قررت حكومة البحرين خفض رسوم هيئة تنظيم سوق العمل بنسبة 50 في المئة بحيث تُفرَض رسوم قدرها 5 دنانير بدلاً من 10 دنانير على أول 5 عمال في المؤسسات وإذا ما زاد العدد على ذلك تكون رسوم العمل 10 دنانير شهرياً وينطبق ذلك فقط على المؤسسات الصغيرة ويبدأ العمل به اعتباراً من 1 يوليو/ تموز 2012، أمّا المؤسسات الأخرى فلا ينطبق عليها القرار.
وبحسب ما نشر في وسائل الإعلام سيستفيد بموجب قرار خفض رسوم العمل أكثر من 41 ألف مؤسسة تشكل 78 في المئة من إجمالي المؤسسات التي تستخدم عمالة أجنبية بمملكة البحرين.
جزم بعض من يطلق عليهم خبراء اقتصاديين أو رجال أعمال بأن تخفيض الرسوم سيؤدي إلى تنشيط وانتعاش الاقتصاد، وأنها ستنقذ مئات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة... وغيرها.
وأتساءل، أن حكومة البحرين جمدت رسوم سوق العمل (أي أعفت القطاع الخاص عن دفعها) لمدة سنة كاملة، ولم يحدث انتعاش، بل استمرت المعانات، وتطورت الأوضاع للأسوأ. وإذا كان تجميد رسم العمل لمدة سنة لم يحدث انتعاشاً، فكيف بتخفيضها 50 في المئة (مايعادل 25 ديناراً للمؤسسة الواحدة) سيحدث انتعاشاً اقتصادياً؟!
وخفض رسوم العمل عن 377 ألف عامل أجنبي، يعني فعلياً خفض قيمة الرسوم التي يدفعها القطاع الخاص من 45 مليون دينار إلى 22 مليون دينار في السنة الواحدة.
وكما ذكرت في مقال سابق (أعيد نشر بعض فقراته)، مبلغ 22 مليون دينار غير مؤثر في الاقتصاد الكلي للبحرين، فهو يعادل نسبة صفرية (0.2 في المئة) من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن رسوم سوق العمل تعتبر من التكاليف الأقل مقارنة بالتكاليف الأخرى، فمثلاً رسوم سوق العمل الكلية البالغة 22 مليون دينار، تعادل واحداً في المئة من تكاليف الرواتب التي يدفعها القطاع الخاص والبالغة 1.4 مليار دينار في السنة.
وإذا ما تمت مقارنة رسوم سوق العمل مع إيجارات المحلات التجارية من حيث نزيف السيولة، فإن التاجر الذي لديه 3 عمال أجانب سيدفع 15 ديناراً شهرياً كرسوم لهيئة تنظيم سوق العمل، لكنه سيدفع 300 دينار لإيجار المحل التجاري، ونحو 200 دينار إضافية لإيجار مخازن.
وأحد رواد الأعمال (الآن أفلس)، أرجع تدهور مشروعه إلى وضع السوق وأسعار الإيجارات بشكل رئيسي، ولم يشر إلى رسوم سوق العمل بشكل مباشر. فأصحاب المؤسسات وخصوصاً رواد الأعمال الشباب والمبتدئين، يعانون من أسعار الإيجارات، ومن الصعب عليهم الاستمرار في دفع 500 أو 1000 دينار إيجاراً شهرياً، في ظل أوضاع متردية تعانيها السوق المحلية.
قبل وبعد تجميد رسوم سوق العمل منذ أبريل/ نيسان 2011 وحتى اليوم بتخفيض الرسوم 50 في المئة، لم ينتعش الاقتصاد بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بل استمرت الأوضاع الصعبة التي بدأت بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية في سبتمبر/ أيلول 2008.
ودائماً ما أسأل أصحاب مؤسسات صغيرة عن الوضع الاقتصادي، فيكون جوابهم نفسه إن «الوضع لم يتغير»، و «وضع السوق صعب»، وهذا الجواب يتكرر سواء قبل أو تجميد رسوم العمل منذ أبريل/ نيسان 2011، وأعتقد أنه سيتكرر بعد خفض رسوم العمل.
