أمامنا يومان لكي نسمع (أو لا نسمع) خبرًا ما. خبرٌ يكسر النمطية السياسية للعلاقة بين إيران والولايات المتحدة. المحادثات النووية، بين إيران والدول 5 + 1 في بغداد، هُيِّئ لها لأن يتمخَّض جَبَلها، فيلِد جملاً لا فأرًا. هكذا بدا من التصريحات المتواترة من القوى الغربية وإيران معًا، وعلى لسان العديد من الشخصيات السياسية المهمَّة في النظام الإيراني. فسوادهم الأعظم، بشروا باتفاق.
الملفت من بين كلّ هذه التصريحات، هو ما قاله محمد نهاونديان، رئيس غرفة التجارة والصناعة في إيران، من أن «التسرُّع في المحادثات، لا ينبغي أن يؤدي إلى رفع مستوى التوقعات، وألا يؤدي إلى تغيير مفاجئ في الأجواء التي حصلت، نتيجة سلسلة من العمليات التي أدت إلى تراكم سوء الفهم» مشيرًا إلى أن «مجال الاقتصاد، من شأنه أن يساهم في إيجاد أجواء الثقة، لأنه يمثل ساحة للتخطيط لحلول (ربح - ربح)، فالمجال الاقتصادي يمكنه أن يؤثر في المجالين السياسي والثقافي».
هذا الحديث المختلف، والمسبوك على نمط الخطاب السياسي الغربي (عصا/ جزرة - عدم التسرع في المباحثات/ تعاون اقتصادي يؤدي إلى تفاهم سياسي)، وسط العديد من التصريحات الإيرانية المتفائلة، يعطي انطباعًا، بأن هناك تجاذباً سياسياً، ما بين أطراف داخل السلطة في إيران حول مستقبل الملف النووي، والجدل حول نقطة وصوله، وما هو حجم المكاسب التي ستحصل عليها إيران بعد تلك الجولة من المفاوضات، وعن مستوى التخصيب المسموح به، وطبيعة العمل في مفاعلات نووية بنتها إيران خلال العشر سنوات الأخيرة، كأراك ونطنز وإصفهان وطهران وفردو وأخيرًا بارشين، لكنه أيضًا، قد يعطي انطباعًا عن قيام النظام الإيراني بالالتفاف على الأزمة النووية مع الغرب بعد مرور عشرة أعوام على استعارها، عبر تطعيمها بنوعٍ من الاعتدال السياسي، كون نهاونديان من الشخصيات المحسوبة على التيار الإصلاحي في إيران.
في كل الأحوال، وأمام شطرَي هذه التصريحات المتفائلة وتلك الحذِرَة، بدأت طهران، في تهيئة الرأي العام الإيراني الداخلي بأن شيئًا ما قد يحدث خلال مفاوضات يوم الأربعاء. في البداية، قاموا بإعدام شخص يُدعَى مجيد جمالي فشي، قالوا إنه هو مَنْ اغتال العالِم النووي الإيراني مسعود علي محمَّدي، بدراجة نارية مفخخة أمام منزله شمال طهران في يناير/ كانون الثاني من العام 2010 وذلك لتسييل المزيد من الزخم النفسي والشعبي الداخلي المرتبط بالملف النووي الإيراني ومفاوضاته.
ثم بدأوا يُشِيْعُون عبر تصريحات الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، بأنهم لن يقدموا تنازلات للغرب مقابل رفع العقوبات، رغم أن ذلك، يتنافى وتصريحات نهاونديان السابقة، ومع تصريحات نائب رئيس البرلمان محمد باهنر، الذي اعتبر رفع الحظر الاقتصادي على إيران خطوة بناءة. أيضًا، أخذوا يُروِّجون إلى أن طهران تدخل مفاوضات بغداد، وهي تحتل المرتبة السابعة عشرة من بين اقتصاديات 183 دولة للظهور بمظهر صاحب المبادرة، ولإقناع الداخل الإيراني عن قوة شكيمتهم على طاولة المفاوضات، رغم المشكلات التي يواجهونها في مدفوعات بيع النفط بعد فرض العقوبات عليهم، لدرجة قبولهم مدفوعات دلهي بالروبية الهندية!
