العدد 3541 - الخميس 17 مايو 2012م الموافق 26 جمادى الآخرة 1433هـ

حرية التعبير في مأزق

ريما شعلان comments [at] alwasatnews.com

.

على امتداد التاريخ البشري أخذت قضية حرية التعبير مكاناً بارزاً، فهي جزء أساسي من حقوق الإنسان، وغيابها يخلق حالة من الخلل في منظومة الحياة الطبيعية للفرد، كما أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم الديمقراطية ودولة القانون.

وقد جاء في القرآن الكريم: «الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان علمه البيان». فالله عزّ وجل ميّز الإنسان بالبيان، أي بالتعبير عن خواطره وأفكاره، وهي من أجلّ نعم الله وأكبرها التي تحفظ للإنسان موقفه، كما عرّف الفلاسفة قديماً الانسان بأنه «حيوان ناطق».

إن حرية التعبير حق مكفول بالدستور، وذلك في المادة 23 التي نصت على «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون». فحين يلجأ المشرع إلى تضمين حرية الرأي والتعبير ضمن أحكام الدستور فهذا يعني أنه رفع هذه الحرية إلى مصاف الحقوق الدستورية.

ومن المسلم به أن الحقوق مطلقة وغير مقيدة، ولا تسمح بأي استثناء لها أو قيد عليها باعتبارها من ركائز النظام الديمقراطي، وإخضاع هذه الحقوق لبعض القيود والضوابط لا يعني أن تقوم هذه القيود بالإجهاز على جوهر الحقوق ذاتها، ذلك أن الأصل هو إطلاق الحقوق والحريات العامة، والتقييد هو الاستثناء. وهذا ما أكّده الدستور في المادة (31) «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناء عليه ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية».

تدون الدساتير كل ما هو بخدمة الشعوب، وتكفل شكلياً الحقوق والحريات، لكن غالباً لا تجد لها تطبيقاً فعلياً في الواقع كحرية التعبير والحريات المرتبطة بها، فطالما الديمقراطية غائبة ومادامت الدولة فوق القانون، وحقوق المواطنين منتهكة، فيصبح التمسك بالدستور بعيد المنال.

وقد عنيت المواثيق الدولية بالتأكيد على حرية التعبير كما جاء في المادة (19) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية».

وجاء في المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ان «لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواءً على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها».

فالأفراد والجماعات تمارس حرية التعبير ضد الأوساط السياسية بما في ذلك من نقد الحكام وتصرفات الحكومة ونقد النظام السياسي والمنهجيات المسيطرة عليه، لذا فأسوأ ما يمكن أن يهدر هذه الحقوق هو مواجهتها بالاسلوب الأمني وتهديد نشطاء المجتمع المدني واتخاذ أساليب قسرية من شأنها بث روح الذعر تحت ذريعة حماية وتعزيز الأمن الوطني. فالأنظمة الديكتاتورية اعتادت على تفسير ممارسة نشطاء الرأي على أنه استهدافٌ لها ومحاولة لزعزعة أمنها والاستقواء عليها، فتتخذ أساليب سلطوية لتقويض حرية الرأي وتشديد الوصاية على حرية التعبير.

إن حرية التعبير عن الأفكار والآراء لا تحدها قيود ورقابة حكومية طالما لا تشكل خرقاً للقوانين التي تتماشى والديمقراطية، وهذه الحرية لن تتحقق إلا بسقوط العوائق التي تحول دون أن يعبر المرء عن رأيه. فحرية التعبير هي النتيجة الطبيعية لحرية الاعتقاد والمدخل الرئيسي لممارسة الحقوق العامة الأخرى، ومعارضة الأفكار لا تبرر الحد من التعبير عنها وعلى الأنظمة أن لا تأخذ على عاتقها مجرد دور المنظم لحق التعبير بل أن تمارس دوراً حيادياً حيالها. كما تعد حرية التعبير أم الديمقراطية، فقد وصفت المحكمة العليا الأميركية التعديل الأول للدستور الأميركي الذي كفل حرية التعبير أنها الحارس للديمقراطية. وقضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بأن حرية التعبير هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي، وقد جاء في هذا السياق قول الفيلسوف جو ستيورات ميل «إذا كان كل البشر يمتلكون رأياً واحداً وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأياً مخالفاً، فإن إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة».