فالمؤسسات الصغيرة مثل مريض يعاني من نزيف حاد نتيجة 3 جروح، الأول جرح صغير، والثاني متوسط والثالث كبير جداً. فهل وقف نزيف الجرح الصغير بنسبة 50 في المئة يشافي المريض؟
ورسوم العمل هي الجرح الصغير، ولا يمكن أن يؤدي خفض النزيف فيه 50 في المئة إلى شفاء المريض، مادام الجرح الكبير ينزف بغزارة.
ربما أن الاستفادة المباشرة لتخفيض رسوم العمل، هي أن التاجر الذي لديه 5 عمال أجانب، سيدفع 25 ديناراً بدلاً من 50 ديناراً شهرياً، وهو مبلغ لا يمكن أن ينعش الشركة، وإنما على قاعدة أن «المريض بحاجة إلى كل قطرة دم». والمشكلة التي تعانيها المؤسسات الصغيرة ليست الرسوم لأنها جرح صغير، لكنها تعاني من كساد في السوق (الجرح الأكبر) نتيجة خلل في حركة ودوران الأموال في السوق المحلية.
تخيل، أنك صاحب مؤسسة فيها 5 عمال أجانب، ومدخولك الشهري 2000 دينار، فهل سيضرك دفع 50 ديناراً أو 25 ديناراً كرسوم لهيئة تنظيم سوق العمل؟. لكن لو كان مدخول مؤسستك الشهري 100 دينار، هل تستطيع دفع 50 ديناراً كرسوم لهيئة تنظيم سوق العمل؟
فالمشكلة تتعلق بالاقتصاد والسوق المحلية، إذا كان هناك نشاط في السوق، فإن المؤسسات قادرة على دفع الرسوم، ولكن إذا كان هناك كساد فإنها لا تستطيع دفع الرسوم.
والكساد الذي تعانيه المؤسسات الصغيرة هو نتاج أسباب مختلفة أهمها، خلل في حركة ودوران الأموال في السوق المحلية، وأعتقد أنه حتى لو قامت الحكومة بتفعيل السياسة المالية والنقدية وضخت 1000 مليون دينار، فإن أوضاع المؤسسات الصغيرة لن تتغير مادام الخلل موجوداً في حركة ودوران الأموال مدعوماً بالطمع والجشع البشع. وكل التجار يعرفون هذا الخلل. هناك الكثير من الأفكار المطروحة لإنعاش المؤسسات الصغيرة، وسنقدم فكرة، قد تساعد على تصحيح الخلل في حركة دوران الأموال في المقال المقبل، في قالب قصصي بعنوان «بنت أم أحمد... والأزمة الإسكانية».
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 3543 - السبت 19 مايو 2012م الموافق 28 جمادى الآخرة 1433هـ
في الصميم يا مغني
كلام سليم ، والحكومه متعلمه اتعيش الناس بالتقطير في كل شي
الخلل والحل للسياسين معروف
الخلل والحل معروف لدى ارباب السياسة وهو : اذا انحلت المشكل الكبير في سوريا ومصر واليمن ، هذه الثلاث الدول ستنحل المشاكل عندنا في الخليج ، اما اذا تعقدت للآسوء فالطوفان سيغرقنا جميعا . نحن لم نرى المعضلات الكبيرة بعد ، لكنه كما قيل ، أشدد حيازمك للموت فانه ملاقيك وتجزع اذا حل بواديك .
كساد في السوق
والكساد الذي تعانيه المؤسسات الصغيرة هو نتاج أسباب مختلفة أهمها، خلل في حركة ودوران الأموال في السوق المحلية، وأعتقد أنه حتى لو قامت الحكومة بتفعيل السياسة المالية والنقدية وضخت 1000 مليون دينار، فإن أوضاع المؤسسات الصغيرة لن تتغير مادام الخلل موجوداً في حركة ودوران الأموال مدعوماً بالطمع والجشع البشع
مع إني ما اقرأ
مع إني ما اقرا مقالات . لكن عجبني المقال . و استمر يالورد .. و الخلل معروف و الله كريم