المسئولية الأخلاقية للصحافة... «الوسط» مثالاً
تلعب المسئولية الأخلاقية دوراً مهماً في الصحافة، فلا يمكننا أَنْ نتصوّر إعلاماً وصحافة من دون مسئولية أخلاقية. لماذا؟
1 - إن الحرية لا تعني فيما تعنيه تجاوز الحدود والقفز على الخطوط الحمراء التي رسمتها القوانين والمواثيق الأخلاقية والحقوقية، فعبارات القذف والتجريح والألفاظ النابية، والرسوم الكاريكاتيرية، وإطلاق النعوت والصفات السيئة والمشينة بحق الأشخاص الآخرين مما تُسبب لهم ضرراً مادياً ومعنوياً تصرفات لا يمكن تبريرها بنحوٍ من الأنحاء، كما لا يمكن السكوت عنها وغض الطرف عن صدورها وذلك لما من شأنه أن يثير اضطراب المجتمع وإخلال أمنه، ولنا في قضية رسام الكاريكاتير الدنماركي كيرت ويسترجارد (KURT WESTERGAARD) الذي نشر (12) رسماً نشرتها صحيفة «جويلاندز - بوسطن» العام 2005 لنبي الإسلام الأعظم محمد (ص) وهو يرتدي قلنسوة تخفي قنبلة تحتها، الأمر الذي أثار غضب ملايين المسلمين وأدى إلى خروج مظاهرات احتجاج في العالم الإسلامي.
2 - من أهم الأمور الأخلاقية هو عدم استغلال المؤسسات الإعلامية وخصوصاً الصحافية لتصفية الحسابات، وتحطيم العلاقات بين أبناء هذه المؤسسات بالتشهير والتحريض وبثَّ كل ما من شأنه الضرر بالآخرين.
وسائل الإعلام والإبادة الجماعية برواندا
في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول للعام 1990، شنَّت الجبهة الوطنية الرواندية – ذات أهداف سياسية وعسكرية المعلنة - في كمبالا والمؤلفة بصفة رئيسية من فئة مجتمعية وهي التوتسي المنفيين بأوغندا هجوماً بقوة تضم (7000) مقاتل. لجأت الحكومة الرواندية (المعتمدة على فئة مجتمعية أخرى وهي الهوتو) إلى سياسة إعلامية استهدفت من خلالها عامدة وصم جميع أبناء التوتسي داخل البلد بأنهم شركاء للجبهة، ووصم جميع أبناء الهوتو الأعضاء في أحزاب المعارضة بأنهم خونة لفئتهم المجتمعية، وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة الإذاعة، عبر نشر إشاعات لا أساس لها من الصحة، ما أدى لتفاقم المشاكل العرقية، وارتكاب المذابح الجماعية الكثيفة والممنهجة. فقد قدَّرَ الخبراء أن عدد مَنْ فقدوا أرواحهم في هذه المجازر ناهز مليون نسمة، وكان من الواضح أنها أعمال إبادة جماعية. كما أشارت التقديرات أيضاً إلى اغتصاب ما بين 150 الى 250 ألف امرأة، فضلاً عن الممارسات العنصرية البغيضة كإقامة نقاط التفتيش والمتاريس التي يشرف عليها أفراد المليشيات بمساعدة أفراد من الشرطة العسكرية أو شبه العسكرية للتحقق من هوية أبناء هذه الطائفة أو تلك.
لذا، فإن المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بجرائم الإبادة الجماعية برواندا أصدرت أحكاماً عدةً على عددِ من الشخصيات، من بينهم ثلاثة من أصحاب وسائل الإعلام، الذين اتهموا باستخدام وسائل الإعلام الخاصة بهم للتحريض على الكراهية العرقية والقتل الجماعي.
ضمير قلم الصحافة
لابد لقلم الصحافي عند معالجة تحقيق هنا أو تحليل موقف هناك أو نقل خبر بين هذا وذاك أن يكون أميناً صادقاً، مفعماً بالحس الإنساني، والضمير البشري الحيَّ، بما يتفق مع القواعد الأخلاقية للصحافة والتي من أهمها التعامل بموضوعية، وتوازن، ونزاهة، وحياد، وعدم انحياز، لغاية وفضيلة هي احترام الكرامة الإنسانية.
