العدد 3542 - الجمعة 18 مايو 2012م الموافق 27 جمادى الآخرة 1433هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

إشاعة الفاحشة

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (النور: الآية 10). عرّف فقهاء اللغة والمفسرون كلمة «الفحش والفاحشة والفحشاء» بأنها: «كل ما جاوز الحد من القول والفعل»، كالبذاءة في الكلام، والزنا، والإخلال بالشرف والعفة والأمانة.

تتحدث الآية الكريمة عن أمر مهم وبالغ الخطورة وهو الفاحشة؛ ويلاحظ أن الآية تحدثت عن محبة إشاعة الفاحشة، وبذلك يُلفت القرآن الكريم نظرنا إلى أن هذا الفعل - المحبة والمبادرة إلى نشر وترويج الكذب والإفتراء فضلاً عن كونه فاحشة - يستحق العقاب والعذاب الأليم.

ومما ورد من أحاديث في هذه المورد، ما روي في كتاب الكافي لثقة الإسلام الكليني عن رسول الله (ص) أنه قال: «إِنَّ الله حرّم الجنة على كل فحاش بذيء، قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية (ضلال) أو شرك شيطان، فقيل: يا رسول الله! وفي الناس شرك شيطان؟ فقال رسول الله (ص): أَمَا تَقرأُ قول الله عزَّ وَجلَّ: « وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ» (الإسراء: 64).كما روي عن الإمام محمد بن علي الباقر (ع) أنه قال:»قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين، الفاحش المتفحش، السائل الملحف» (بحار الأنوار: ج79، ص111).

الفتنة أشد من القتل

عرَّف علماء اللغة العربية وفقهاؤها كالعلامة ابن منظور عن ابن الأعرابي بقوله: «الفِتْنة الاختبار، والفِتْنة المِحْنة، والفِتْنة المال، والفِتْنة الأَوْلادُ، والفِتْنة الكُفْرُ، والفِتْنةُ اختلافُ الناس بالآراء، والفِتْنةُ الإِحراق بالنار؛ وقيل: الفِتْنة في التأْويل الظُّلْم» (لسان العرب، ج 13، ص 317).

فيما عرَّفها أهل الاصطلاح من فقهاء ومفسرون قريباً من علماء اللغة العربية وفقهائها، وخصوصاً أَنَّ لفظ الفتنة ورد عشرات المرّات ولكنه بمشتقات ومعانٍ مختلفة، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ قال الإمام الرازي في تفسيره: «واعلم أن لفظ الفتنة محتمل لجميع أنواع المفاسد».

تلك التي حدَّثنا عنها أمير الحكمة والبيان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، حيث قال في إجابة له عن تفسير المتشابه في الفتنة، فقال: «ألم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ»، وقوله لموسى (ع): «وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً»، ومنه فتنة الكفر وهو قوله تعالى: «لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ»، وقوله تعالى: «وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ»، وقوله سبحانه في الذين استأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزوة تبوك أن يتخلّفوا عنه من المنافقين فقال الله تعالى فيهم: «وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ»، ومنه فتنة العذاب وهو قوله تعالى: «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» أيَّ يُعذّبون، «ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ» أي ذوقوا عذابكم، ومنه قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا» أي عذّبوا المؤمنين، ومنه فتنة المحبّة للمال والولد كقوله تعالى: «إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ» أيَّ إِنّما حُبّكم لها فتنة لكم، ومنه فتنة المرض وهو قوله سبحانه: «أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ» أي يمرضون ويعتلّون. (ميزان الحكمة، ج 7، ص 386).

والفتنة المقصودة في حديثنا هذا هي الإصرار على نشر العداء في المجتمع عبر ما يمزقه ويفتته، ويُدخِلُهُ في دوائر من الأحقاد والنعرات المثيرة لحالة الحرب والاقتتال، والظلم والعدوان، والمخاصمة والمنازعة، إلى الحدَّ الذي يُدمَّر فيه المجتمع، فلا تُبقي ولا تَذَرْ، كَموجِ البَحَرْ، المُضطرِب الهائِجْ.

