مررنا في الحلقة السابقة على مسئولية «المتبوع» عندما يرتكب تابعه جرماً أو خطأً يُعاقِب عليه القانون أو يوجب التعويض عنه أثناء تأديته عمله أو بسببه، وبيّنا في جانب منها أن مسئولية المتبوع تقوم على فكرة «الضمان» التي بموجبها يكون المتبوع كافلاً لتابعيه فيما يرتكبونه من أخطاء جنائية أو غير جنائية تضر بالآخرين. وانتهينا إلى أن هذه المسئولية أُسست حديثاً على فكرة «الحلول»، بمعنى أن «المتبوع» يحل محل «التابع» عندما يرتكب هذا الأخير خطأً يصيب الآخرين فيصبح المتبوع بمقتضى هذا الأساس وكأنه هو من ارتكب الخطأ.
غير أن مسئولية المتبوع عن الأضرار التي تصيب الآخرين لا تقف إلى حد أخطاء تابعيه على النحو السابق وحسب إنما تقوم مسئوليته كذلك عندما يُخفق تابعوه في أداء واجباتهم المناطة بهم، أي عندما يكونون قاصرين أو عاجزين عن أداء واجباتهم، سواء كان ذلك لضعفٍ في الأداء أو لقلة خبرة لديهم، فينعكس هذا الإخفاق أو العجز على المتبوع نفسه فيصبح وكأنه هو العاجز أو القاصر عن أداء واجبه. وكثيراً ما يُبنى هذا القصور من جانب المتبوع على سوء اختياره لتابعيه، بيد أن سوء هذا الاختيار يظل عنصراً من عناصر سوء الإدارة أو قلة الخبرة أو عدم المعرفة لدى المتبوع الذي يوصلنا في النهاية إلى ذات النتيجة وهي عجز أو قصور المتبوع.
ونحن في هذا الجانب لا نعني «التقصير» إنما نعني «القصور»، إذ إن الأول يُحمل دائماً على مفهوم الخطأ الذي قد ينطوي على فعل جنائي والذي وقفنا عليه في الحلقة السابقة، أما الثاني «القصور» (موضوع هذه الحلقة) فهذا يُفترض أن يكون راجعاً كما قلنا إلى ضعف في الأداء أو قلة الخبرة أو لشيء من هذا القبيل، لا عن خطأ مرتكب بقصد أو بغير قصد.
ولما كان مضمون الحلقة السابقة عن أخطاء تابعي وزارة الداخلية، ونظراً لارتباط موضوع الحلقة السابقة بموضوع هذه الحلقة، رأينا أن نُعرِّج ثانية على مسئولية هذه الوزارة ولكن من باب آخر وهو باب الإخفاق أو القصور من جانب تابعيها لما لهذا الموضوع من أهمية قصوى في الوقت الراهن، سواء كان ذلك ناتجاً عن ضعف في الأداء أو قلة خبرة لدى تابعيها أو لسبب آخر من هذا القبيل.
فمن المقرر أن سلامة المواطنين حق كفله الدستور وجميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وكان على السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الداخلية رعاية هذا الحق والعمل على تحقيقه كواجب أساسي منوط بها. ولهذا جاء في المادة الأولى من قانون الأمن العام أن «قوات الأمن العام قوات نظامية مسلحة تابعة لوزارة الداخلية وتختص بالمحافظة على النظام والأمن العام والآداب داخل البلاد وحماية الأرواح والأعراض والأموال، وتتولى اتخاذ التدابير اللازمة لمنع ارتكاب الجرائم وضبط ما يقع منها، وإجراء التحريات والأبحاث والتحقيقات والقيام بكل ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات».