الأخطار التي تهدد الصحافة والصحافيين
كثيرة هي الأخطار التي تتعرض لها الصحافة والصحافيون ومنها فقدانهم لأرواحهم، فعلى سبيل المثال تورد شبكة مراسلون بلا حدود على مقياسها لحرية الصحافة لهذا العام (2012) أن عدد من قتل من الصحافيين بلغ (22) صحافياً، بينما قتل (6) من مستخدمي الإنترنت والمواطنين الصحافيين، في حين بلغ عدد الصحافيين المسجونين (158) شخصاً، و (10) أشخاص من المعاونين الإعلاميين مسجونين وأخيراً وليس آخراً فبلغ عدد مستخدمي الإنترنت المسجونين (121) شخصاً.
ضحية من ضحايا ثمن الكلمة
آنا بوليتكوفسكايا (ANNA POLITKOVSKAYA)، صحافية روسية ولدت في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية في 30 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1958 لأبوين روسيين يعملان دبلوماسيين في الأمم المتحدة.
ترعرعت آنا في موسكو وتخرجت من جامعتها في كلية الصحافة العام 1980، لِتعمل صحافيَّةً مُتابِعةً لقضايا التدهور الاجتماعي المتردَّي في روسيا، لِتنتقل مِنْ بعد ذلك إلى الصحيفة الروسية الشهيرة «نوفايا غازيتا» لمتابعة أحداث الحرب التي دارت بين روسيا والشيشان، وهي المهمة التي جعلت منها «سيدةَ روسيا الأولى» بين الجماهير، حيث أثبتت شجاعة وصلابة مذهلتين من خلال تغطيتها لأحداث الحرب، لتصبح بذلك الضمير الحيَّ للصحافة الروسية ومرجعاً في مهنة الصحافة، الأمر الذي طَالمْا أرَّق نظام الحكم في الكرملين ففكر في التخلص منها مرات عدة، إلى أَنْ قُتلت برصاصات غادرة في يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول العام 2006 أثناء عودتها من مقر عملها.
صحيفة «الوسط» في سطور
«الوسطُ» صَحيِفَةٌ بَحْرَيَنيَّةٌ مُسّتَقِلَّةٌ يوميةٌ شَاْمِلَةٌ، تأسَّست في العام 2002 من قبل مجموعة من المستثمرين البحرينيين لخدمة مُجتَمَعٍ مُتنوِعِ الثقافات، وصدر العدد الأول منها في السابع من سبتمبر/ أيلول العام 2002، معتمدةً على كوادر متخصصة في مختلف الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والثقافية وغيرها، تمتاز بالكفاءة العالية، والتدريب الفائق النوعية، والالتزام بقواعد الصحافة الأخلاقية.
هذه الأسباب وغيرها ساهمت إلى جانب صدور الصحيفة بشكل يومي في صدور عدد من الكتب والمؤلفات والإصدارات الإلكترونية التي تشمل ذات المضمون العالي الذي يُساهم في رفد الساحة المحلية والإقليمية والعالمية فكراً ورؤيةً واقعيةً تعيش مع العصر وتواكب متطلباته.
اعتمدت صحيفة «الوسط» في مجال عملها فلسفة الطرح المتوازن والمستقل، وهي فلسفةٌ راقيةٌ جِداً، شأنها في ذلك شأن المؤسسات الصحافية المتقدمة والراقية، مِنْ خِلالِ ذلك العمل على ربط القارئ بالرأي العام المحلي والعربي والعالمي، وطرح وجهات النظر المختلفة بصدق وإخلاص، هادفةً بذلك الوصول إلى دوائر القرار والنفوذ على جميع المستويات.
انتهجت صحيفة «الوسط» منهجاً مميزاً من بين العديد من الصحف، تمثّل في أربعة مبادئ هي كالتالي:
1 - مبدأ تعزيز الهوية الوطنية الجامعة والشاملة.