وهنا نستطيع اكتشاف خطر دور اللسان الكبير ودوره السلبي إذا ما كان بهدف نشر الفتنة، حتى قيل الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها. ولهذا نجد أن الخالق سبحانه وتعالى قد أعدَّ لمثل هذا اللسان عذاباً وصفه الحديث الوارد عن أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) في كتاب شرح أصول الكافي للمولى المازندراني أنه قال: «قال رسول الله (ص): يُعذِّبُ اللهُ اللِّسَانَ بِعذَابٍ لا يُعذِّبُ بِهِ شيئاً مِنَ الجوارِح، فيقول: أَيَّ رَبِّ عَذّبْتني بِعذَابٍ لَمْ تُعذِّبْ بِهِ شيئًا؟ فيُقالُ لهُ: خَرَجتْ مِنكَ كَلِمَةٌ فَبَلَغَتْ مَشارِقَ الأرضِ ومَغَارِبَها، فَسُفِكَ بِها الدَّمُ الحَرِامْ وانتُهِبَ بَها المالُ الحَرَامْ وانتُهِكَ بِها الفْرجُ الحَرَام، وعزَّتي وَجلالي] لأُعذِبَنَّكَ بِعذَابٍ لا أُعذِبُ بِهِ شيئاً مِنْ جَوارِحِك» (ج 8، ص 339).

أهمية الكلمة في الإعلام المعاصر

كثيرة هي الأبحاث والدراسات التي تناولت القواعد الأخلاقية والضوابط القيمية التي من شأنها توجيه الكلمة الصادرة عبر وسائل الإعلام المتعددة - وعلى الخصوص في دائرة الأبحاث والدراسات الإسلامية المهتمة بالإعلام وشئونه - التي أصبحت تتجاوز المساحات الجغرافية الضيقة إلى مساحات أكبر حجماً، وبالتالي فإنها تلعب دوراً محورياً في التأثير على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها لمختلف قطاعات المجتمع البشري، انطلاقاً من المبدأ الرئيسي للإسلام في بناء الإنسان والمجتمع والدولة بناءً صالحاً وصحيحاً. لماذا؟

1 - الرسالة العالمية السامية في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لاسيَّما الرسالة الخاتمة التي ختم الله بها أديانه السماوية، والخالدة التي أراد الله لها أن تبقى خالدة وعليها يُبعث الناس يوم القيامة.

2 - نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة النابعة من منابعها الأصيلة، وخصوصاً قد أصبحت فيه بعض المفاهيم محرفةً وخاضعةً لاعتبارات الشرق والغرب السياسية وغير السياسية، كربط الإسلام بالعنف والقتل وتصنيفه كدين إرهابي، الأمر الذي انتشرت بسببه عدة مصطلحات ومسميات وظواهر خاطئة لا علاقة للدين بها في عالم اليوم كالإسلامفوبيا ISLAMOPHOBIA

3 - الدور البارز والمهم للإسلام والأمة الإسلامية على الساحة العالمية، حيث أصبح وجودها ضرورة لنشر الدعوة والارتقاء بالأمة الإسلامية إلى مصافِّ الحضارات والدول العظمى، فهو ليس ذا إعلام عادي وحسب؛ بل صاحب رسالة سامية هدفها الرئيس هو الدعوة إلى الله من خلال آلياته المتعددة.

4 - رفع مستوى وعي المسلمين بالرسالة الإسلامية والمؤمنين بمفاهيمها الشاملة لجميع مجالات الحياة، وذلك لما يتوافر عليه الإسلام من قدرة جبَّارة في بناء الإنسان وتوجيهه بشكل إيجابي ومؤثر في بناء المجتمع والدولة، انطلاقاً من مبدأ خلافة الإنسان لله سبحانه? «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ» (الأنعام: 165) وعمارته له: «هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» (هود: الآية 61).

5- دعم التواصل المثمر بين الدول والمجتمعات، والتفاعل البنَّاءِ بين الحضارات، بما يُسهِم في إحداث ثورة من التغيير الإيجابي الفعَّال على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في ظل التحولات والانقسامات التي تبشر بصراع الحضارات (The Clash of Civilizations).

من روائع الحكمة

ختاماً، نذكر رائعة مما جاءت به الرسالة الحقوقية الفائقة الروعة والبيان للإمام علي بن الحسين زين العابدين في مورد حق اللسان قوله: «حقُّ اللِّسانِ إِكْرَامُهُ عنِ الخنَا (الفُحش)، وتَعويِدُهُ الخَيَرْ، وَتَرْكَ الفُضولَ التي لا فَائِدةَ لهَا، وَالبِّرَ بِالنَّاسِ، وحُسْنَ القولِ فِيهِم».

