العدد 3539 - الثلثاء 15 مايو 2012م الموافق 24 جمادى الآخرة 1433هـ

وحدة دول الخليج العربية ضرورة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هناك خطوات أو قرارات، من مثل إقامة السوق المشتركة أو التعاون الأمني أو المجالس الإقليمية فيما بين مجموعة من البلدان العربية، تحتاج لتبرير الأخذ بها منطلقاً نفعياً من مثل استعمال منطق متطلبات السياسة أو الفوائد الاقتصادية أو مقتضيات التاريخ والثقافة المشتركة، أما قضية الوحدة العربية، سواء أكانت بين قطرين أو أكثر أو سواء أكانت تدرجية تنمو عبر مراحل جزئية أم كانت اندماجية شاملة تختصر الزمن، فإنها تحتاج أن نبعدها عن منطق النفعية وعن مساومات الربح والخسارة المؤقتة.

ذلك أن الوحدة العربية، بأيٍّ شكل وفي أي مستوى، هي طريق بناء أمة عبر أفق الزَّمن اللامتناهي، وهي قفزة تاريخية هائلة. وبناء الأمم هو هدف وجودي، وليس بمؤقت نفعي. ولذلك فالسمو والتعالي فوق المؤقت يحتاج بدوره إلى سمو المشاعر: من التضحية في سبيل الكل، من تقديم المصالح المشتركة على المصالح الفرعية، من النفس الطويل الثابت غير المتذبذب بانتهازية المصالح والمكاسب ومن أيضاً الإيمان القوي بأن بناء الأمة لن يكون على حساب الفرد أو حقوقه المكتسبة أو انتماءاته الفرعية الشرعية غير المتناقضة مع بناء الأمة. من هنا يصبح هدف الوحدة أقرب إلى المقدس منه إلى العابر.

مناسبة هذا الحديث هو ما طرحه عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبدالله منذ شهور، وناقشته قمة مجلس التعاون الخليجي منذ أيام، بشأن ضرورة انتقال أقطار مجلس التعاون الخليجي من مرحلة التعاون المتأرجحة إلى مرحلة التوحد. هذا الطرح الجديد، المعزز لما جاء في نظام المجلس عند قيامه والذي نص على أن الهدف النهائي للمجلس هو وصوله إلى وحدة دوله، هذا الطرح يجب أن يؤخذ بجدية تامة وينظر إلى تفاصيله بتمعن شديد.

دعنا نذكر أنفسنا بأن لهذا الموضوع خلفية وله أفق مستقبلي. أما الخلفية فإنها تتمثل في وجود دول صغيرة، جغرافياً أو سكانياً، بالغة الغنى ولكنها منكشفة اقتصادياً وأمنياً وسياسياً. وهي بالتالي تحتاج لأن تتوحد في كيان واحد لتغطية ذلك الانكشاف.

أما أفق المستقبل، من الناحية الاستراتيجية، فإن منطقة الخليج لن تهدأ فيها الصراعات بكل أشكالها ما لم يوجد توازن ما بين ضفتي الخليج العربي يقوم على التساوي المتقارب في العدد السكاني وفي قوة ومتانة الاقتصاد وفي القدرات الأمنية، ولكنه أيضاً توازن ندي متعاون متفاهم مندمج اقتصادياً ومنسق سياسياً متناغم أمنياً، توازن يأخذ بعين الاعتبار أخوة ورابطة الإسلام المشتركة وطمع الكثيرين من الأعداء، وخصوصاً العدو الصهيوني، في ثروات الطرفين. إن هذا التوازن الأخوي المتصالح الساعي للعيش المشترك سيعني عبر أفق المستقبل قيام وحدة تبدأ بدول مجلس التعاون وتنتهي بانضمام اليمن والعراق.

مبدئياً، هل توجد إشكالية من قيام مثل هكذا اتحاد؟ من المؤكد أن الجواب هو بالنفي بالنسبة لجميع شعوب هذه المنطقة. الجميع، على ضفتي الخليج، لا يمكن إلا أن يكسب. ومع ذلك فإن سيرورة الاتحاد، إن أريد لها النجاح، يجب أن تتوفر لها الشروط اللازمة. من أهم هذه الشروط تحقق الاتحاد بإرادة وقبول الشعوب، قيامه على أسس المواطنة المتساوية الديمقراطية، اعتماده على توزيع عادل لثرواته البترولية الهائلة فيما بين أقطاره وما بين مكونات شعوبه، احترامه لبعض خصوصيات أجزائه الاجتماعية والثقافية، رفضه للتواجد الأجنبي وإصراره على استقلاله الوطني.