أيضًا، رَمَوا بتصريح من عِدَّة كلمات، خلال الملتقى الأول لاقتصاد التحدي بجامعة العلوم الصناعية، والذي حاضَرَ فيه العديد من شخصيات النظام المهمَّة، حين قال جليلي «يعتقدون (دول 5 + 1) أن الوقت لإجراء المحادثات ينفد، إلا أنني أقول لهم، إن ما ينفد حاليًا، هو الوقت أمام استراتيجية الضغط» وهم يريدون بذلك الحديث، أن يخرجوا بنتيجة شُعُوريَّة، بأن العقوبات التي فرِضَت على إيران، وفق القرارات الأممية المتوالية، والقرارات الأميركية والأوروبية لم تضعِفهم.
أطراف التفاوض الأخرى في الغرب أخذوا يتبعون ذات الأسلوب، في التصريحات المتدرجة المتوالية، والقائمة على استخدام جزرة الحرب وعصاها. فالأوروبيون وعلى لسان وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ تحدثوا بدبلوماسية متناهية على هامش اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي قبل أيام عندما أكَّد هيغ أنه «يتوجب على الطرفين التقدم خطوة في المحادثات المزمع عقدها في بغداد، حيث لا توجد بدائل أخرى تجاه إيران إذا ما فشلت المحادثات إلاَّ الاستمرار في فرض العقوبات».
الأميركيون كانوا أكثر غلظة في تصريحهم. فسفيرهم في إسرائيل، دان شابيرو، وخلال جلسة مغلقة مع عدد من المسئولين الإسرائيليين، الاثنين الماضي قال بأن «الولايات المتحدّة الأميركية انتهت من إعداد خطط توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، وأن الجيش الأميركي قام بتجربة العملية عدة مرات»كلها تعطي انطباعاً بأن الطرفيْن يتحدثان عن مستقبل عَدَمي، إذا لم يتوصلا إلى اتفاق، وبالتالي يصبح إنهاء الملف النووي بمثابة الضرورة الاستراتيجية للطرفين.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قامت بخطوة مهمَّة جدًا، بعد الزيارة التي قام بها يوم أمس (الأحد) مديرها العام يوكيا أمانو، ومعه أبرز مساعديه وهما هيرمان ناكيرتس، مسئول عمليات التفتيش النووي بالوكالة، ورافائيل جروسي مساعد المدير العام. أهمية الزيارة تكمن في أمرين، الأول: أنها الزيارة الأولى لأمانو منذ توليه منصبه، والثانية لمدير عام الوكالة منذ العام 2009 بعد آخر زيارة للبرادعي (المدير السابق). الثاني، أنها تأتي قبيل اجتماع بغداد بثلاثة أيام. وهي في المحصلة، مؤشر على أن شيئًا ما يجري تحضيره لاتفاق إطاري بين الجانبيْن ما لم يقع خلاف ذلك.
وربما ما قاله الخبير النووي مارك فيتزباتريك بأن «زيارة أمانو دليل واضح على أن التوصل إلى اتفاق بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران بات على وشك الاكتمال أخيرًا، أو على الأقل أعطت إيران الوكالة سببًا واضحًا للاعتقاد في ذلك»، يعطي انطباعات باحتمالية حصول تطور نوعي في ذلك الملف الحساس والخطير، إلاَّ أنه وكما قال دبلوماسي غربي في تعليقه على هذه الأنباء بشأن احتمال التوصل إلى اتفاق «سأصدِّق عندما أراه»!.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3544 - الأحد 20 مايو 2012م الموافق 29 جمادى الآخرة 1433هـ
بوفيصلللل
كل هذه المفاوضات مسرحية شبعنه منها ؟ امريكا لو تريد ان تضرب ايران جان من زمان ؟؟؟ بس التعاون اللي من تحت الطاولة ريحته فاحت وما عاد يخفى على أحد... عليهم أن يلعبوا لعبة غير ...........
تفاءلوااااا
أمانو يقول بأنه متفائل . الله يعلم شنو يصير
الزيارة
هل تمخض شيء عن زيارة المدير العام للوكالة الدولية لطهران امس؟؟؟؟؟
شكرا على المقال الجميل