ملبداً كان الجو بسياسة المقاطعة للانتخابات النيابية آنذاك، وكان الاتفاق والإجماع محسوماً لانتخابات البلديات مع مطلع شهر مايو/ أيار 2002، وجرت أول انتخابات للمجالس البلدية في 9 مايو 2002 ثم الانتخابات النيابية في يوم آخر، وكان عدد الدوائر مختلفاً، ففي البلديات 50 دائرة والنواب 40 دائرة، وبعد ذلك اشتركا في يوم واحد وفي عدد الدوائر كذلك، للاشتراك في يوم واحد أسبابه السياسية والفنية، والملاحظة الأساسية مع تلبد الجو سياسيا واختلاف طرفي المعادلة السياسية إلا أن الاجماع متحقق بالنسبة للانتخابات البلدية (الجانب الخدمي)، ولم يختلف هذا الاجماع والاتفاق حتى اللحظة، والعامل على عكس تحقيق الخدمات وتطويرها وتوسيع نطاقها في البلدي يعتبر مغرداً خارج السرب، ولا يمكن بحالٍ قبول تقديم الخدمات بناء على التمييز، كان التوجه الاستراتيجي للمجالس البلدية عندما انطلقت أن تصل للإدارة المحلية بكافة جوانبها وبأرقى معانيها، وهذا ما أشارت إليه المادة (50) من الدستور الجديد، بحيث يكفل القانون الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها، وتقوم بإدارة المرافق العامة، لكن هل عملت الأطراف في العمل البلدي على تحقيق تلك الرؤية عملياً؟
الأعضاء البلديون كانوا شديدي الحرص على ذلك في الأدوار التشريعية الثلاثة، فمن الدور الأول تكونت وتشكلت رؤية توسيع صلاحيات المجالس البلدية والاتجاه نحو مزيد من التفعيل والاستقلال، ولم تختلف التوجهات البلدية في التحسين والتطوير التشريعي لدور المجالس البلدية مع اختلاف المشارب السياسية للأعضاء البلديين آنذاك، بل كان الإجماع أحد لبنات البناء البلدي نحو الإدارة المحلية بحق، وبقيت تلك النبتة التي زرعها أوائل البلديين (جزاهم الله خيراً) صامدة عند بلديي الدور الثاني وتمت مواصلة درب تعديل قانون البلديات 35 لسنة 2001، حتى وصلت التعديلات شبه مرضية لأن البلديين كان طموحهم أكبر، وعندما أينعت ثمرة ذلك الغرس جاء الأخوة النواب وقتلوا ثمرة وطنية رعتها أيدي المخلصين من أبناء البحرين.
ومن هنا ومن هذه الخطوة النيابية السلبية قد ضربوا ذلك الهدف الاستراتيجي للبلديات والتوجه الدستوري الذي نما على يد الأعضاء البلديين، نعم كانت هناك معاناة ومازالت من بعض المسئولين ذوي المناصب العليا وكانت تصل مسامعنا بوضوح آراؤهم التي تدعو إلى تهميش دور المجالس البلدية، وكان للبلديين الدور الفعال في العمل البلدي وأن يحظى بمكانته المرموقة، وللعلم إن بعض المسئولين مازالوا لم يقتنعوا بذلك الدور، ومنهم بعض المحافظين الذين ليس لهم دور إلا في الجانب الأمني، وبعضهم يلهث وراء الخدمات لعدم وجود دور حقيقي لهم، كما هو ديدن بعض النواب.
فالطريق إلى الإدارة المحلية ذات الاستقلال تحتاج إلى تفهم دورها الحضاري في التنمية، وممارستها لوظيفة تجويد الخدمات والدفع بالمشاريع الخدمية بمختلف أشكالها للأمام لما يعكس من تطور حضري على نطاق الوطن كل الوطن، وعندما نلتقي بوزير أو وكيل كان بادياً عليه عدم هضم سعة صلاحيات المجالس، ومنها أن للمجالس البلدية دورا أساسيا في إقرار أولويات المشاريع الخدمية في نطاق الجغرافيا مادة 19 بند (و) من قانون البلديات، التي اقترح نائب برلماني تحجيم دور المجالس البلدية بدل (إقرار) تكون (إطلاع)، وما اعظمها من طامة.
والأعضاء البلديون على غير رضا بالمطلق على ما وصلت إليه التجربة البلدية، وهم ينظرون بعدم اهتمام جدي من السلطة مع كثرة التوجيهات للتعاون مع المجالس البلدية، وينطلق مبدأ عدم الاهتمام الجدي لدى السلطة من خلال تقاعس الوزارات في تطبيق ما أشار إليه قانون البلديات من تشكيل (لجان تنسيقية) في الوزارات لتكون حلقة الوصل مع المجالس البلدية، فهل قامت الوزارة بتطبيق المادة القانونية تلك؟
ومن هنا يبدو أن الأفق نوعا ما قاتم إذا استمر الحال على ما هو عليه، ولكن عندما تشاهد إصرار البلديين وكفاحهم وصراعهم في انتزاع حقوقهم التي نص عليه القانون، وما بيدهم كم سلطة الاعلام الذي يخيف الكثير من المسئولين، فعندما ترى ذلك الطموح والاصرار والمثابرة يداخلك الاطمئنان أن جهة مقاومة الدور الشعبي من وهن إلى وهن.
وفي الطرف الآخر يقف أهم أطراف العمل البلدي وهو المواطن، في البداية تجدر الإشارة إلى أن المجالس البلدية بطبيعة عملها أصبحت في كثير من الاحيان كحائط صد عن تقصير بعض الوزارات، مع العلم أن العضو البلدي بدوره يأخذ على عاتقه مشكلة المواطن البسيط لأكبر مسئول لتصل له بأمانة.
فالناس يقفون باهتمام بالغ مع المجالس البلدية لدرجة أن العضو البلدي أصبح الملاذ في كل مشكلة يقع فيها المواطن حتى لو لم تكن من اختصاصه، وهذا أقنع الناس بضرورة مساندة هؤلاء الاعضاء لأنهم ينجزون ما يحتاجون إليه، ولم يكن ذلك الاحتياج عائقا للناس عن محاسبة العضو البلدي عند القصور او التقصير.
ففي مجمل القول إن الجانب الخدمي محط اهتمام ورعاية واتفاق كل الاطراف في العمل البلدي وأركانه، فلذلك يجب أن يحظى بأولوية وطنية ويكون دافعا ومنشطا لانجاز المشروعات ذات النفع العام، أضف إلى ذلك حاجة الناس الفعلية لتطوير الخدمات المقدمة لهم وتثمين واستماع اقتراحاتهم لتطوير مناطقهم وتجميلها.
ويبقى الدور الاساسي منوطاً بالمسئولين التنفيذيين الذي يقع على عاتقهم التعاون مع المجالس البلدية وإبداء الاهتمام الكافي لمصلحة المواطن الذي يسعى البلديون لأجله.
إقرأ أيضا لـ "مجيد ميلاد"العدد 3543 - السبت 19 مايو 2012م الموافق 28 جمادى الآخرة 1433هـ