2 - وسطية الطرح وتغليب مبدأ الحوار العقلاني والنقاش المنطقي.
3 - التغطية الشاملة والتحليل المعمَّق.
4 - تعزيز مفاهيم حقوق لمواطن الإنسانية والدستورية.
حققت صحيفة «الوسط» العديد من الجوائز والإنجازات في زمنٍ يُعتبر قياسيَّاً بالنظر إلى عمرها والمنافسة الشديدة من حولها، الأمر الذي يعكس واقع الأداء المهني المتميَّز، والطرح الموضوعي، وتحملها لأمانتها ومسئوليتها الوطنية والتاريخية على رغم الحملات العديدة التي استهدفتها من كل جانب، ما جعلها محِلَّ إعجاب وإكبار العديد من الشخصيات والجهات المختلفة... ومن أهم هذه الإنجازات:
- الجائزة الدولية لحرية الصحافة للعام 2011 (نيويورك)، والتي تقررها هيئة دولية مكونة من كبار الشخصيات في الصحافة على مستوى العالم، حيث تعتمد معايير خاصة بهذا الشأن من أهمها: المهنية والصدقية في العمل الصحافي وكيفية تعامله مع الظروف القاسية والمخاطر التي تعرض لها بسبب عمله الصحافي، ونال هذه الجائزة منصور الجمري في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني للعام 2011.
- منح المجلس العالمي للصحافة بلندن رئيس التحرير منصور الجمري جائزة تحقيق السلام من خلال الإعلام للعام 2012 وذلك في 5 مايو / أيار 2012.
- ذكر «تقرير المصداقية الإعلامية» الصادر عن مؤسسة القرن المقبل في لندن بتاريخ 5 مايو / أيار 2012 بأن «الوسط» حازت على الدرجة الأولى في المصداقية الإعلامية.
ختاماً؛ نقف مع مقطعين سيحفظهما التاريخ للأجيال القادمة حول المعاناة والظروف القاسية التي تواجهها مهنة الإعلام عموماً والصحافة خصوصاً، فالأول للصحافية الروسية «آنا بولتوفيسكايا» وهي تصف تغطيتها للحرب قائلة: «لقد بذلتُ مجهوداً شاقاً كيْ أُسُلَّطُ الضْوَءَ عَلَى الأحداث فَيْ هذِهِ الحرْب، والآنَ هُم استطاعوا إيقافي». والمقطع الآخر هو للجمري الذي شكر اللجنة على انتخابها له وأهدى هذه الجائزة لشعب البحرين ولموظفي صحيفة «الوسط» وإلى الأعداد الصحافية البحرينية الكبيرة الذين وصفهم بقوله: «عَانَوْا بِشكْلٍ كَبَيرٍ مُنْذُ مُنتصَفِ فِبْراير/ شبَاط 2011، لأنَّهُم أَصَّروا عَلَىَ أَدَاءْ واجِبَاتِهِم بِأمَانَةٍ ومِهَنيَّةٍ وَصِدْقّيَّةٍ وَعَانَوِا الكَثَيِرَ مِنْ الاضطهاد وَالمُلاحَقَاتْ وَالتُهَمِ البَاطِلة».
أحمد عبدالله
يقف الناس على حقيقة أعمالهم يوم البعث، وأما قبل ذلك فإنما يرون ظاهرها، إذ قصر علمهم بحقائق أعمالهم على إنبائه تعالى إياهم بها يوم القيامة وذكر رؤية الله ورسوله والمؤمنين أعمالهم قبل يوم البعث في الدنيا وقد ذكر الله مع رسوله وغيره وهو عالم بحقائقها وله أن يوحي إلى نبيه بها كان المراد مشاهدة الله سبحانه ورسوله والمؤمنون حقيقة أعمالهم، وكان المراد المؤمنين شهداء الأعمال منهم لا عامة المؤمنين كما يدل عليه قوله تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً...» (البقرة : 143)، وعلى هذا فمعنى الآية: وقل يا محمد اعملوا ما شئتم من عمل خير أو شر فيشاهد الله سبحانه حقيقة عملكم ويشاهدها رسوله والمؤمنون وهم شهداء الأعمال، ثم تردون إلى الله عالم الغيب والشهادة يوم القيامة فيريكم حقيقة عملكم...
