قررت الحكومة التونسية التي يتزعمها حزب النهضة الإسلامي في 26مارس / آذار رسمياً عدم شمل مبادئ الشريعة الإسلامية الفقهية في الدستور الجديد. ربما يشكل ذلك حركة تغيّر قوانين اللعبة في وقت تسود فيه الكثير من الانتقادات ضد الحكومة الجديدة والقلق حول صفتها «الإسلامية المعتدلة». واقع الأمر هو أن ذلك ربما يغير الأسلوب الذي يرى الناس من خلاله الحزب.
النهضة حزب ديني. هناك جزء من الشعب له صوت، مقتنع بأن السياسة والدين أمران لا يختلطان، وهو يشك بنوايا الحكومة. ولكن مع اتخاذ هذا القرار، أثبت حزب النهضة أنه عندما يعود الأمر إلى الدستور، فهو غير خائف من اتخاذ موقف معارض للجماعات الدينية التونسية المحافِظة.
فاز حزب النهضة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في أول انتخابات حرة بعد 50 سنة من الدكتاتورية، وحصل على 89 مقعداً من المقاعد الـ 217 التي تشكل الجمعية العمومية. وقد اختار الحزب التحالف مع مجلس الحزب الجمهوري الذي فاز بِـ 29 مقعداً، والمنتدى الديمقراطي للعمال والحريات (والمعروف كذلك بحزب التكتل) الذي فاز بِـ 20 مقعداً، ليشكل غالبية.
ذكر المراقبون الوطنيون والدوليون أنه على رغم بعض المخالفات، جرت الانتخابات من دون فساد، متمشّية مع العملية الديمقراطية. إلا أن جواً من عدم الارتياح مازال سائداً.
أصبحت جماعات صغيرة متطرفة تستخدم العنف لكي يُسمع صوتها، ما يُفشل التوازن الثوري، تعتبر وبسرعة أنها مرتبطة بحزب النهضة بعد حوادث قليلة ولكنها كبيرة حصلت على تغطية إعلامية واسعة. ومن بين الأحداث التي تسببت بالكثير من الإثارة والضجة في الصحافة احتلال جامعة منوبا للمطالبة بالسماح للطالبات المنقّبات دخول الجامعة. استمر الاحتلال لمدة تزيد على الشهر، من دون رد فعل واضح من جانب الحكومة.
في هذا المضمون، هل يستطيع التونسيون، بل هل يتوجب عليهم إعطاء الحكومة فرصة للحفاظ على وعودها لأفراد الشعب ومحاسبتها إذا لم تفعل ذلك؟
ليس الجواب مباشراً، فدور المواطن في تونس الديمقراطية مازال جديداً، تماماً كما هو دور الناطق الرسمي باسم الحكومة. مازالت هناك خبرات سياسية داخل الحكومة، تعمل في مضمون صعب ومتوتر. يتوجب على الحكومة بدورها أن تزيد من التواصل وأن تتخذ مواقف واضحة، وخاصة فيما يتعلق بأعمال العنف. يجب أن تكون تصرفاتها وسياستها واضحة بشكل كافٍ حتى يتسنى لأتباعها وقاعدتها الانتخابية تقييم ما إذا كانت الحكومة تلتزم بوعودها.
كذلك لدى المجتمع المدني مسئولية بإعطاء الحكومة المنتخبة ديمقراطياً فرصة للنجاح. تراكمت المشاكل التي تواجه تونس اليوم عبر عقود كثيرة، وليس من المعقول أو المنطقي أن نتوقع من الحكومة أن تجد حلاً سحرياً خلال شهور قليلة. من المهم أن تحقق الحكومة مسئولياتها، ولكن عندما نركّز فقط على الأخطاء، قد لا نرى الأمور التي قامت بها بشكل جيد.
تتهم بعض الوسائل الإعلامية الحكومة بالرقابة، إلا أن هذه الرسائل تملك اليوم الحرية لانتقاد التصرفات الحكومية. هذه الحرية جيدة لصالح الديمقراطية.
هناك أيضاً بعض التطورات الواعدة على الجبهة الاقتصادية، والتي يجب عدم تجاهلها. كان نجيب الغربي، مسئول الاتصالات في حزب النهضة واضحاً: الاقتصاد هو أولوية الحكومة، وعندما يعود الأمر إلى الاقتصاد فإن الأمور تتحرك. على سبيل المثال، وفي الضواحي الشمالية لتونس، بدأ العمل على إنشاء مركز أعمال ضخم. وفي النفيضة على بعد كيلومترات قليلة من مدينة سوسة الساحلية الكبيرة، هناك مخططات لبناء ميناء سيتسع لسفن الشحن الضخمة. كما استؤنف العمل بمشروع سما دبي، وهو مشروع عمراني ضخم على بحيرة تونس كان قد توقّف بسبب الثورة. تمثّل هذه المبادرات وحدها آلافاً من فرص العمل.
نستطيع إعطاء الحكومة فائدة الشك، وأن نبقى في الوقت نفسه واعين لضمان المساءلة. كما نستطيع إبقاء العين الناقدة من دون تقديم نقد سلبي بشكل متواصل. النقد والمعارضة جزء من العملية الديمقراطية، ولكن الاحتفال بالتغيير الإيجابي له الأهمية نفسه.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3543 - السبت 19 مايو 2012م الموافق 28 جمادى الآخرة 1433هـ