ونشير في هذا المقام إلى الظروف الموضوعية اللازمة لممارسة حرية التعبير، والتي عبّرت عنها ورقة العمل المقدمة في الدورة الاقليمية الخاصة بالصحافيين والمدونين العرب في مجال حقوق الانسان في بيروت من 12 إلى ديسمبر 2009، إذ جاء في هذا السياق ان «تعزيز حرية الرأي والتعبير لا يمكن أن تتم دون توفر ظروف موضوعية محددة تمكن الجميع سواءً كان حزباً سياسياً أو أطراً اجتماعية أو اقتصادية أو حتى على المستوى الفردي، ليعبّر كل هؤلاء عن رأيهم وتصوراتهم في كافة القضايا والظروف الموضوعية وهي كالتالي:

- التشريعات القانونية الحامية لحرية الرأي والتعبير، وأهمها تحريم الاعتقال أو المحاكمة على خلفية الرأي السياسي أو الاجتماعي.

- عدم التضييق على حرية التظاهر والتجمع السلمي للقوى السياسية والاجتماعية على اعتبار أنها وسيلة أساسية للتعبير عن الرأي.

- توافق القوانين والتشريعات الخاصة بحرية الرأي والتعبير مع الموروث الاجتماعي والثقافي والعادات والتقاليد في المجتمع.

- نظام سياسي ديمقراطي يقوم على أساس التداول السلمي والدوري للسلطة، ويوفّر مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، ومنح الصحافة والإعلام دوره الحقيقي لتكون السلطة الرابعة بشكل حر وفعلي.

- الحرية للقوى السياسية والاجتماعية وللأفراد في تأسيس وسائل الإعلام المختلفة المقروءة منها والمرئية والمسموعة والالكترونية بعد سيطرة المؤسسة السياسية الرسمية على معظم وسائل الأعلام، والسماح لها بتشكيل الأحزاب السياسية والأطر الاجتماعية بعيداً عن المؤسسة الرسمية.

- تساوي الفرص بين جميع شرائح المجتمع السياسية والاجتماعية في الوصول والتعبير عن رأيها من خلال وسائل الاعلام الرسمية في حال وجودها كجزء من المنظومة الاعلامية في أي مجتمع.

إن كيان الشعب في ظل نظام يحجر على حرية التعبير معرض للتأزم والتفكك، فيفسح الطريق للانشقاق الداخلي. والاختبار الحقيقي لحرية التعبير لا يتحقق من خلال الدفاع عن آراء موالية للنظام أو المقبولة لديه إلى حد ما، بل حتى في حماية الآراء الناقدة للنظام السياسي القائم طالما لا تدعو إلى العنف ويتم ممارستها بشكل سلمي، فحرية التعبير هي روح الفكر الديمقراطي لأنها صوت الشعب بطبقاته وشرائحه المختلفة، فالأولى حماية هذه الحرية والتي تعد ممارسة عادلة وحقيقي للديمقراطية.

إقرأ أيضا لـ "ريما شعلان"

العدد 3541 - الخميس 17 مايو 2012م الموافق 26 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:27 ص

      نعم المقال ما كتبتي

      فقط هناك نوع من أدب الحوار يجب ان نتعلمه قبل ان ندخل في حرية التعبير وكما أشار الله في خطابه لنبييه موسى وهارون ع (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) والقول اللين المراد مه إلقاء الحجة قبل ان يمنع الشخص من الكلام إذا لو بدأ بكلام خشن وقاسي فسوف لن تبلغ ولن تصل حجة الله لأن الانسان الغضبان من الصعب ان يتأمل فيما يقال.
      على ضوء ذلك حرية الرأي والكلا يجب ان تكون مكفولة لكل البشر طالما انها تصدع بحق وتدين باطلا ولا تلبس حقا بباطل فإن اللبس والتلبيس كثير ما يستخدمه
      السلاطين.

    • زائر 1 | 1:47 ص

      صباح القانون ياريم

      فحرية التعبير هي روح الفكر الديمقراطي لأنها صوت الشعب بطبقاته وشرائحه المختلفة، يبنيتي والى ان تتعافى اذان المسؤليين من الطرش السياسي ويصلها صوت الشعب وتعود هذه الاذان الى وظيفتها الاساسيه وهي الاستماع للاخرين حينها تتلاشي المأسي وحينها تاخذ الاذان الوظيفيه الطبيعيه التى خلقها الله من اجلها لان الله خلقها للسمع والاستماع وليس للجمال لكي تكون قطعه مكمله لصوره وجه الانسان!!!ديهي حر

اقرأ ايضاً