منذ فترة أهداني الحقوقي عبدالنبي العكري كتاباً قيِّماً بعنوان «حقوق الإنسان في المؤسسة التعليمية العربية... إشكالياتها وآفاق تطويرها ـ نتائج البرنامج البحثي حول مكانة حقوق الإنسان في المناهج والكتب المدرسية بالتعليم الثانوي في البلدان العربية»، وهو من إصدار المعهد العربي لحقوق الإنسان ـ تونس 2004م.
تكتسب الدراسات المنشورة بالكتاب أهمية بالغة؛ كونها تتعلق بكتب مدرجة أساساً في مخططات التعليم الثانوي في كل من الأردن والجزائر وسورية والكويت ولبنان ومصر واليمن.
المعهد العربي لحقوق الإنسان حاصل على جائزة اليونسكو الدولية لتدريس حقوق الإنسان للعام 1992م، فقد تأسس بمبادرة من المنظمة العربية لحقوق الإنسان واتحاد المحامين العرب والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبدعم من مركز الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ويشار إليه ـ على مستوى العلاقات الدولية ـ على أنه أحد المنظمات غير الحكومية ذات العلاقة الرسمية الاستشارية لدى اليونسكو.
ورغم مرور ثماني سنوات على عمر الكتاب، فإن الخلاصة والتوصيات العشر التي خرج بها الباحثون تؤكد أننا مازلنا نعيش التحديات، لا من جهة غياب خطاب حقوق الإنسان ومفاهيمها ومبادئها في الفضاء التعليمي، وإنما في ترجمة هذا الخطاب بما يتضمنه من مفاهيم ومبادئ إلى سلوك وممارسة تربوية يتمكن كل من المعلّم والمتعلِّم على فهمه واستيعابه، وبالتالي توظيفه في الحياة اليومية.
لن أتعرض هنا لمناقشة التوصيتين الأخيرتين (9 و10)؛ نظراً لارتباطهما بدور المعهد.
ولكن أجد من المناسب الإشارة إلى خلاصة الدراسات، والتي دعت واضعي ومصممي المناهج التعليمية والكتب المدرسية والأدلَّة المنهجية وغيرهم في الدول العربية الى الأخذ في الاعتبار المسائل الجوهرية من منظور حقوق الإنسان، من خلال التوصيات التالية:
أولاً ـ أن تسمح الأنظمة التربوية بتنمية الفكر النقدي لدى المتعلم، وأن تمكنه من سبل الترشّد ذاتياً، ومن مهارات وكفايات تساعده في حياته اليومية، فالتفكير النقدي عند التربويين يعني إخضاع المنهج للمتعلم بدلاً من إخضاع المتعلم للمنهج، وانتقال المتعلم من مرحلة المفعول به (المتلقي للمعلومات فقط) إلى مرحلة الفاعل والمؤثر في العملية التربوية.
وعلى حد تعبير منظمة العفو الدولية فإن التربية على حقوق الانسان إنما هي وسيلة لسيرورة طويلة الأجل؛ تهدف إلى دمج الأبعاد الخاصة بالمعرفة والفعالية والمواقف لدى الأشخاص، بما فيها التفكير النقدي في مجال حقوق الانسان.
ثانياً ـ أن تتناغم برامج تدريب المدرسين مع ثقافة حقوق الإنسان وتحتويها من جهة المضامين وأساليب التبليغ. وقد باشرت وزارة التربية والتعليم ـ في هذا الشهر ـ بتنظيم دورة تدريبية عن برنامج إعداد المدربين في مجال حقوق الإنسان، حيث بلغ عدد المشاركين في الورشة 22 معلمة من مختلف المدارس الحكومية، وأن هذه الدورات ستعمم مستقبلاً على المدارس الخاصة.
ثالثاً ـ أن يتجه العمل إلى دمقرطة الهياكل الداخلية لمؤسسات التربية، وذلك بإعادة النظر في مجالات تسييرها، وإشراك المتعلمين والمعلمين في ذلك التسيير، وذلك لن يتأتى إلا بمزيد من الصلاحيات وفرص المشاركة الفعالة الواسعة في تحديد السياسات والبرامج المدرسية، من خلال إشراك الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، وهو لا يتنافى إطلاقاً ومبدأ تكافؤ السلطة مع المسئولية.