الحديث عن توافر الأجواء والشروط اللازمة نابع من تجارب وحدوية عربية سابقة تعثرت ثم انتهت بسبب عدم توافر الحدود الدنيا من مقومات الحماية لتلك التجارب. لكن المبالغة في وضع الشروط التعجيزية سيجعل قيام أية وحدة عربية أمراً مستحيلاً، وهو ما يجب تجنُّبه من قبل الجميع.

المطلوب الآن هو حصول هذا التوجه الوحدوي عند قادة دول مجلس التعاون على مباركة وحماس وقبولها المبدئي من قبل كل القوى السياسية سواء في منطقة الخليج أو عبر الوطن العربي كله. أما التخوف من نيات هذه الجهة أو تلك فيجب ألا يقابل برفض التوجه نحو الوحدة وإنما بالتأكد من توافر الشروط والأجواء والمكونات الضرورية لحماية تلك الوحدة من الاستعمال الانتهازي.

لنا عبرة في رجوع شطري ألمانيا للوحدة بعد سقوط جدار برلين. لقد قبلت ألمانيا الاتحادية التضحية بالكثير الكثير من أجل رجوع وحدتها القومية مع جزئها المنفصل في ألمانيا الشرقية. وها هي اليوم تقف فوق قمّة هرم الاتحاد الأوروبي اقتصاداً وقوة وتماسكاً.

المؤمًل أن تكون وحدة دول الخليج العربية مقدمة لقيام وحدة دول المشرق العربي ومغربه، بل إن تكون مثالاً يحتذي وعضداً لكل وحدة عربية جزئية تقوم. كل ذلك بانتظار يوم اكتمال قيام وحدة أمة العرب التي طال ليل الحلم بها ونهار السُّعي من أجلها من قبل أجيال وأجيال عربية. مرة أخرى، وحدة أمة العرب قضية وجودية وليست موضوعاً نفعياً مؤقتاً، إنها موضوع مقدس.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3539 - الثلثاء 15 مايو 2012م الموافق 24 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 3:59 م

      دكتور

      لماذا استغنت الحكومة عن خدماتك وانت بهذا الفكر وجلبت اناس هامشيون مسيرون عجبي

    • زائر 12 | 2:52 م

      خيال المدينة الفاضلة

      انا من انصار الوحدة لكن لا ارى لها مقوم للوجود ما لم تزال المعوقات المحيطة بواقع وجودها وان الحديث عن الوحدة في هذه الظروف ضرب من الخيال مع التاكيد انني اعتز بشخص الدكتور ومواقفه الوطنية والقومية

    • زائر 11 | 6:45 ص

      أينهم المسئولون من مقالكم يادكتورنا العزيز

      لماذا لا نسمع أو نقرأ مثل هذا الكلام مِن قِبل المسئولون في جميع الدول العربيه والخليجيه وبالخصوص البحرين..؟ لماذا لا نرى مثل هذه الأفكار والآراء على الأرض وهذا ما يتمناه الشعوب العربيه جميعاً!!! كم هو مؤلم أن نسمع ولا نرى

    • زائر 10 | 4:23 ص

      والله نخجل يا دكتور

      عندما نقرأ لك ولقامة الدكتور منصور والأخوة في الوسط ، ونستنير بأفكار راقية ونرى ما يعرض على الشاشة الرسمية ومن يتصدرها نقول كيف لأولئك تصدر مشهد البلد ولدينا من المفكرين هذا الكم غير الذين غيبوا ، والبلد يمر بأزمة تريدا لها عقول حكمية تخفف من التوتر وتتحدث عن الأتحاد أو وحدة الخليج ، بينما يظهر لنا أنصاف المتعلمين وأشباه الأميين و:انهم في حفلات زار أو رابطة مشجعين لفريق خصم بينما أفكاركم النيرة وألبحرين زاخرة بأمثالكم ولكن ما نراه ظاهرا هؤلاء الذين تحركم المصالح والثارات .