والآخر مقطع محادثةٍ لنبي الله عيسى بن مريم (ع) يرويه ابن أبي الدنيا في كتابه الموسوم بـ «ذم الدنيا» عن أحد أعلام الزهد والتصوف في القرن الثاني الهجري وهو الفضيل بن عياض ما نصه: «إِنَّ رجُلاً مِنَ الحَواريين قَامَ إِلى عِيسى فقال: يا رُوْحَ اللهِ حَدِّثني عَنِ النَّفرِ الزُهَّادِ الذينَ لَقِيهُم يُونُسَ بنُ مَتَّى لَعَلَّ ذَلِكَ يُنَبِّهُ أَبْنَاءَ الدُنيا مِنْ رَقدةِ الغَفْلَةِ وَيُخرِجَهُمْ مِنْ ظُلمَةِ الجَهَلْ؛ فَرُبَّ كَلِمَةٍ قَدْ أَحَيتْ سامِعَها بَعْدَ الموت، وَرَفَعتْهُ بَعْدَ الضِّعَة، وَنعَشتْهُ بَعْدَ الصَّرعْة، وأَغْنتهُ بَعْدَ الفَقَر، وَجَبَرتهُ بعد الكسرِ، وأيقظتهُ بعد الوسْنة، فنقَّبْت عَنْ قلبِهِ فَفَجَّرتْ فِيِهِ يَنَابِيعَ الحيَاة، فَسَالتْ فِيِهِ أَودِيَةُ الحِكمَةِ، وَأَنَبتتْ فِيِهِ غِراسَ الرَّحمْةِ إِذا وِافَقَ ذَلِكَ القضَاءُ مِنَ الله» (ج:1، ص 49).

والحَمْدُ للهِ أَوَّلاً وَآخِرَ وَظَاهِرَاً وَبَاطِناً...

أحمد عبدالله

عبدالله الزايد... أبو الصحافة البحرينية

 

هو مفكر ورمز إبداعي بحريني أثرى خارطة البحرين الأدبية والثقافية بعطائه اللامحدود الموجه للشعب ولهذه الأرض الطيبة تاركاً بصمته المميزة التي لن تمحوها السنون في ذاكرة التاريخ المحلي والخليجي. لم يتأثر إبداعه بسني حياته القصيرة والتي اختتمت العام 1945 بعد أسابيع قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ولد الزايد في العام 1894 بمدينة المحرق، تعلم القرآن في الكتاب وكان يستسقي المعرفة من ديوان المتنبي ومجلة «الهلال» المصرية آنذاك، وكان لمقالات طه حسين المنشورة في عشرينيات القرن الماضي دور إيجابي في تطور فكر الزايد ومثقفي ذلك الجيل أيضاً. ولم يلحق بركب التعليم الحديث، حيث إن المدرسة الأولى في البحرين أنشئت في 1919م، وقد كان كبر وقتها وانخرط في مشاغل الحياة والعمل، وساهم الزايد في تلك المرحلة النهضوية الثقافية بإنشاء أول نادٍ أدبي في البحرين، وموقعه المحرق مسقط رأسه، مع مجموعة من مثقفي عصره وكان أبرزهم. كما أن اجتماعاتهم خلقت حركة أدبية لم تشهدها المنطقة قبلاً، فأصبحت البحرين بذلك مركزاً ثقافياً مميزاً في دول الخليج. وخرجت هذه النهضة قائمة من المثقفين البحرينيين على رأسها عبدالله الزايد.

وتوالت إسهاماته في المجال الفكري والأدبي، حيث يعتبر الزايد مؤسس الصحافة البحرينية والريادي الأول فيها بإنشائه صحيفة البحرين التي أبصرت النور في مارس/ آذار 1939م. لم يكن تأسيس الصحيفة من فراغ بل كان هدفها الرئيسي التنوير والإصلاح والتوعية في شتى المجالات، ومنذ صدورها لاقت صحيفة البحرين إقبالاً محلياً وخليجياً من المفكرين والمثقفين لنثر إبداعاتهم فيها.

