منذ ان حل «ربيع العرب وصحوتها التي لم تعرف يوما التوقف او التخاذل» والابداعات الشبابية لا تكف ابداعا في نقل مشاعر الناس وحقوقها المسلوبة مع الحرية والعدالة التي يسعى اليها الشباب كما هي باقي شرائح المجتمعات العربية من الخليج الى المحيط.
ولعل اكثر هذه الابداعات تميزا هو ما تشهده الساحة المصرية من بعد ثورتها وصولا الى مرحلتها الحالية التي تشهد تقلبات وتغييرات كثيرة. فقد عاد لون الغناء المسرحي ذي الطابع الملتزم بقوة في اوساط الشباب متحدثا عن العدالة الغائبة، الانسان والحرية، الثورة والكرامة، والتحرر من عبودية السلطة، والبحث عن الحقيقة التي تحفظ حقوق المواطن.
و«اسكندريلا» هي مثال حي لنموذج بدأ يؤثر على باقي البلدان العربية التي بدأت تتأثر بهذا الفن كما تتأثر بـ «اسكندريلا» بل وتتفاعل معها كما يتفاعل المواطن العربي مع شبكات التواصل الاجتماعي في بديل لاداة لا تقمع آراءه ولا تسلب حريته.
وحازم شاهين مؤسس فرقة «اسكندريلا» قال ان الغناء تأخر في مصر وان مثل هذا اللون هو ما يحتاج اليه اليوم الانسان المصري لأنه لا توجد اغان تتكلم عن الناس. لقد رسم شاهين وهو سليل عائلة عرفت النضال لزمن طويل، فنه بالاتجاه نفسه الذي عايشه مع بيئته وبالخصوصية نفسها كي يحترم عقول الناس التي تريد الحرية.
يقول شاهين في لقاء صحافي سابق «والدي كان مناضلاً سياسيًا (...) وأنا أحب سيد درويش منذ طفولتي أصلا، بعد ذلك اكتشفت زياد الرحباني، وأرى أن كل هؤلاء فنانون احترموا انفسهم، وفنهم، وأنا رسمت اتجاهي بالطريقة نفسها كي أحترم عقول الناس، لأنه مبقاش فيه أغاني بتتكلم عن العمال، أو الفلاحين».
لقد بدأت الفرقة في العام 2005 فكانت هناك فترات ركود وازدهار حتى صار عددها ثلاثة عشر عضوا ما بين مؤد وعازف بمن فيهم سامية جاهين ابنة شاعر العامية المعروف صلاح جاهين فهي تغني وتلقي أشعارا ما بين الأغنيات وآية حميدة ومي وسلمى حفيدتا الشاعر فؤاد حداد. وقد أطلق اسم «إسكندريلا» على هذه الفرقة الشاعر خميس عز العرب باعتبار أن هذا الاسم له دلالته في المزج ما بين جمال الإسكندرية وروعة سندريلا.
ورغم ما مرت به «اسكندريلا» من عقبات فإنها تألقت بصورة واضحة مع ثورة 25 يناير وقد تكون اغنية «راجعين» احدى هذه الاغاني التي رددها ومازال يرددها شباب الثورة في صورة لا تخلو من حقيقة واقع واحاسيس تلمس احتياجات المصريين كما تلامس تطلعات ومعاناة المجتمعات العربية في البحث عن نظام سياسي يحقق كرامتها وحريتها المسلوبة في مرحلة مع بعد الاستعمار الاجنبي وهي مرحلة حملت في مجملها الكثير من المتغيرات.
ولقد غنت الفرقة «راجعين» وهي كلمات الشاعر زين العابدين فؤاد وألحان الشيخ إمام ما كان ممنوعا إذاعته من نظام حسنى مبارك المخلوع، لأنه يكشف حقيقته. وما ردده أيضا الشيخ إمام بغنائه وتم قهره وإبعاده وعادت أغانيه بفضل ثورة 25 يناير.
المصريون اليوم يعبرون عن عبق الحرية التي حرموا منها أكثر من ستين عاما وها هي مصر بين أحضان شبابها الذين أيقظوها من سباتها الطويل الذي كان تحت الرماد يلملم الاشلاء ليترك للشعب حرية الاختيار. ومنذ بداية «اسنكدريلا» فقد رفضت ألا تتلمذ أو تقدم غناء أو عزفا إلا على أيدي عمالقة الفن الذين قدموا الكلمة المغناة كرسالة وهدف يعبر عن الواقع.
هكذا هي مصر اليوم وهكذا هي اغاني الشباب وكتابات الصحافيين التي خرج منها الصالح وطلع منها الطالح وسقط من سقط وبقي من بقي الى حين تنتهي مصر من بلورة مرحلتها الانتقالية.
فغنت «اسكندريلا» للشاب والعجوز والطفل كما غنت ضد الظلم والقهر وقالت ما لم يكن يراد سماعه: «اقروا الفاتحة لأبوالعباس لكن بشكل وعهد جديد لمصر بعد الثورة. اقروا الفاتحة/ لابوالعباس/ يا إسكندرية يا اجدع ناس/ اقروا الفاتحة لعهد جديد/ دي مصر قايمة الفجر وعيد/ مافيهوش خلاص اسياد وعبيد/ لكن عدالة لكل الناس/ حركتوا بالوطنية جموع/ بإراد لها شكل وموضوع/ من النهاردة مفيش ممنوع/ ولا حق للشعب حينداس... القبطي والمسلم أخين/ ملو الأمل والروح والعين/ دفعوا التمن همالتنين/ فتح شهيدنا بدمه طريق/ وبتحيا مصر تبل الريق».
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3536 - السبت 12 مايو 2012م الموافق 21 جمادى الآخرة 1433هـ