    • زائر 9 | 3:50 ص

      الفوضى الخلاقة واعادة البناء

      بالامس القريب شهد تفكيك الاتحاد السفيتي واعادة بناء روسيا اتحادية وهذا ليس صدفة.
      فترسيم خارطة العالم ليست بيد الشعوب ولا القبائل. والتراث والعادات والتقاليد لا تبقى الامم بل على العكس. انما الامم الأخلاق ما بقيت..
      قد ينفع القانون برغبة في ترميم المنازل واعادة بناء المنازل الايلة للسقوط، فهل يمكن لقانون برغبة أن يوقف عملية اعادة البناء هذه؟؟
      فهل فكرة اقامت اتحاد حقيقية أواقعية؟

    • زائر 8 | 3:37 ص

      الإتحاد البري

      شكراً لكم يا دكتور علي على هذا الموضوع المميز. أود أن أوضح أن التعاون لا يرفضه عاقل و الإتحاد مطلب شعبي قبل أن يكون حكومي على الشروط التى ذكرتها بحيث يتم تطبيق المزايا فى كل الدول المتحدة و تتم دراسة الجدوى العامة و الأهم النية الصادقة المبنية على " و تعاونو على البر و التقوى و لا ........

    • زائر 7 | 3:09 ص

      لا أحد يرفض الوحدة ولكن بشرط تعاونا على البرّ والتقوى

      أما إذا كان العكس وهو تعاون على الشعوب وتعاون من أجل الاستحواذ على خيرات الاوطان فلا قبول بهكذا اتحاد

    • زائر 4 | 2:17 ص

      ألسلام عليكم يا دكتور علي وأتمنى تزيدنا من كتاباتك وان تبين لنا سر تخلفنا عن باقي الامم

      لقد استشهدت بعودة شطري المانيا للحوده وكلامك هو عين الصواب لأجدل ولا نقاش به وخاصتآ منا ابنائك
      سيدى اتمنى ان تطرق الى اسباب العوده عن الوحدة السابقه بين مصر وسوريا أو السودان التى انقسمت مؤخرا،وهل يعتبر الدين هو احد الاسباب ؟حيث انني لاحظت عندما اسير فى شوارع الدول الغربيه ومنها المانيا بالحرية والاطمئنان رغم ان شكلي بعيد عن هم ولا أعرف لغا تهم سو اني ادبر اموري ببعض الكلمات في بريطانيه إلا انني اشعر بالعزة والانسانيه فهم يحترمون الاخر ويقدمون له كل المساعده وعلى عكس ذالك في الوطن العربي.

    • زائر 3 | 1:40 ص

      دكتورنا العزيز المناضل الكبير من أجل هذا الشعب

      أعتقد بأن الغالبية العظمى من هذا الشعب معك في ما تسعى اليه ويسعى اليه رموز الوطن الآخرون بأن يكون الشعب هو مصدر السلطات.

      هذا حق طالب به أجدادنا وآبانا قبلنا وها هم أبنائنا يصرون على احقاق هذا الحق وبقوة ايمانية كبيرة أذهلت سكان المعمورة قاطبة.

      تعلمنا منك الصبر وحتى حب من لا يفقه مصلحته ورعيته من أجل فتات زائل وهأنت تواصل التوعية حتى مع من يصم أذنيه.

      مع تحياتي
      الكلمة الصريحة

    • زائر 2 | 12:56 ص

      لايمكن

      صباح الخير دكتورنا العزيز؛ أنت تتحدث عن اتحاد بين الدول الخليجية وربما بين جميع الدول العربية! وأنا أقول أن هذا ليس حلما يمكن تحقيقه بل خيالا وأوهاما لن تجد لها على أرض الواقع صدى والأسباب نعرفها جميعا إلى أن يأذن الله بمعجزة أو أن تقوم الساعة ونحن على هذا الحال .
      وأخيرا أنا معجبة بتفاؤلك رغم مرارة العيش وانقلاب الموازين . لنا الله وهو حسبنا ونعم الوكيل

اقرأ ايضاً