تعدُّ الملكية الفكرية من المفاهيم المهمة والمتجددة والتي تطورت بشكل كبير ومتسارع؛ نظراً لارتباطها العضوي بالمجالات العلمية والأدبية والفنية والصناعية وغير ذلك.
ففي العام 2000م اتفقت الدول الأعضاء بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO على اختيار يوم 26 أبريل/ نيسان من كل عام يوماً عالمياً للملكية الفكرية، وهو التاريخ ذاته الذي دخل فيه اتفاق إنشاء المنظمة حيِّز التنفيذ في العام 1970م.
إن الملكية الفكرية تمثِّل عصارة الفكر الإنساني من إبداعات وإسهامات واختراعات، وهي تنقسم على قسمين، الأول: الملكية الصناعية، وتشمل العلامات التجارية وبراءات الاختراع والبيانات الجغرافية والنماذج الصناعية. والقسم الآخر: حق المؤلف والحقوق المجاورة.
فحق المؤلف «مصطلح يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين في مصنَّفاتهم الأدبية والفنية»، وهو يشمل في الغالب الروايات والقصائد الشعرية والأعمال المسرحية والمصنَّفات المرجعية والصحف وبرامج الحاسوب وقواعد البيانات والأفلام والقطع الموسيقية وتصاميم الرقصات والمصنَّفات الفنية، مثل: اللوحات الزيتية والرسوم والصور الشمسية والمنحوتات ومصنَّفات الهندسة المعمارية والخرائط الجغرافية والرسوم التقنية.
بمعنى آخر، عندما يبتكر شخص ما مصنّفاً أدبياً أو موسيقياً أو علمياً أو فنياً، فإنه يُعتبر صاحباً لهذا المصنَّف، وله حرية البتِّ في أوجه الانتفاع به، وهذا الشخص يسمى المبتكر أو المؤلف أو صاحب الحق، ويحمل بين يديه مصير المصنَّف.
كما يتمتع المصنّف قانوناً بالحماية بمقتضى حق المؤلف منذ ظهوره إلى الوجود، ولا تحظى الأفكار في حد ذاتها بالحماية إلا بعد أن تصبح ملموسة أو معبراً عنها بأية طريقة.
أما الحقوق المجاورة لحق المؤلف فهي حقوق فناني الأداء، مثل: الممثلين والموسيقيين في أدائهم، وحقوق منتجي التسجيلات الصوتية كتسجيلات الأشرطة والأقراص المدمجة، وحقوق هيئات الإذاعة في برامجها الإذاعية والتلفزيونية.
بالنسبة لمملكة البحرين، فإن عليها تعهُّدات والتزامات دولية لضمان هذا الحق العام (الملكية الفكرية) وصونه والدفاع عنه، وقد صدر بهذا الخصوص مرسوم بقانون رقم (10) لسنة 1993م بشأن حماية حقوق المؤلف، وقانون رقم (2) سنة 2006م بشأن حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
في الأسبوع الماضي، نظمت إدارة المطبوعات والنشر بهيئة شئون الإعلام وبالتعاون مع إدارة الأنشطة الطلابية بوزارة التربية والتعليم حملة توعوية عن قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بما يكفل حقوق الملكية الفكرية، حيث شملت الحملة ندوات تعريفية لعدد من طلبة المرحلة الإعدادية بالمدارس الحكومية في محافظات مملكة البحرين.
الهدف من الحملة هو نشر الوعي المعرفي لدى الطلبة بماهية الملكية الفكرية والأضرار الناجمة عن عمليات القرصنة الإلكترونية والنَّسْخ غير المشروع، ومكافحة انتشار ظاهرة قرصنة المصنَّفات السمعية والمرئية، وخلق ثقافة تساهم في تغيير المفاهيم الخاطئة لدى هؤلاء الطلبة من أجل تعزيز سلوكيات إيجابية في كل ما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية.
