المطالب الشعبية في العام 2011 في المنطقة العربية أكدت أن حق التعبير هو مصدر التغييرات الاجتماعية وأن هذا الحق بدوره يدفع إلى تطور المجتمعات ولا يمكن أن يحدث التطور إلا باحترام حرية الإنسان وتحرير الكلمة.

لقد احتج الشباب عبر وسائط الإعلام الجديد على الظلم والتعدي على حقوق الإنسان بسبب رفض هذا الحق ولذلك فإن الانتفاضات والثورات التي ظهرت في المشهد السياسي العربي عكست الحاجة للحرية والتعددية في طرح الآراء والمطالب، وقد تبين ذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي أوضحت تقاسم ونشر المعلومات بطريقة سريعة الوصول إلى الناس بشكل حر ومن دون قيود.

وهناك الكثير من الأنظمة في المنطقة مازالت تحتكر الأصوات والكلمات بل وتذهب إلى محاكمة الأفكار والآراء.

ليست وسائل الإعلام هي من تغير الأنظمة ولكن الناس وإرادتهم في التغيير هم من يغير وهو ما يعني أن المرحلة الجديدة التي تعيشها المنطقة العربية قد فتحت مجالات أمام المجتمع المدني وتدعيم قدرات المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير.

من هنا لابد من القول إن مستقبل المنطقة التي تخوض مرحلة التحولات الديمقراطية سواء بالثورة أو بالتغيير الاحتجاجي أصبح مفتوحاً على عدة توقعات كمثل الأمل في حدوث تطور في معايير القيادة والمعرفة بحيث تنتقل هذه الدول إلى مرحلة الدولة المدنية الحريصة على حقوق الإنسان وحرية التعبير.

وفي تونس مثلاً التي تشهد مرحلة انتقالية منذ خلع الرئيس زين العابدين بن علي فقد دعت الأحداث الاستثنائية التي مرت بها في يناير/ كانون الثاني 2011 ومروراً بالانتخابات التاريخية في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 إلى مضاعفة الجهود من أجل إعادة جميع حقوق حرية التعبير للتونسيين.

إذ تقود منظمة انديكس سنسر شيب (مؤشر على الرقابة) بالشراكة مع ايفكس - كليرنغ هاوس وأعضاء ايفكس، مبادرة تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان في تونس عن طريق توسيع المشاركة وإحداث تأثير في الرصد والإبلاغ والحملات على الأرض.

ويهدف المشروع إلى مساعدة المهنيين ومنظمات المجتمع المدني التونسي للقيام بدور أكبر في المبادرة العالمية التي تهدف إلى دفع الحكومة التونسية من أجل الالتزام باتجاه تنفيذ معايير حقوق الإنسان الدولية وخاصة فيما يتعلق بحرية التعبير ومنح هؤلاء المهنيين ومنظمات المجتمع المدني قيادة هذه المبادرة.

وقد قامت ايفكس من خلال مجموعة مراقبة حرية التعبير في تونس برصد الحالة منذ العام 2004 وقامت بإرسال عدة بعثات لتونس كان آخرها في أبريل/ نيسان 2011 وقد حدد في شراكتها مع شركاء محليين ثلاثة أهداف من أجل تحقيق حرية التعبير وهي الإصلاح الإداري والتشريعي المتعلق بحقوق الإعلام وحرية التعبير الإدارية المستخدمة لاستهداف الرأي المعارض. أيضاً الممارسات الجيدة والاستمرارية لكل وسائل الإعلام وتعزيز العدالة كجزء من عملية إنهاء الرقابة على الإنترنت والكتب وأخيراً فتح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني المستقلة ودعم قدراتها.

وأشارت ايفكس إلى أن تعديل المشروع تم ليعكس إنجازات المنظمات المحلية غير الحكومية التي باتت قادرة على ترخيص نفسها والعمل بحرية، ويهدف المشروع بحسب المنظمة إلى تقديم الدعم للمنظمات المحلية غير الحكومية لزيادة قدرتها على القيام بحملات ومحاولة التأثير الفعال باستخدام وسائل الإعلام الجديدة.

لقد ساهم، بلا شك، التطور التكنولوجي في رسم ملامح جديدة لشكل الدولة المدنية التي يطمح أن يراها المواطن العربي لذا فإن أدوات الإعلام الجديد جاءت لتعبر ولتعكس أثر هذا التطور في حياة الناس فظهرت المدونات والشبكات الاجتماعية والمواقع الإخبارية لتبث أفكاراً وأصواتاً لم تسمع من قبل في مواد إعلامية من خلال الإنترنت وانتشار ما يعرف بصحافة المواطن، فأصبح الاعتماد عليها أكثر من أدوات الإعلام التقليدي التي تتحكم في الرأي وفي الصوت وخاصة في الأنظمة الديكتاتورية وتكون خياراً بديلاً من أجل التحرر الديمقراطي وأنموذجاً من أجل حرية التعبير والصحافة والرأي.

إن المساعي التي تقوم بها المنظمات الدولية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في بلد مثل تونس قد تؤسس لمفاهيم جديدة تصدر مبادئها إلى باقي دول المنطقة العربية خلال مرحلة الصحوة العربية. وهي مفاهيم تؤسس لبناء الدولة المدنية التي تحترم حقوق الإنسان وحق التعبير وهو أمر مازال غائباً في معظم بلدان المنطقة التي إما تحقق العدالة أو تستمر في إرساء أساليب قمع جديدة لحرية التعبير وذلك من خلال سياسية تكميم الأفواه واعتقال نشطاء حقوق الإنسان أو الصحافيين المدافعين عن حرية الكلمة والإعلام الحر.