العدد 3522 - السبت 28 أبريل 2012م الموافق 07 جمادى الآخرة 1433هـ

ظلم... «أخذه لحم وقطه عظم»

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

قال مالك المصنع: «ابتداءً من الغد، لا تأتي إلى هنا، فقد استغنينا عن خدماتك».

فرد العامل جاسم: «لماذا؟ أنا عملت معك 15 سنة بجد وإخلاص».

فقال مالك المصنع: «صحيح أنت عامل مجد ونشيط، ولكنك الآن تعاني من آلام حادة في الظهر، ولا تستطيع أداء المهمات كما كنت سابقاً».

فرد جاسم: «أنت تعلم أن سبب آلام الظهر، ناتجة عن العمل، وحققت لك نجاحا كبيرا... على الأقل دعني استمر 5 سنوات حتى الحصول على التقاعد».

فقال مالك المصنع: «تريدني أن أصرف عليك 5 سنوات؟ اذهب إلى منزلك، أنت مريض وغير قادر على الإنتاج».

فرد جاسم: «ما هذا الظلم... تأخذ العامل لحم وتقطه عظم».

المواطن جاسم تم تسريحه من العمل بعد أن حقق أرباحاً كبيرة للمصنع، وعندما فقد صحته تخلوا عنه، ولا أحد يريد توظيف عامل يعاني من آلام في الظهر، كما أنه لم يحصل على راتب تقاعدي، لأنه عمل 15 سنة ولم يكمل 20 سنة. وأصبح يتلقى المساعدات من المؤسسات الخيرية.

جاسم لديه ابن يدرس في المرحلة الثانوية. هذا الابن، أثناء الاجازة الصيفية يذهب لمساعدة عمه الميكانيكي في تصليح السيارات، لأنه يحب السيارات ومولع بالمحركات والميكانيكا.

في أحد الأيام ذهب جاسم إلى كراج أخيه ليشاهد ابنه يعمل، وفي الوقت نفسه تضييع الوقت الممل. جلس جاسم داخل الكراج لمدة طويلة يراقب الحركة، فلاحظ أن كل السيارات التي جلبت للتصليح بحاجة إلى قطع غيار، فأدرك أن هناك طلبا في السوق على قطع الغيار.

وتحدث جاسم مع أخيه الميكانيك بخصوص فكرة فتح محل لبيع قطع الغيار. فقال أخوه: «فكرة ممتازة، وإذا فتحت أنا سأشتري كل احتياجاتي منك».

فتح جاسم محلا لبيع قطع الغيار، في البداية واجه صعوبات وتحديات، لكنه مع مرور الوقت حقق نجاحاً كبيراً، وأصبح يحصل على مدخول أفضل بكثير مما يحصل عليه عندما كان عاملا في شبابه.

ومع مرور السنوات، زادت أعداد محلات بيع قطع الغيار بكثرة، مدعومة بـ «السجلات المؤجرة والوهمية والفري فيزا»، ما أدى إلى ضعف السوق، وتدهور الوضع لدى جاسم.

الابن قال لأبيه جاسم: «أبي القرية الصغيرة إذا كان فيها دكان واحد، سوف ينجح بالتأكيد، ولكن إذا تكاثرت إلى 100 دكان، فانها جميعها ستخسر بالتأكيد، لأن القرية سوق صغيرة لا تستوعب هذه الأعداد».

فأدرك جاسم خطر كثرة المحلات بما يفوق طاقة السوق، وأخذ يفكر في حل، ويسأل نفسه: ما هو الشيء الذي يجعلني متميزا على الآخرين ويعطيني ميزة تنافسية؟ وكيف أحافظ على الزبائن واستقطب زبائن جددا؟...

بعد تفكير عميق لأيام طويلة، لاحظ جاسم أن زبائن محلات قطع الغيار هم من الطبقة الفقيرة، وجزء من الطبقة المتوسطة، أما الأغنياء وكثير من الطبقة المتوسطة فيشترون قطع الغيار من وكالة السيارات بأثمان أعلى. فسأل نفسه لماذا؟ وما هو السبب؟

فعرف جاسم أن الميزة التي لدى وكالة السيارات، هي نوعية الخدمة وسرعة وسهولة الحصول على قطعة الغيار المطلوبة، بينما المحلات لديها ميزة السعر المنخفض، لكن بعض زبائنها يواجهون صعوبات في تحديد قطعة الغيار المطلوبة، وخصوصاً إذا كان الزبون غير ميكانيكي فمثلاً يقول: «أريد قطعة غيار للمحرك»، ما هي القطعة ما نوعها، ما حجمها أي موديل... الخ. ما يصعب على صاحب المحل معرفة ما يريده الزبون بالضبط، بينما وكالة السيارات لديها كمبيوتر بمجرد أن تضع رقم السيارة وموديلها، تظهر السيارة بكل مكوناتها بالصور، ويتم تحديد ما يريده الزبون.

فاشترى جاسم أجهزة كمبيوتر، وبرامج خاصة لبيع قطع الغيار، وحسن من مستوى الخدمة، ما سهل على الزبائن تحديد القطعة التي يحتاجونها بسهولة، وأعطاه ميزة تنافسية أفضل في السوق، وبدأت الزبائن تتدفق على محل جاسم، وحتى بعض الأغنياء يترددون عليه، لأنه «رخيص وقوي».

وعاد جاسم أقوى مما كان عليه في السوق، وازدهرت تجارته، وحقق ثراءً كبيراً، وعاش بقية عمره غنياً سعيداً مع أسرته. وعرف جاسم متى يكون الإنسان عبداً ومتى يكون حراً في كسب لقمة عيشه، وأن السعادة يجدها الإنسان عندما يكون له مشروع في الحياة.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3522 - السبت 28 أبريل 2012م الموافق 07 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:20 ص

      صحيح قيل 3 ارباع المال في التجارة

      و لكن انصح التجار بانصاف العمال فهم مصدر رزقهم الحقيقي فهم محاسبون اذا ظلم احد منهم عند الله فمع كثرة المال يشتد الحساب
      فلا انصح الجميع بالتجارة اذا كان الجميع تجار فمن يعمل للتجار
      و لكن ليكن لك هدف في الحياة تتمكن به من العيش بكرامة و تفوز برضى الله

اقرأ ايضاً