كما ساهم الزايد في تأسيس «مطبعة البحرين» وإنشاء أول دار سينما في البحرين في الفترة الواقعة بين 1937م و1939م مع مجموعة من التجار البارزين. وتم توزيع أول عدد من الصحيفة في سينما البحرين، والتي استمرت 6 أعوام حيث واجهته مشكلات عديدة أدت إلى إغلاقها في 1944م؛ بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية والعجز المالي ومشكلة شح الورق التي عانى منها إضافة لكونه المحرر الوحيد.

ويعتبر بيت عبدالله الزايد مركزاً لتراث البحرين الصحافي والذي يستقطب الأدباء والمفكرين في لقاءات دورية لتسليط الضوء على أهم القضايا الأدبية والفكرية تحت رعاية وزارة الثقافة المهتمة بنشر المعرفة والتعريف بأهم إنجازات المثقفين البحرينيين.

يحتفل باليوم العالمي للصحافة في 3 مايو/ أيار من كل عام، وفاز بجائزة اليونسكو غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة للعام 2012 الصحافي وناشط حقوق الإنسان الأذربيجاني عين الله فاتو اللاييف.

بشرى محمد العريبي

طالبة إعلام

نظرية الأخلاق

 

يفترض الفلاسفة أن الأخلاق مفاهيم ثابتة مطلقة لا تتغير وهي لا ترتبط بالمكان والزمان والمجتمع، إذ إن الرأي الغالب أن ما يقترفه إنسان ما من جرمٍ مدانٍ في شرق الأرض يكون مستنكراً ومداناً أيضاً في غربها والعكس، إلا أن نظرية الأخلاق تلك ومع تمييع المفاهيم وتفريغها من جوهرها لم تعد مطلقة ولا معاييرها ثابتة بل هي عرضة للأخذ والرد، إذ إننا صرنا لا ننظر للفعل المذموم ونقيّمه بل لمن قام بالفعل قبل ذلك، حيث أضحت درجة قرب (الفاعل) أو بُعده (المعنوي) منا هو الميزان والمسطرة التي نقيس بها مدى انفعالنا إزاء الفعل، وما إذا كنا سنغضب ونستنكر وندين ذاك العمل السيئ أم سنبحث عن تبريرات وذرائع ونلتمس لفلان الأعذار لعمله المدان، هذا إذا لم نسكت ونتجاهل ونتغاضى عن الحدث تماماً.

في سياق حديثه، عن الحرب العراقية الإيرانية، يستذكر أحد الكتّاب الكويتيين في مقال له قبل عدة أيام (مذبحة حلبجة التي قضى فيها عشرات الآلاف من الأكراد العراقيين) ويقول «(إنّ صورة) ذاك الأب الكردي الذي قضى من الغازات السامة محتضناً طفله لم تُثر التعاطف لا في الكويت ولا في العالم العربي عندما كان صدام البطل الصنديد حامي الجبهة الشرقية»، وإذا كان هذا الكلام إقراراً جاء متأخراً كثيراً، ولكنه إقرار يفيدنا في هذه المرحلة المتقلّبة من حياة الشعوب في الوطن العربي، وأتذكر جيداً أنه فيما هاجمت الصحف والدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان نظام صدام حسين وأدانت تلك الجريمة فقد كانت الصحف العربية والخليجية على وجه الخصوص تستنكر إدانة الغرب لجريمة النظام العراقي البائد وتصف تلك الحملة الإعلامية ضدّه بالغوغائية والكيدية رغم توارد الصور والمشاهدات لجريمة حلبجة!

من المفترض أن يكون «المعيار الأخلاقي والإنساني «نصب أعيننا عند تناول انتهاك ما أو جريمة أو حادثة عنف في أي مكان على الأرض، بحيث نتجرّد من أي دافع أو تأثير أو عصبية، وليبدأ ذلك من المستوى الفردي قبل مطالبة الأنظمة الرسمية بذلك، وبالرجوع إلى «جريمة حلبجة الكردية» فإن الوقوف إلى جانب المظلوم هي ثقافة قرآنية وإنسانية تتعلق بضمير الإنسان ومدى حيوية ذلك الضمير إزاء ما يحصل حوله... وفي وصية الإمام علي (ع) عند وفاته خاطب أبناءه بأن «كونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً»، وقد جاءت «الظالم والمظلوم» مطلقة دون تحديد الأينية أو الشكلية أو الزمانية.

