أستعير عنوان المقال من تعليق للصديق الروائي والفوتوغرافي حسين المحروس. هو واحد من تعليقاته دائمة التهكّم على الحياة وأحياناً على بشرها وأشيائها وبجنون يرتجله؛ وفي أقل من جزء من الثانية.
يحضرني واقع مناطق في البحرين تعيش مأساة متكررة؛ وخصوصاً مناطق تعجّ بها المصانع. بعض هبات ومكرمات الدولة غاز يقصف الأرواح، ويقلّص دائرة الأهل والأصدقاء. يصحون في اليوم التالي على وحشة غياب تهز فرائص الروح قبل فرائص البدن.
سكّان تلك المناطق يعاملون بدرجة حرص أقل من سكّان حظيرة المواشي التابعة إلى إحدى شركات الدولة، في الطريق المؤدية إلى منتجع أحدهم الذي اكتسب الأرض بالهبة والتي تقدّر بعشرات الملايين من الدنانير وليس من أهل ومواطني هذا البلد.
يحضرني غاز آخر مسيّل للأرواح بات عادياً ويومياً بالنسبة إلى أجهزة الأمن. غاز مزاج في مناطق ليس بالضرورة أن تشهد احتجاجات أو حرق إطارات. غاز يستهدف أرواح الناس بالطريقة التي يتم من خلالها توجيه العبوات على المناطق السكنية والبيوت في إطلاق عمودي للاستهداف الذي أنا بصدده. بعض الفيديوهات على «يوتيوب» كشف فراغ وغل بعض من يلقي تلك العبوات، ضمن منظومة التصرف الشخصي، تنزع كيساً أسود اهتدى إليه أحد المواطنين كوقاية تحول دون تسرب الغاز إلى بيته، بتغطية جهاز التكييف من الخارج. التصرف الشخصي وجد في هذا الإجراء وفي ساعة متأخرة من الليل، احتجاجاً على الطريقة التي تُوزع فيها حصص ووجبات الخنق حتى على أولئك الذين يرابطون في بيوتهم، وعلى استعداد للنوم قبل وجبة العشاء كي يتسنى لهم أخذ حصتهم المنقوصة من النوم بفعل إجراء بات عادياً بالنسبة إليهم، وفيه الكثير من التشويق والإثارة بالنسبة إلى منظومة التصرف الشخصي! الغاز الذي لا ينشغل بالتنمية وتوسعة الرقعة الصناعية ولا ينشغل باستقطاب الكفاءات في هذا المجال الحيوي الحسّاس، ويترك كل ذلك استهدافاً لقتل الناس وخنقهم وعبر أشرطة مصورة طالت الطفل والمعوّق والمسنّ وحتى عابر الطريق، وذلك الذي ذهب في نومه وهماً باطمئنان في بلد يراد لمواطنيه أن يتغنّون ب «بلد الأمان».
أكتب عن الغاز باعتباره مصدر ثروة لأية دولة من الدول. وفي هذا المقام اضطر أن أكتب عنه باعتباره مصدراً من مصادر الموت المعلن الذي لن يعلن في الدوائر المصدّرة والموجّهة والمفرطة في استخدامه بعبث بالغ ولا يُفهم من تلك الممارسة المتكررة بشكل أكثر من يومي سوى وضع حدّ لهذا الصوت الذي يأتي من جهة لا يراد أن يكون لها أي مكان في هذا الاستسلام للعبث. ومثل ذلك الصوت يعطّل مشاريع ومخططات وبرامج تم رصد موازناتها قبل أكثر من عقد.
في اشتغال الغاز على أرواح الناس بشكل لحظي وليس يومياً فحسب، يكشف ذلك عن استهداف حقهم في الاحتجاج وحتى حقهم في التواري عن المشهد. مشهد استهداف لم يوفر أحداً. حتى أولئك الذين لا علاقة لهم بضجيج على بعد نافذة من اتخاذهم العزلة خيار رؤية وموقف حياد من عربدة الغاز وما يتمخض عنه من هبة موت قائم، وعلى النقيض من إمكانية تحوّل الغاز إلى حليب مجفف! هذا السيلان للأرواح الذي يتبع سيلان الدموع؛ بات يكشف عن أمر واحد فقط؛ وخصوصاً لأولئك الذين هم خارج «دائرة» العنف. يعني أن غذاء رئاتهم سيفضي بهم عمّا قريب إلى «مستطيل» في مكان موحش. نومهم بعد تلك الوجبة لا يعني بالضرورة أن يصحوا من ذلك النوم؛ سيكملونه في ذلك المستطيل.
الجهات الرسمية تصرّ على أن الغاز ليس فقط «صديقاً للبيئة!»؛ بل هو صديق للإنسان في الدرجة الأولى؛ وخصوصاً جهازه التنفسي، وجهازه العصبي والنظر، وهو صديق للجلد - بالمناسبة - بدليل أن الذين يشكون من سُمْرة بشَرَتهم، يمكن أن يحوّلها مثل ذلك الغاز إلى بَشَرَة «أولاد انجلينز!» باللهجة الدارجة، أولئك الذين يأتون من عواصم الزمهرير كي يكتسبوا سُمْرَة بلاد الشرق؛ وخصوصاً شرق الصحراء.
