هناك 59 امرأة اليوم في المجلس الوطني التأسيسي التونسي من بين 217 نائباً جرى انتخابهم الخريف الماضي لصياغة دستور جديد. «يمكن لهؤلاء النساء الـ 59 الترشح للانتخابات كجزء من حزب سياسي إما لأنهن أثبتن قدرات قيادية في الماضي أو لأنهن تفاوضن مع حزب سياسي معين ليتم إدراجهن على قائمته». يفرض القانون الذي يحكم العملية الانتخابية أن تضم جميع قوائم المرشحين عدداً متماثلاً من الرجال والنساء، ما يضع أسس حد أدنى من المساواة.
إلا أنه في غياب قانون المساواة في النوع الاجتماعي، هل كانت النساء ستترشح للمجلس الوطني التأسيسي؟ الجواب بحسب اعتقادي هو نعم، إذ يبدو أن النساء التونسيات مهتمات بشكل متزايد بدخول الساحة السياسية بنشاط.
كانت النتائج النهائية للانتخابات مختلطة: 27 في المئة من أعضاء مجلس النواب في الجمعية التأسيسية من النساء. هذا الرقم أعلى منه في العديد من الدول، ولكنه مخيب للآمال في ضوء توقعات التونسيين فيما يتعلق بالمساواة، فمن بين 150 مرشحاً على القوائم الانتخابية، لم يكن هناك سوى 7 في المئة من النساء على رأس القائمة، حيث تبوأ الرجال المراكز الـ 93 في المئة الباقية. الاسم المدرج على رأس القائمة هو الاسم المرشح الأكثر للفوز بمقعد، حيث إن النظام في تونس نظام نسبي، وكلما ازداد عدد الأصوات التي يحصل عليها الحزب، كلما ازداد عدد المقاعد التي يحصل عليها في الجمعية التأسيسية. إلا أن العدد المرتفع للأحزاب المشاركة في الانتخابات نتج عنه فشل الكثير من الأحزاب في الفوز بموقع لمرشحها الرئيسي، أو بالفوز بعدد قليل من المقاعد. ونظراً لأن معظم المرشحات من النساء لم يرأسن قوائم حزبية، فقد وجدت العديد منهن أنفسهن وقد استثنين على رغم عملهن الشاق.
إلا أن النساء مشاركات في المجال العام. في شهر فبراير/ شباط الماضي على سبيل المثال، عقدت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات مؤتمراً قصيراً للنساء أعدت فيه الحاضرات وقدمن قائمة توصيات إلى رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر. طلبت الجمعية، ضمن أمور أخرى تكريس المساواة في النوع الاجتماعي في الدستور. قاموا كذلك بتوفير مقترحات لتحسين الكثير من نواحي حياة المرأة، بما فيها زيادة حضورهن في الحياة العامة والسياسية، وتحسين سبل وصولهن إلى الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل وحمايتهن من العنف.
كذلك برزت مشاريع نسائية أخرى، بما فيها «تجمع الـ 95 المغربي من أجل المساواة»، وهو مجموعة من 40 جمعية ومنظمة غير حكومية تركّز على المساواة في النوع الاجتماعي. تتشارك جميع هذه المشاريع بموضوع مشترك هو تشجيع حقوق المرأة من أجل إيجاد مجتمع أكثر عدالة.
أجرت رئيسة جمعية اسمها المساواة والتكافؤ، تدافع من أجل هذه المبادئ في تونس، فايزة اسكندراني، مسابقة على الفيسبوك قبل شهر من انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول، كان عنوانها «السيرة الذاتية لألف امرأة للمجلس الوطني التأسيسي»، صممت لتظهر اهتمام المرأة التونسية النشط في السياسة. حصلت اسكندراني على 800 سيرة ذاتية من نساء في أجزاء عديدة من الدولة كن مهتمات بمشروعها. وفرت السابقة فرصة للأحزاب السياسية المهتمة للمعرفة عن مرشحات محتملات وهي تعد قوائم مرشحيها للانتخابات.
تتخذ النساء كذلك مواقف كقائدات سياسات. على سبيل المثال، كانت مايا جريبي، التي كانت الأمينة العامة للحزب التقدمي الديمقراطي العام 2006 أول امرأة تونسية مسئولة عن حزب سياسي، وهي الآن عضوة في المجلس الوطني التأسيسي. وتقول جريبي إنها لم تنظر أبداً لكونها امرأة على أنه يشكل مشكلة في عالم السياسة. كما أنها لم تعتبره أفضلية. وهي فقط تضع نفسها في موقع ناشطة عمالية وسياسية. وهي مصدر إلهام للكثير من الذين يعتبرون إنجازها إثباتاً على أن باستطاعة المرأة النجاح في السياسة من خلال مواهبهن ومهاراتهن.
وأخيراً، فقد بدأت النساء من مجموعات مختلفة بالعمل معاً. وقد اقترحت نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي محرزية العبيدي إنشاء لجنة مشكّلة من النساء من مختلف الخلفيات السياسية للاستفادة من وجهات نظر أعضائها المتنوعة لإيجاد حلول لمشاكل تواجه المرأة.
بدأت النساء التونسيات يظهرن تدريجياً على الساحة السياسية، الأمر الذي يساعد على إرساء قواعد مكتسباتهن التي حصلن عليها من خلال عملهن المضني. وفي الوقت الذي يساعد فيه هذا الواقع على تشكيل توقعات الأجيال القادمة، من الأرجح أن تمهد هؤلاء النساء الملتزمات الطريق للشابات اللاتي ربما يصبحن في يوم من الأيام صانعات السياسة من دون مواجهة أية معوقات بسبب نوعهن الاجتماعي.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3541 - الخميس 17 مايو 2012م الموافق 26 جمادى الآخرة 1433هـ