فالمشكلة ليست فقط أن يتم التغاضي أو التعامي عن تلك الجرائم أو الانتهاكات على مستوى الدول، تارة بحجة عدم التدخل في الشئون الداخلية وأخرى لأن أغلب البيوت من زجاج! بل إننا نجد أن ازدواج المعايير والقيم تتجلّى بصورة فاقعة وفاضحة في تعاطي وتناول الصحف ووسائل الإعلام لحادثة ما تقع في بلدٍ ما يقع «في خانة الأعداء» وبين حادثة مماثلة أو مشابهة تقع محلياً أو في دولة هي في قائمة «الأشقاء أو الأصدقاء»! وإذا كان «الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس»، فإن المتكلّم بما يؤكد أو يشي وقوفه إلى جانب الظلم والباطل هو شيطان متحرّك ومتكّلم ومسئوليته مضاعفة وعقابه وعاره أكبر.

إننا كثيراً ما نقف موقف الحياد أو التماهي مع جريمة ما في حق آخر غريب عنا رغم وضوح أركانها وقصدها، نقف مع الجاني لأنه من قوميتنا أو أسرتنا أو قبيلتنا أو مذهبنا أو حتى منطقتنا، ندافع عنه أو نتستّر عليه بدوافع وتأثيرات مختلفة، فهلاّ وفي الحدّ الأدنى، تمّثلنا بعض ما تؤسسه المنظمات الحقوقية (الغربية) من عرف وثقافة وهي تدين كل حادث يتعرض له (بريء) على كوكب الأرض مهما كان لونه أو دينه أو عرقه.

جابر علي

غافي بحضنك قرب المدفأة

 

رشني عطراً فوق صدرك

ينصهر... بارتباك

النبض من وحي الهوى!

وارتجف يا قلبه ارتجف

من رحلة الأنفاس

تدنو بمكر من تثاؤب رخو

يغريني بإخماد أحزان الموقد!

ولنسترق هروب البعد

من لون اللقاء

ونبتعد بالعشق نرسم موعداً

نغني للسماء... للحلم

نغافل شوق النجوم للسهر

ونقطف القمر ونبتعد

برفقتك سأكتب آلاف القصائد

ولكن... لا أعدك بخطٍ واضح

فدقات شوقك ترعش الأصابع

تشغل القلب بتأليف رسائل

وقبل طوابع!

فاتكئ على حافة الخاطرة

واقرأني كما شئت بالهوى

عرّ ما تشاء من الاستعارة

والبس كما تشاء جسد الكلمات بالحمى!

هارب من بين السطور

قطرة حبر حافية... فخذيني في يراعك طفل...

يمحو كل سطور عشقك قبلي...

تنثر أوراق الجوى

وتحفر الحسناء في روحك وشماً

فامتشق... رقة الزنابق عطفاً

وأخبريني، كيف ينام من يتوسد أحلاماً فارغة

يأتيني الحزن في المساء يا حبيبتي

يغطيني بحلم... أركض به وحيداً في غابات

حبك الغامضة!

ويتراكم الليل حولي... ريح الغياب تجرني لموعد

مع السراب... وخواء المكان يقتلني

لا أشجار نقشنا عليها أسماؤنا...

لا رسائل تبادلناها... لا شيء إلا لحن البرد يخترقني!

ويطول بي الدمع وأغفو... أصحو على هاتف الوصال...

فأخبريني... كيف للصوت أن يبدأ دورة الحياة مجدداً!

ويمنحني عمراً يحصى بصوتك!

وكيف للطفولة أن تجاور الرجولة

لدرجة الصمت... عند منعطف كتف!

تغادر الروح المكان والزمان

تسافر بعيداً... ويستعد القلب لتأدية مراسم وصلك...

أصعد على منصة الجنون

أرقص على رجع صدى عطرك

كلما دنا القمر... وتقبل... بعد منتصف الشوق بحريقين

تسدل السماء شعرها المبلول ويتلاشى المكان أصحو...

فأراني غافياً بحضنك قرب المدفأة!

إبراهيم حسن الصيبعي

العدد 3542 - الجمعة 18 مايو 2012م الموافق 27 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً