عندما أحرق محمد بوعزيزي نفسه السنة الماضية في تونس مطلقاً الربيع العربي، أشعل ذلك العمل مشاعر التوق للحرية عبر العالم العربي. والأكثر من ذلك أنه استحوذ على التخيّلات الخلاقة للناشطين اللاعنفيين وملايين الأفراد غير الراضين حول العالم. هل توقف هذا الأمل مع العنف في سورية؟
ليس بالضرورة.
يتوجّب علينا أن نتذكر أن للاعنف جذوراً قوية في الإسلام، وأن سورية ذات الغالبية المسلمة ليست مستثناة من هذا. ومثلها مثل جميع الرؤى العظيمة، ارتكزت رؤية النبي محمد (ص) على الوحدة بين بني البشر التي تمنع العنف وتؤكد عناصر اللاعنف كما نعرفها.
تعكس دروس القرآن الكريم التعاليم نفسها التي ألهمت غاندي ومارتن لوثر كنج الابن من وجهة نظر تقاليد كل منهما. وتنصّ سورة «العصر» على أن المفضّلين عند الله تعالى هم الذين «آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر». والصبر تعبير مكافئ للاعنف.
وفي حديث نبوي شريف، سُئل النبي (ص)، بعد أن أعلن أنه يتوجب على المسلم مساعدة ليس الضحية فقط وإنما الظالم كذلك، سأله صحابي استغرب ذلك: «كيف نساعد الظالم؟» فأجاب الرسول: «بمنعه من الإمعان في الظلم».
تظهر هذه الأمثلة، ضمن أمثلة أخرى أن المرء لا يحتاج لأن يذهب بعيداً عن القرآن الكريم والحديث الشريف لكي يبحث عن المبادئ الأساسية للاعنف. وقد برزت هذه المبادئ بشكل متواصل في تاريخ الدول ذات الغالبيات المسلمة. يستشهد كتاب «الجهاد المدني: الكفاح اللاعنفي وتبني الديمقراطية والحوكمة في الشرق الأوسط»، الذي صدر في العام 2010 وحرّرته ماريا ستيفان، بعدد متزايد من الأمثلة، حتى قبل الربيع العربي، تعتبر حركات المقاومة الفلسطينية الناجحة جزئياً من أفضلها.
ذكر الناشط السوري بشر سعيد لنا حديثاً أن المعارضة اللاعنفية أُخِذَت على حين غرة عندما اشتعلت الثورة قبل ما يزيد قليلاً على السنة. إلا أن بعض المكونات كانت موجودة: كانت هناك كوادر من الشباب في العديد من المدن السورية، الذين قاموا بأعمال عامة مثل أعمال تنظيف الأحياء، على رغم أن ذلك أثار انتباهاً غير مرغوب به تجاههم.
وكما هو الأمر في كثير من الحالات، يحقق اللاعنف أفضل أعماله عندما تكون على علم بما تفعله. ولكنك تحتاج كذلك الرغبة في المعاناة من دون مرارة، أو أسوأ من ذلك إذا احتاج الأمر. وهذا أيضاً غير نادر في سورية اليوم.
خاطر بشر سعيد وكثيرون غيره ممن يشكلون أيام الحرية، وهي منظمة تشكّل مظلّة للثورة، خاطروا بحياتهم لتشجيع التغيير السياسي بأسلوب لا عنفي. يقوم الناشطون أنصار الديمقراطية في كل مدينة تقريباً في سورية بتمثيل المسرحيات وكتابة الأغاني وإطلاق بالونات مليئة بقطع الورق الصغيرة كُتب عليها كلمة «الحرية»، يتم نثرها عندما يُطلق الرصاص على البالون فتنتشر الرسالة.
طالما كانت المكونات، ومازالت موجودة للحشد المدني الذي يمكن أن يكون خلاقاً بل وأكثر رسوخاً، ما يمدّد فترات الإضراب والتوقف عن العمل التي أرسلت الرسالة بأنه يتوجب على الحكومة والمعارضة أن تتفاوضا وتجدا حلاً إلى الأمام.
تاريخياً، تنجح عمليات التمرّد اللاعنفية عندما يعترف المجتمع الدولي بها ويدعم النضال الشجاع للعاملين على الأرض. قامت منظمات مثل كتائب السلام العالمية وقوة السلام اللاعنفي، على سبيل المثال لا الحصر، بهذا النوع من صنع السلام المدني غير المسلّح بنجاح مثير للاهتمام والإعجاب على رغم محدوديته في أماكن مثل كولومبيا وجنوب السودان وسريلانكا، والتي تعاني من حالات مماثلة لحالة سورية. يتوجب علينا نحن المقيمون خارج سورية وننظر إلى الداخل أن نجعل من المعرفة باللاعنف أمراً اعتيادياً وأن ندعم المؤسسات، مثل صنع السلام المدني غير المسلّح، التي تمارسه.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3518 - الثلثاء 24 أبريل 2012م الموافق 03 جمادى الآخرة 1433هـ