العدد 3538 - الإثنين 14 مايو 2012م الموافق 23 جمادى الآخرة 1433هـ

«الوسط» وامتحان «الصدقية»

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح 29 مارس/ آذار 2011 وقف رئيس تحرير صحيفة «الوسط» البحرينية أمام جميع موظفي الصحيفة ومحرريها ليطمئنهم أن «البحرين بخير»... في ذلك اللقاء الذي كان عاطفياً ومؤثراً قرأ رئيس التحرير الذي اختار - منذ نزوله البلاد العام 2000 - أن يكون إعلامياً، قرأ رسالة نصية من هاتفه وصلته من فتاة بحرينية (سنية) من المحرق تصف موقفاً عاشته مع رجل من إحدى القرى البحرينية (صادف أن كان شيعياً) وراحت تمتدح في رسالتها نجابة المجتمع البحريني وعفوية الحب الذي يعيشه البحرينيون وغمروا به على الأجانب بعد أن فاض بهم... كانت كلمات رئيس التحرير تتهدج من فرط التأثر وسرعان ما التمعت دموع حبيسة في محجر العيون... ثم قال مبدداً ذلك الضعف الإنساني أمام جلال صدق العواطف مستعيداً وقاره «هذه هي البحرين... هذه هي البحرين» ليقرر «سأكتب عن هذه الرسالة في عمودي يوم غد».

لماذا أتذكر هذه الحادثة؟ لكي أقول لكم إن الجائزة التي حصلت عليها «الوسط»، وكرّم على إثرها المجلس العالمي للصحافة والإذاعة (لندن) رئيس تحرير الصحيفة منصور الجمري مساء السبت (5 مايو/ أيار 2012) بجائزة تحقيق السلام من خلال الإعلام للعام 2012، لم تكن مفاجئة لي، ولا لغالبية شعب البحرين، والكثيرين من متابعي ومحبي الصحيفة. لقد كانت الجائزة تتويجاً دولياً، لشعور محلي غامر كان يستشعره كل من يتابع هذه الصحيفة التي خاضت تحديات جمة من الأصدقاء والأعداء سواء... بحسن نية أحياناً وفي معظم الأحيان بسوء.

أتذكر هذا الموقف، لكي أقول - وأنا ممن قُدّر له أن يتجاوز أربع مؤسسات إعلامية في غضون عشر سنوات لكي يحظى بشرف الانضمام إلى الطاقم التحريري في هذه الصحيفة - أن سر هذا النجاح الباهر لـ «الوسط» على الصعيدين التجاري والإعلامي هو أنها أكثر الصحف والمؤسسات الإعلامية تواضعاً واقتراباً من هموم الناس وآلامهم.

يقول طاغور «الصحافة هي الرئة التي تتنفس بها الشعوب». في تقديري أن «الوسط» مؤسسة «حقوقية» بواجهة إعلامية، إذ لا صوت لمظلوم، أو صاحب حاجة، أو مكلوم، ولا أنّة لمحروم إلا ويجد في «الوسط» من يسمعه، وينشر معاناته لإيصالها إلى المسئولين في الدولة. وما أكثر الملفات الوطنية الشائكة التي تبنتها «الوسط» من منطلق حقوقي ووطني والتزام أخلاقي صرف، نحن لا نتكلم عن تاريخ مضى، بل نتكلم عن أداء إعلامي كان ولايزال يمثل رؤية ومنهج «الوسط» في التعاطي مع أحداث الساحة، والنماذج في هذا الشأن أكثر من أن تحصى.

في العام 2010 كان موضوع أطروحتي لمرحلة الماجستير عن «معالجة الصحافة لقضايا العنف السياسي في مملكة البحرين» وبينت الدراسة تفوق صحيفة «الوسط» في طرق القضايا المسكوت عنها في الصحافة المحلية، ومن أبرز النتائج التي انتهت إليها الدراسة تفوق صحيفة «الوسط» على إحدى الصحف المحلية في طرح خمسة محاور هي: (حقوق الإنسان، البطالة، الديمقراطية، الاحتجاج السياسي، والتجنيس)، وهي القضايا التي كان مسكوتاً عنها في الصحافة المحلية قبل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وقد ساهمت صحيفة «الوسط « بجرأتها في طرح المواضيع في رفع سقف حرية الكلمة المكتوبة.

«الوسط» قصة نجاح بحرينية بامتياز، ويحق للبحرين في ظل كل متاهة الإعلام الأصفر، والرمادي والأسود أن تفخر بأن لديها خطاباً إعلامياً متوازناً مشحوناً بالمعاني الإنسانية وملتزماً بقضايا الإنسان، لم يتورط في المعارك الشخصية، ولم تستغرقه الأحقاد، ولم يعتمد التأجيج الطائفي و «المناجرات» المذهبية والمناكفات الصبيانية طريقاً للوصول إلى كسب «فتية الشارع».

«بقلبه يرى الإنسان الرؤية الصحيحة... فالعين لاترى الجوهر» (أنطوان دوسان، من الأمير الصغير)، لقد التزمت «الوسط» في أدائها الإعلامي طريقاً وعرة، فما أصعب أن يلتزم الإنسان والمؤسسة بقيم إنسانية في دنيا المال والأعمال، وتتضاعف التحديات أكثر حينما يكون هذا الالتزام في مؤسسة إعلامية، هي حكماً في مرمى الاستهداف والإغراء بالجزرة أو التلويح بالعصا في بعض المرات.

يردد الدكتور منصور دائماً - في أحاديثه العفوية - أن الناس لايحتاجون إلى الصحف، لديهم من الوسائط الإعلامية خصوصاً وسائل الإعلام الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) ما يغنيهم عن تتبع الأخبار، وذلك تواضع رائع من شخص في مكانة الجمري، لكنهم محتاجون يا دكتور إلى الكلمة المخلصة، والإعلام الجاد، والخطاب الوطني المسئول، يحتاجون إلى صحيفة ورقية متواضعة كـ «الوسط» تصغي إلى الناس أكثر مما تقول. لقيصر الأدب الروسي تولستوي قول مأثور «الصحافة بوق السلام، وصوت الأمة، وسيف الحق القاطع، وملاذ المظلوم، ولجام الظالم».

وعلى الطريقة التولستوية تمارس «الوسط» ولاتزال بوقها الجميل في بث السلام في مجتمع يحتاج كثيراً للطمأنينة، فيما تنصرف بعض الأبواق الأخرى لتبث بضائعها الكاسدة في بث الفرقة والأحقاد... وأما الزبد فيذهب جفاء.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3538 - الإثنين 14 مايو 2012م الموافق 23 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:41 ص

      عين الصواب

      هذا يا استاذ هو عين الصواب ولكن لا حياة لمن تنادي شكرا لكم
      ابو مهدي

    • زائر 3 | 2:30 ص

      مقال رائع

      مقال رائع ممتع يظهر المستوى الحسي والإبداعي لجريدة الوسط، الجريدة التي كانت الدواء لقلب البحرين، يارب اسعد القائمين عليها واجعلهم للحق وجه.

    • زائر 2 | 1:24 ص

      أم البنات

      مقال رائع ومؤثر فعلا سلمت وسلم قلمك وشكرا لجريد الوسط شكرا شكرا مع تمنياتنا للوسط بمزيد من الجوائز والأوسمة

اقرأ ايضاً