إذاً... وبناءً على النص القانوني السابق تكون وزارة الداخلية مسئولة هي وحدها عن سلامة المواطنين وحماية أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، وإن أي تقصير أو إهمال في هذا الجانب مهما كانت دواعيه وأسبابه هو نكوص عن واجب وخطأ جسيم يعاقب عليه القانون مدنياً وجنائياً، فلا يجوز لهذه الوزارة والحال ذلك أن تخلق لنفسها أعذاراً، أو تعتذر بأية مبررات من قبيل أن ما حدث كان ناتجاً عن «تصرفات فردية» من جانب تابعيها لدرء المسئولية عن نفسها كما بينا ذلك في الحلقة السابقة.
بيد أننا (وخروجاً عن دائرة أخطاء تابعي وزارة الداخلية) نسمع كثيراً أن هذه الوزارة قد عجزت عن ضبط مرتكبي بعض الجرائم؛ كحوادث الاعتداءات على المواطنين، وبعض الاغتيالات والسطو المسلح مثلاً.
ودعونا نحسن الظن بهذه الوزارة بالتصديق على أنها عجزت بالفعل عن ضبط مرتكبي تلك الجرائم، إلاّ أن هذا العجز المُعلن أو غير المُعلن (وإنْ ثبت) لا يُقبل لأن يكون مبرراً لدرء المسئولية عن نفسها بمقتضى كل الشرائع والتشريعات، سواء كان هذا العجز ناتجاً عن ضعف في أداء تابعيها أو لقلة الخبرة لديهم، لأن هذا السبب أو ذاك تتحمله وزارة الداخلية (المتبوع) وحدها بناء على مبدأ «الحلول» الذي وقفنا عليه في الحلقة السابقة، فتصبح هذه الوزارة هي العاجزة عديمة الخبرة، الأمر الذي يتعين بمقتضاه إعادة النظر للوقوف على المستوى المعرفي والإداري لقمة الهرم فيها لمعرفة مدى كفاءته من عدمه.
ومن يقول بغير ذلك إنما يُجزم على أن ليس هناك ثمة مسئوليات مقررة على هذه الوزارة، وأنه لا يوجد فيها ثمة مسئولٌ مُلزَمٌ بحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم، فهذا القول يتنافى مع المنطق والعقل السليم، ويؤدي بالطبع إلى تدهور النظام الأمني وإلى فوضى لا حدود لها، والنتيجة هي خراب البلاد.
وما قلناه سلفاً، ونقوله الآن، ليس تجنِّياً أو تحاملاً على هذه الوزارة الموقرة، إنما هو منطق الحق والعدالة والقانون، ومن منطلق حرية الرأي.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3518 - الثلثاء 24 أبريل 2012م الموافق 03 جمادى الآخرة 1433هـ
القانون الطبيعي وقانونية القانون
من المعلوم أن العلم قد كشف وبين قوانين طبيعية في الطب ، والكيماء والفيزياء التي يشير اسمها أنها تعني الطبيعة. ومن الطبيعي ان الطبيعة لها قانون طبيعي. لكن الغريب العجيب في هذا السياق أن البشر اخترعوا وسنوا سنن وسموها قوانين. ما أنزل الله بها من سلطان..
أليس الانسان والحيوان والنبات من الطبيعة؟
فلما وضع قانون غير طبيعي للانسان الطبيعي؟
هل المسؤول .. فعل لإسم أم اسم لفعل؟!
من الطبيعي أن تكثر الأسئلة عند ما يكون المحور هو المسؤول..
فما المسئولية؟ وما واجبها ومهامها ؟؟ ...
وهل للمسؤول ان يفويض من ينوب عنه؟
فالبديهية تقول أن المسئولية تبدأ بالسؤال وتنتهي عنده حيث المسائلة.
فالمسئولية قدرة الفرد على الاستجابة وحمل هذه المسئولية. فتأديتها واجبة ولها مهام وبها أوامر ولها نواهي ووجوب الكفاءة فيها ملزم.
فهل المسؤول هو من طلب/سأل أن يكون مسؤولا أم هناك من أعطاه أوخوله ؟