في الاستهداف المتكرّر، لا تحتاج إلى أعمال شغب كي تفرغ ذخيرتك من غاز تسييل الأرواح. ماذا عن فيديوهات أيضاً تظهر إلقاء عبوات الغاز «الحبيب» بنكهة الموت داخل بيوت أبوابها موصدة ومن المفترض أن تكون آمنة في حيّزها الخاص. يترجّل أحد الأفراد، وفي نشوة بالغة وفروسية من نوع آخر، يلقي العبوة في صحن البيت، ويمضي إلى شأنه؛ كأنه في مهمة موزع صحف؛ أو بائع حليب!
حتى كتابة هذا المقال، وربما بعد سنوات، يبدو أننا لن نقف على محاسبة ومحاكمة حقيقية للذين أزهقوا أرواح الناس؛ سواء بالغاز «الحبيب»؛ أو بغيره من أسلحة ضمن بند وتخريجات «تصرف شخصي»! وكأن الحياة من أساسها وجدت كي يُقتل الناس أو يُخنقون بتصرف شخصي من أحدهم، متيقّن من إفلاته من حساب لن يمتد إليه؛ لذلك لن نرى نهاية لمثل تلك التصرفات حتى يهلك البشر ومن بعدهم هلاك التوازن وسيادة الاضطراب.
بمثل ذلك التصرف؛ كيف يمكننا الحديث عن صوغ عولمة تصرف يؤسس لقيمة هذا المخلوق المستهدف من قبل المزاج والغلّ؟ توزيع غذاء الرئات الفاسد لن يخلق أمة تتنفس حقها في أبسط العناصر. إنه توزيع يرمي إلى زج الناس في قيامة أرضية مبكّرة لا وقت ولا مكان لها.
وبالعودة إلى أبناء «الانجلينز» هم أيضاً اكتشفوا الورطة: حمّام الشمس الذي كانوا يحلمون به من أجل سمرة بَشَرَتهم مع الغاز «الحبيب» لم تكن درجة حرارته أقل من ميكروويف من نوع مختلف!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3534 - الخميس 10 مايو 2012م الموافق 19 جمادى الآخرة 1433هـ
تواطـــــــؤ ... خسيس
غازات ملأت المآقي بالعبرات،وخلّفت وارءها من الأرامل واليتامى بالمئات ، ضائعين وضائعات ، كل يوم يحمل في زمانه طيّات للقطات دلائلية حرفية صورية ومرئية مبرهنة لأبشع مخازي العصر والإبادات، قال الله تعالى: "إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" .
لاتستغرب
اولا جمعة مباركة ثانيا بوركت على هذا المقال نعم هو الغل والحقد والتشفي والانتقام وسمى ماشئت كلها تصب في النهاية الي الابادة الجماعية، طبعا لايوجد رقيب او حسيب بل قل يوجد اوامرمباشرة ولكن ثقتنا بالله الواحد الاحد الذي يمهل ولايهمل
اه من هذا غاز لاحل له ولامثيل مثله يرفع المعدة للبلعوم ويجعلك بين الحياة والموت
اقول اخي الكاتب تعرضت له صدفة وفي شارع رئيسي وانقدتني منه سيدة اجنبية تشهدت واسلمت امري لله لكنه كريم ولم ارى نفسي الاوهذه السيدة الاجنبية بجانبي وتدخلني سيارتها مع ضخامة جثتي لكنه القدر ولم تحن الساعة لكنه غاز لاعلاج له يجعل جميع الاعضاء الداخلية ترغب بالخروج من البلعوم واترك لك التصور؟؟ا
وقس على هذا ياجمري
اتعلم ان معظم التجمعات السكنيه الراقيه على طول شارع البديع يسكنها الاف الاجانب عزوف بعضهم عن المجيء الى البحرين وتفضيل العمل والاقامه في دول الجوار هو ناتج عن ما يعكسه هولاء الاحانب عن الوضع الماساوي والحصار الذي لم يحسب حسابه على الاجانب في البحرين فعلى طول شارع البديع يقطن الاف الاجانب وهم ممن يشغر وظائف ليست اقل من مدير ومهندس ومستشار الكثير منهم حزم امتعته والباقي منهمك في حزمها ماذا سيقولون لذويهم واصدقائهم هناك ذهبنا للبحث عن جنة دلمون المفقوده فوجدنا ... عوضا عن الجنه المفقوده!؟!؟
تعبير في غاية الدقة
( منظومة ) التصرف الشخصي
نسيت شيئا
غاب عنك يا صديقي تلك الإطارات التي تحرق في الشوارع ويصل سموم أدخنتها "الصديقة للبيئة" إلى الإنجلينز والأمريكان ونحن الفقراء لله - البحرينيين. كما غاب عنك يا صديقي العزيز أكثر صديق للبيئة عرف حتى الآن - زجاجات المولتوف التي هي كانت صديقة لسيارتي الأسبوع الماضي. غاب عنك يا صديقي التفجيرات في غياهب الليل تطمئن الأمنين . غاب عنك المسيرات والإعتصامات التي بلغت أكثر من 7000 خلال سنة. تذكر كل هذا ثم تفضل تكلم عن مسيلات الدموع.