انطلقت الحملة منتصف شهر أبريل/ نيسان 2012م، ومن المتوقع أن تتواصل لتشمل طلبة المدارس الثانوية والجامعات.
ولنا رأي كمهتمين ومتابعين لملف التعليم، من خلال التأكيد على أهمية متابعة ورصد كل المستجدات العالمية في هذا المجال؛ بهدف تنمية الوعي بثقافة الملكية الفكرية بما يمكِّن طلبة المدارس من ممارسة واحترام المعاهدات الدولية ذات العلاقة، وإعداد فئة الناشئة والشباب من طلبة المدارس والجامعات وتدريبهم على احترام حقوق المؤلف والحقوق المجاورة سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، بشكل نضمن انتشار الثقافة الحقوقية في الأوساط التربوية والتعليمية، عبر توظيف الآليات الحديثة والفعالة والمُعِينة على احترام ونشر هذه الثقافة في المجتمع المدرسي.
كما أن مؤسسات التعليم العالي هي الأخرى ملزمة بتشجيع أعضاء هيئة التدريس على النشر العلمي من خلال المشاركة في الدوريات العلمية والمؤتمرات التخصصية، خصوصاً العالمية منها.
لعل أبرز الممارسات لخرق حقوق الملكية الفكرية في البحرين تتمثل في الأفلام والبرامج الحاسوبية والألعاب الإلكترونية وأجهزة الاتصال وأشرطة الغناء والأناشيد والكتب الجامعية وغيرها، وللإنصاف فإن الشباب يتفاعلون أكثر مع كل ما ذكر.
قد تكون التحديات كبيرة في نشر هذه الثقافة، كالعائق المادي عند شراء تلك المقتنيات بأسعارها الحقيقية مع توفُّر البديل المقلّد (غير الأصلي)، وغياب ثقافة احترام جهود الآخرين وإبداعاتهم، وبما أن حديثنا عن التعليم، فإن من المهم الإشارة إلى أسوأ الممارسات على الإطلاق في هذا السياق، وهو تفشِّي ظاهرة الغش كنوع من التعدي على حقوق الآخرين وسرقة جهودهم، هذا إلى جانب غياب الوازع الديني الذي يحثُّ على احترام حقوق الملكية أياً كان صاحب هذا الحق، والتعامل مع كل من يخنق هذه القيمة الأخلاقية كنوع من أنواع السرقة، وأخيراً عدم وجود آلية رقابية سليمة للتعامل مع المخالفين سوى ما نشاهده وما نقرؤه في الصحف من مصادرة المضبوطات!
مناهجنا التعليمية تفتقر إلى الثقافة الحقوقية وهذا أمر لابد أن نسلِّم به، فلم يعد كافياً الإشارة إلى الحقوق والواجبات والمسئوليات في بعض المقررات الدراسية، بقدر ما نتطلع إلى تعميق هذه الثقافة في أذهان الطلبة، من خلال تضمين الموضوعات التي من شأنها تعزيز الثقافة الحقوقية في المناهج الدراسية؛ لأن معرفة الطلبة بالثقافة الحقوقية ليست ترفاً فكرياً أو ضرباً من تقليعات الموضة نقبله اليوم لنرفضه في الغد، بقدر ما هي مسئولية مجتمعية تتكامل فيها الأدوار بين كل من المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية والتشريعية وغيرها لنشر هذه الثقافة، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من مشروع التربية على حقوق الإنسان.
نتفق جميعاً بأن العملية شاقة وتحتاج إلى هِمَّة عالية ولا يمكننا أبداً اختزالها في الحملات التوعوية وإقامة المحاضرات أو الندوات أو المؤتمرات هنا وهناك ـ رغم أهميتها ـ إذ لابد من استطلاع آراء الطلبة والشباب واستنطاقهم في الآليات الفعالة والمحببة لديهم، والتي تجعلهم أكثر تفاعلاً وتقبلاً والتزاماً بالمنظومة الحقوقية.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3536 - السبت 12 مايو 2012م الموافق 21 جمادى الآخرة 1433هـ