيد يادكتور
تكلم عن شيىء يستفيد منه المواطن ويقرب بين الاخوه بعد ان تباعدت القلوب والنفوس وكل واحد يريد ان ينقض على صاحبة بالوشاية وغيرها من النذالات
و هكذا ....
و على نفس الأسلوب و الفكر يجب ان لا يفصل الدين عن الدنيا بما فيها من النظم . ( تزكيه الأنسان يقلل الخلل الفكرى)