احتفلت دول العالم أمس (الأول من مايو)، بعيد العمّال، بتعداد منجزاتها وما قدّمته من تسهيلات للطبقة العاملة، واحتفلت الطبقة العاملة في البحرين باسترجاع شريط ما تعرّضت له من مظالم وفصل وقطع أرزاق وانتهاكات ووشايات.

من مأساة الحياة السياسية والعمالية في بلادنا أن ما يتم إنجازه خلال عشرة أعوام، يتم تدميره خلال شهر واحد. وبينما كان عمال البحرين يحتفلون خلال السنوات الماضية بعيدهم السنوي، وينظمون مسيرةً عماليةً تجمع كافة الأطياف والتيارات السياسية المناضلة، فإن الاتحاد العام استبق العيد بإعلان إلغاء مسيرة هذا العام، في خطوة غير مفهومة، وحين أعلنت الجمعيات السياسية عن تسييرها تمت مواجهتها بالعنف عصر أمس واختنقت أحياء كاملة من العاصمة بمسيلات الدموع.

منذ الصباح كان الجو غائماً، وشهد عديد من المناطق مسيرات انتهت بمواجهات. وعند منتصف النهار خرجت مسيرةٌ في منطقتنا السكنية شارك فيها نساء ورجال، سرعان ما ووجهت بمسيلات الدموع لأكثر من ساعة.

لم تكن منطقتك وحدها، فالصور كانت تتوارد في وسائل التواصل الاجتماعي من مختلف المناطق، ففي سترة تعرّضت بعض قراها لزخاتٍ كثيفةٍ من مسيلات الدموع كما تظهر الصور، وتبدو بعض مبانيها المكوّنة من دورين وثلاثة أدوار غارقة في الدخان. وفي كرانة يبدو أحد أزقة القرية ذات البنية التحتية المهترئة غارقاً في الأدخنة. وفي صورةٍ من أبوصيبع تبدو مزرعة من النخيل السامق يسبح في الدخان. وفي توبلي يبدو مسجد القرية بمئذنته ينتصب وسط الضباب.

هذه مجرد عيّنةٍ عشوائيةٍ تبيّن فظاعة ما جرى، إلا أن أغلب الصور تدفقت من الأحياء القديمة بالمنامة، وكان أكثر المتضررين الباعة والعمالة الأجنبية التي تمثل اليوم ثلثي سكان العاصمة. هذه الصور تكشف وجود تجمعات يشارك في بعضها نواب سابقون وشخصيات من الجمعيات السياسية وناشطون حقوقيون، يقابلها تجمعات لقوات الأمن. ولم تتأخر وزارة الداخلية في الإعلان على موقعها على «تويتر» بأن «مجموعة حاولت الخروج بمسيرة غير قانونية بالمنامة وحذّرتهم الشرطة وأمرتهم بالتفرق، إلا أنهم لم ينصاعوا ما استوجب اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم».

الصور تحكي تفاصيل ما جرى في عيد العمال العالمي، الذي اعتمد إجازةً رسميةً منذ سنوات تقديراً سياسياً لعمال البحرين. وعيد هذا العام كان فرصةً لمئات العوائل في المناطق المحاصَرة للخروج إلى المطاعم منتصف النهار، وأمام طوابير المنتظرين كان عليك أن تنتظر مع عائلتك لأكثر من ساعةٍ أو تبحث عن مطعم آخر، لتفاجَأ بطوابير أخرى، وتضطر للانتظار ثلاثة أرباع الساعة حتى تحصل على طاولة.

الأجواء في الليل غير آمنة منذ 14 شهراً، والعوائل تأوي إلى مساكنها مبكّراً ليحلّ الهدوء قبل أن تخرج مسيراتٌ صغيرةٌ سرعان ما تُواجَه برشاتٍ من القنابل الصوتية وقنابل الغازات المسيلة للدموع، وجاءت هذه الإجازة فرصةً لتنفس الهواء.

عيد العمال هو الإجازة التي أهداها عمال البحرين لجميع أبنائها وطبقاتها، وقد استشعرت ثمن هذه الهدية لأول مرةٍ هذا العام، مع هذه الأجواء السياسية الخانقة.

أول التقارير أوردتها وكالة «فرانس برس»، ونورد عنوانه رغم تحفظنا على صياغته من منظار وطني: «مظاهرات في قرى شيعية في البحرين تزامناً مع يوم العمال»، ويبدأ بالقول أن قوات الأمن البحرينية فرقت بالقوة العشرات من المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشارع في قرى شيعية تزامناً مع يوم العمال العالمي. وأشار إلى بعض ما كتب على اللافتات: «العودة للعمل حقنا»، في إشارة إلى فصل عددٍ من الأشخاص عن وظائفهم في البحرين على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها، مع التذكير بما أورده تقرير بسيوني من مئات الشكاوى التي تتعلق بعمليات الفصل عن العمل لدوافع سياسية.

اليوم يكون قد مر عامٌ على بدء عمليات الفصل الجماعي وقطع الأرزاق التي طالت أكثر من أربعة آلاف مواطن، من مختلف مواقع العمل والتخصصات، من أطباء وممرضين ومعلمين وإعلاميين وبلديين وموظفي قطاع عام وخاص، مع أغلبيةٍ كاسحةٍ من الطبقة العاملة. المجد والخلود لهؤلاء الكادحين في يومهم العالمي.