وبعبارة أخرى: ما عملتم من عمل خير أو شر فإن حقيقته مرئية مشهودة لله عالم الغيب والشهادة ثم لرسوله والمؤمنين في الدنيا ثم لكم أنفسكم معاشر العاملين يوم القيامة... ولذا الآية السابقة مسوقة لندب الناس إلى مراقبة أعمالهم بتذكيرهم أن الأعمال لهم من خير أو شر حقائق غير مستورة بستر، وأن لها رقباء شهداء سيطلعون عليها ويرون حقائقها وهم رسول الله وشهداء الأعمال من المؤمنين والله من ورائهم محيط، ثم إن الله سبحانه سيكشف عنها الغطاء يوم القيامة للعاملين أنفسهم كما قال: «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد» (ق : 22).
منى الحايكي
كل من سمع عن اسم مؤلفي... وما خطته يداه... وأنتجه فكره الإنساني... يسعى لاقتناء كتبه...
وأنا أحدها...
كتابٌ في مكتبة مع مجموعة كبيرة من الكتب...
كل من يأتي يلقي نظرة على غلافي كيما يرى عنواني أو اسم مؤلفي...
أروق له...
تهرع يده لتتلقاني...
يتجول بين صفحاتي...
يقرأ محتوياتي...
تجذبه...
يدفع مالاً ويشتريني...
يأخذني معه...
يتصفحني مرة أخرى...
يقرأ جزءاً من المحتوى الذي أعجبه...
ثم يضعني على سطح طاولته...
لا أكمل قراءتي...
ولم يُتيح للآخرين قراءتي...
لأكون... كتاباً معلقاً!
***
تمر الأيام... الشهور...
يأتي بكتابٍ آخر...
يضعني فوق رف مكتبته...
تمر السنوات وتلقي علي أغبرتها...
وأنا كما أنا... كتابٌ معلق... !
***
أشتاق لأن تزاح عني أغبرة السنوات العقيمة...
أتوق لأن تلمسني يد من دفع ثمني واقتناني...
ما نفع وجودي وأنا معلق... ؟!
لا عين تقرأني...
لا فكر يحتويني...
لا يد تتفقدني...
لا... لا... لا...
كتاب معلق...!
***
ملت المكتبة من أمثالي...
ضاق الرف بي...
مل كل شيء...
وأنا مللت من وجودي وأنا هكذا...
كتاب معلق..!
***
قبل أن أُشترى... كنت أشياء كثيرة...
كنت أفكارا في ذهن مؤلفي...
كنت كلمات وجملاً وتعابير تخطتها يداه...
كنت مخطوطة...
ثم صفحات بين يدي الطابعة...
ثم زرت المطبعة...
نسخ كثيرة... أوراق... ألوان...
رسومات وأشكال... عُمال وأنفاس...
كان لي أصدقاء... قُراء... متصفحون...
كانت هنالك حيوية في كل يوم...
كان... وكان... وكان... ومضى كل الذي كان...!
فأنا الآن... كتاب معلق...!
***
اصفرت أوراقي... تآكلت أطراف غلافي...
بهت كل شيء... استوطنت العناكب تضاريس غلافي...
نسجت مصائدها...
أرجل الحشرات الصغيرة تلامسني...
بعضها يتغذى على أوراقي الصفراء...
بعضها يقع فريسة في بيت العنكبوت...
صرت أأنس بحكايا العنكبوت عن فرائسه...
وأحزن لمصير الفريسة التي غذتها أوراقي فترة من الزمن...
أشعر بالامتنان للحيوية التي أضفاها عليَّ بيت العنكبوت...!
وأتوق لليوم الذي أعود فيه كتاب... لا مجرد...
كتاب مُعلق...!
زهرة عبدالله أحمد
العدد 3535 - الجمعة 11 مايو 2012م الموافق 20 جمادى الآخرة 1433هـ