أشك أن هناك مخلوقاً مارس التجارة ولم يقبض عمولة أو لم يحاول الحصول عليها أو ما يحلو للبعض تسميتها السعي أو الأتعاب وبعض المحترمين والمؤدبين منا يطلقون عليها «أتعاب ومصاريف أدارية».
لو ألقينا نظرة على من حولنا من رجال أعمال معروفين ومحاميين وسماسرة لتبين لنا أن الجميع قبض العمولة ولكن تحت مسمى مختلف، فمنهم من يستبدل المفردات بأخرى أملاً في إرضاء النفس وتهدئتها وطمأنتها بأنه لم يتسلم عمولة أو «Commission» بل كل ما تسلمه هو حق مشروع وهي عبارة عن أتعاب ومصاريف إدارية ليس إلا.
إن عالم اليوم قائم على العمولة وأكبر دليل على ذلك هو ما نشاهده ونراه ونسمع عنه يومياً من صراع بين الأحزاب السياسية للوصول إلى الحكم أو بعضها للوصول إلى قبة البرلمان.
فالساسة في العالم أجمع ... طموحاتهم واحدة، وهي السلطة وليس في السلطة ذاتها بل ما وراء السلطة، فالتظاهر أمام أعين العباد أن الساسة لا يتقاضون سوى رواتب بسيطة لا تقارن برواتب المصرفيين أو الاستشاريين في عالم الطب والقانون ولكن على رغم ذلك تراهم يتهافتون ويضحون بالغالي والنفيس من أجل المناصب السياسية ويفعلون المستحيل من أجل الوصول والحصول على المنصب حتى أن بعضهم يعرض نفسه للاعتقال والتعذيب وأحياناً كثيرة للتجريح والإهانة فلولا أن هناك كنوز «افتح يا سمسم» لما كان متماسكاً وقوياً وصبوراً.
وهناك نماذج لا حصر لها من الساسة ممن تبدلت أحوالهم بين ليلة وضحاها وباتوا من أصحاب الملايين لا لعلم يملكونه أو تجارة يمارسونها بل لمنصب يملكونه وهو الرقيب والمسئول عن كل واردة وشاردة، فمن دون أن ينال نصيبه وحصته من كل معاملة تبقي هذه المعاملات حبيسة الأدراج.
وللرجوع للعمولة، ففي العالم الثالث والذي نحن فيه هناك بعض رؤساء دول قبضوا عمولات مالية ضخمة بالسماح بدفن النفايات في أراضيها ومن دون علم الناس، وفي عالمنا العربي كم هائل من سماسرة السلاح ومعظم الساسة أو وسطاء الساسة فالعمولة لم تكن محصورة بين البسطاء من الناس بل أصبحت حقاً «سمة العصر» فهي التي تحرك الأمم وتحرك المشاعر وتغير المبادئ والقيم والكل يلهث وراءها.
فالجري ليل نهار وراء المنصب السياسي ليس لخدمة العباد فحسب بل لخدمة النفس وطموحاتها المالية والجري وراء الثراء السريع. وقد لا يعلم البعض أن انهيار الكثير من المؤسسات المالية في العالم والتي أفلست نتيجة قيام النافذين على هذه المؤسسات بتسلم عمولات ضخمة لتمرير الصفقات وتكون هذه العمولات عادة على حساب المساهمين أو المستثمرين، ففي الأيام الوردية قد تختفي هذه العمولات ولكن عند الأزمات تطفح على السطح بشكل لافت وتثير الكثير من التساؤلات وأحياناً تؤدي إلى الانهيارات، لذا نرى الكثير من المؤسسات المالية تنهار ولكن مديريها أصبحوا أعضاء فعالين ومؤثرين في «نوادي الميلونيرية».
لو دققت البنوك المركزية في كل أنحاء العالم حول الأسباب الجوهرية التي أدت إلى انهيار المؤسسات المالية لتبين لها أن العمولات الضخمة كانت إحدى الأسباب الرئيسية في تفاقم الوضع المالي لها.
مصلحة الجماهير والحفاظ على ثروات البلد وتوزيع الثروة بشكل عادل، ومناصرة المستضعفين وإرساء العدالة، كل هذه المفردات ما هي إلا شعارات الهدف من استخدامها هو الوصول للمنصب والجاه ومن ثم قبض العمولة عن كل واردة وشاردة.
في اعتقادي أن الزعيمين الإفريقيين نيلسون مانديلا وسوار الذهب يعتبران حالات شاذة قياساً لما يجري في عصرنا الحاضر، وقد تكون هناك ساسة أشراف لاقوا حتفهم من أجل المبادئ والقيم ولم يكن لهم في يوم من الأيام أية طموحات مالية أو سعي وراء العمولات.
إقرأ أيضا لـ "عمران الموسوي"العدد 3533 - الأربعاء 09 مايو 2012م الموافق 18 جمادى الآخرة 1433هـ