أظن انني لست وحدي من يؤمن بالقاعدة الإلهية الأبدية التي صِيغت للبشر، وليس لغيرهم، بأن المكلفين إنما يجازون بأعمالهم وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئةَ أحد ولا جريرتَه، ما لم يكن له يدٌ فيها، وهذا من كمال عدل الله تبارك وتعالى وحكمته كما ورد في الآية: «ولا تزرُ وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم تعملون إنه عليمٌ بذات الصدور» (الزمر: 7).
ولعل الحكمة من التعبير عن الإثم بالوزر؛ لأن الوزر هو الحمل ـ وهو ما يحمله المرء على ظهره ـ فعبر عن الإثم بالوزر لأنه يُتَخّيلُ ثقيلاً على نفس المؤمن. وللعلم أن هذه القاعدة القرآنية تكرر تقريرها في كتاب الله تعالى خمس مرات، وهذا ـ بلاشك ـ له دلالته ومغزاه.
مناسبة هذا القول وفهم المغزى من حكمة الباري عز وجل لمن يعيها، ما جرته الساحة المحلية منذ فبراير/ شباط العام الماضي حتى الآن على أجزاء مهمة وحيوية من اقتصاد البلاد حتى بات يقال بين الأوساط الاقتصادية البحرينية ان هذه الأزمة لو استمرت عاماً آخر فستُعلن شركات ومستثمرون كبار إفلاسهم قريباً وستنهار السوق حتماً.
فمن يدعي بأن ما يحدث في الشارع يومياً من قبل المعارضة هو السبب فيما يحدث للاقتصاد؛ تعالوا، على نسق مسلسل غوار الطوشه، وبكل هدوء وروية وشفافية، نقول إذا أردت أن تعرف ما يحدث لاقتصاد البحرين فعليك أن تعرف ما يحدث في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجية.
ولنبدأ من واجهة الاقتصاد في كل بلد وهو المطار. فقد قمت مؤخراً بجولات في بعض دول الخليج لحضور عدة فعاليات ثقافية. توقفت خلالها في أكثر من مطار وتجولت في أكثر من صالة واسواق وقنوات في هذه المطارات مقارناً بينها وبين مطار البحرين الدولي وبلدي بشكل عام. وكان آخر هذه المطارات هو مطار دبي الدولي، أو لنقل مدينة دبي للمطارات لضخامة المساحة والامكانات الهائلة التي خصصت للمطار ومرافقه رغم أن مساحة دبي لا تضاهي مساحة جزر البحرين (آخر إحصائية رسمية لجزرنا تقول أنها نحو 750 كم مربع والافتراضية نحو 800 كم مربع).
فالمطار خلية نحل لا تنام واقعاً، حتى أن من يضطر للتوقف في المطار مثلاً لوجهة أخرى فهو لا يمل من المكوث هناك، حيث تزوده شركة الطيران بوجبات وتتيح له النوم الهادئ في «غرف مرفهة ومزودة بكل وسائل الاتصال الحديثة ومؤجرة بالساعة أو مجانية لمن يحملون بطاقات رجال الأعمال عالية التكاليف»، وهذا بالطبع ما يمكن السائح والمستثمر من قضاء فضاء التسوق بحرية أو التجول في ردهات المطار بين مرافق بواباته التي تعدت المئتين بقليل وهو يتابع الصور التاريخية الموثقة لمراحل إنشاء وتطور المطار منذ الثلاثينيات من القرن الماضي حتى اليوم. وما يقال عن هذا المطار له شبه مثيل في مطار أبوظبي والدوحة أيضاً.