رابعاً ـ أن يقع الاهتمام أكثر بتفعيل دور الأنشطة الموازية للدراسة وإعطائها وجهة حقوقية يتدرب المتعلم والمعلم من خلالها على تطبيق مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية. إذ لابد من الاهتمام أكثر بتفعيل دور الأنشطة الموازية للمدرسة كالمسرح والنادي والمسابقات المتنوعة والرحلات المدرسية والبرلمان المدرسي ومجلس الطلبة وغير ذلك، وهي الأكثر تأثيراً وتقبلاً لدى هذا الجيل؛ لأنها بالفعل تتحدى قدراتهم واهتماماتهم وتفجر طاقاتهم الكامنة والواعدة.
خامساً ـ أن يُفسح المجال للمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان وأولياء المتعلمين من فرص المشاركة في الحياة المدرسية وإبداء الرأي فيما يتخذ من قرارات والاستفادة من خبرتهم في مجال التدريب والتربية على حقوق الإنسان. ونأمل في الانفتاح عليهم أكثر والاستفادة من خبراتهم في مجال التدريب، وخصوصاً بعد توقيع وزارة التربية والتعليم مذكرة تفاهم بتاريخ 17 يناير/ كانون الثاني 2012 مع الهيئة الدولية للتعليم التابعة لمنظمة (اليونسكو) لتلقي المساعدة والمشورة اللازمة فيما يتعلق بإصلاح المناهج الدراسية من قبل اليونسكو.
سادساً ـ أن يقع العمل على خلق آليات تواصل بين المدرسة وحرفاء المدرسة (أصحاب المؤسسات بالخارج) بهدف تنمية المشاركة ودعم العلاقات بين الطرفين، ما يمكّن المتعلم من التفتح على محيطه وتمكينه من أن يكون فاعلاً فيه. فأكثر ما يقلقنا حقيقة هو تنامي الهوة أو التفاوت الاجتماعي بين «حرفاء» المدرسة، من طبقة الأغنياء أو لِنَقُلْ متوسطي الدخل من مريدي المدارس الخاصة، وبين «الحرفاء» من طبقة الفقراء والمحرومين من مريدي المدارس الحكومية الذين لا يستطيعون ملاحقة التحولات الحاصلة في التعليم بالمدارس الخاصة.
سابعاً ـ أن يقع التركيز على الحق في التعليم ذي النوعية الجيدة بما يستدعيه من مضامين وأساليب في التبليغ وإمكانات حقوقية. حيث تسعى منظمة مثل (اليونسكو) بتمويل التعليم ذي النوعية الجيدة باعتباره حقاً للجميع، بقصد تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة، وذلك يتطلب منها مضاعفة الجهود في بعض البلدان في البلاد، والمزيد من الإنفاق العام وتوفير مصادر تمويل إضافية.
ثامناً ـ أن تكون كل الأعمال الهادفة إلى التربية على حقوق الإنسان معتمدة على مبدأ عدم تجزئة حقوق الإنسان وعالميتها وكونيتها وارتباطها ببعضها البعض. ولكن لايزال البعض مصرّاً على فكرة الخصوصية التي يحاول من خلالها التنصُّل من الالتزامات الدولية، أو ربما يعيش حالةً من التخبط في إدراك المفاهيم ودلالاتها تماماً كتلك الحكاية المشهورة التي طُلب من مجموعة من العميان التعرف على شيء مجهول بالنسبة إليهم من خلال التلمُّس، وكان هذا الشيء المجهول هو (الفيل). بعد لمس الأول خرطومه، قال: إن هذا الشيء هو خرطوم مياه قصير وغليظ! في الوقت الذي لمس الثاني ظهر الفيل، وقال: لمستُ هضبة مرتفعة، بينما لمس الثالث رِجل الفيل وأفاد بأنه جذع شجرة. فلم يتمكن أحدهم من معرفة التوصيف الصحيح؛ لأنه اعتمد على وصف الجزء الذي لمسه لا أكثر!
يقول فولتير: إذا كنت ترغب في الحديث معي فعرِّف ما تقوله، وحدِّد قولك.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3522 - السبت 28 أبريل 2012م الموافق 07 جمادى الآخرة 1433هـ
الخلاصة و التوصيات
محكوم عليها بالمؤبّد داخل الأدراج.
الخلاصة والتوصيات
محكوم عليها بالمؤبّد داخل الأدراج.