لا أقول هذا استعراضاً ولا هو من باب الدعاية للمطار ولإمارة دبي الاتحادية ومسئوليها، فلا هم بحاجة لهذا ولا أنا ممن يسعون من باب الصحافة لذلك. لكنها وجهة نظر مسافر يقارن بين مطار بلاده الذي يُعد من أول المطارات الخليجية من أيام طيب الذكر طيران (أم أحمد)، وبين بعض مطارات الدول المجاورة. أضرب هذا المثل لمن يتباكون اليوم على الاقتصاد وتدهوره بسبب الاحداث التي تعصف بالبلد منذ أكثر من عام ومرشحة للتواصل في ظل تصلب الشرايين وسياسة كسر العظم عند البعض. أضف إلى ذلك ومن باب «لا تزر وازرة وزر أخرى» نقول، ما علاقة ما حدث داخل البلد بضرب اقتصاد شركات الطيران البحرينية التي تتعامل مع خارج البلد، والتي بالكاد وقفت على قدميها بعد فتح آفاق التعاون مع الدول المجاورة في أكثر من خط ولعشرات الرحلات وخصوصاً للسياحة الدينية. ويعرف أصحاب تلك الشركات ومديروها أن لا خط أفضل من خطوط الرحلات السياحية الدينية فهو من يملأ خزائن تلك الشركات بالأرباح السنوية. فلا خطوط أوروبا ولا أميركا هي من يستطيع جلب بركات تلك الزيارات، ولنعترف بهذا بلا مكابرة. لهذا نرى كيف سارعت خطوط الامارات (الاماراتية، الاتحاد، دبي فلاي) لحجز جميع الرحلات التي كانت تحتلها طيران الخليج والبحرين إلى كل من العراق وايران، وبذلك خسرت شركاتنا الوطنية وربحت الأخرى لأنها لم تُدخل السياسة قسراً في العمل التجاري فتُعاقب من تريد وترضى عمن تريد لمجرد مواقف إعلامية صدرت من هنا وهناك.
فإلى من يدعون لعدم زج السياسة في كل أمور حياة الناس لماذا أدخلتم شركات الطيران في قضايا ومواقف سياسية بحتة جلبت الويل والخسارة على جزء مهم وحيوي من أركان الاقتصاد وهو اقتصاد الطيران وما يدره من أرباح ويوفره من أعمال. وأكبر دليل على ما نقول ما يدور حالياً من الحيرة والتخبط في ملف طيران الخليج وذلك بسبب هذا التصرف الذي نهانا عنه المولى عز وجل في قوله «ولا تزر وزارة وزر أخرى». حيث ان عالم الاقتصاد والمال لن يقف معك إذا ما وضعت كل ملف تحت تصرف السياسيين بل إن القطار سوف يتحرك من محطة لأخرى ويتركك أنت وحدك في محطة المواقف المسيِسة للاقتصاد تضرب كفا بكف لما ارتكبته يداك من تدمير الذات قبل تدمير الآخر. فأنت لن تضر الدولة التي منعت طائراتك ألا تحل بمطاراتها بل إن غيرك، وهم ربما اخوتك واصدقاؤك، هم من سيحلون محلك لجني أرباح لم يكونوا يحلمون بها ولن يفكروا طويلاً لجراحاتك وآلامك وإن تظاهروا بذلك إعلاما لمرضاتك فقط، فهم ليسوا بأفضل من اخوة يوسف! كما أننا تعلمنا في دروس الاقتصاد البسيطة أن «رأس المال جبان» لن يبقى في منطقة تفتعل المشاكل مع غيرها، وبذا سيهرب منك حتماً. أليس منطق التجار الإنجليزي - الشعبي يقول دائماً، حتى مع الأهل والاخوة، أن «البزنس إز بزنس»! إذاً ما بالكم كيف تحكمون؟ وبأيديكم لاقتصادكم كيف تدمرون! وسلامتكم من المطبات الهوائية.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3528 - الجمعة 04 مايو 2012م الموافق 13 جمادى الآخرة 1433هـ
تسيس لقمة العيش
البحرين هي اول دولة في العالم تمارس قطع الأرزاق بناء على المواقف السياسية ولكن ثق أستاذي الفاضل بان السحر لا بد ان ينقلب على الساحر ، وسيعرفون مدى الحماقة التي ارتكبوها في حق وطنهم ظنا منهم انهم يعاقبون معارضيهم فقط , هذا اذا كان لديهم قدرة على المعرفة والاستدراك ! !
هكذا المواطن المخلص
هذا هو القلم الصادق الذى تشم منه رائحة الإخلاص للبلد. نعم إنها إجراءات غير مدروسة و تعبر عن عادات عفى عليها الزمن و سلوكيات مبنية على التسرع فى الحكم دون معرفة العواقب. شكراً لك يا أستاذنا الفاضل على طرح هذا الموضوع المميز فمن يعي ما يفعل ؟