أطلق الناس لقب المجنون على الحاج أحمد البالغ من العمر 50 عاماً بسبب فكرته بتحويل مزرعته إلى مركز عالمي لصناعة الثقافة من خلال زراعة أشجار باسم المشاهير في العلم والثقافة والأدب والفن.
وفكرة الحاج أحمد تتمحور حول دعوة مسئولين من مختلف أنحاء العالم، فمثلاً يدعو مسئولاً من اليونان لزراعة شجرة اسمها «فراولة أرسطو»، و«كنارة أفلاطون»، ومسئولاً من مصر لزراعة «لوزة طه حسين» وهكذا... لتشمل جميع أنحاء العالم.
وتحوّل الحاج أحمد مثلاً للسخرية ومادة للنكتة والضحك، بعد أن قام بإرسال رسائل للرؤساء ووزراء الثقافة والمشاهير في العالم يطلب منهم زيارة مزرعته البدائية، لزراعة الأشجار.
زار البلد صحافي بريطاني اسمه جون، كمحاضر في ورشة عمل لتدريب صحافيين، وكان المتدربون يصطحبونه في جولة لتعريفه بمعالم البلد بعد انتهاء الدرس، واصطحبه أحدهم إلى مزرعة الحاج أحمد من باب الضحك.
انفجر جون من الضحك حتى ابتلت ثيابه من الدموع، عندما التقى الحاج أحمد وسمع مواقفه وأحلامه، وعن مراسلته للرؤساء ووزراء الثقافة والمشاهير. وقال الحاج أحمد: «بما أن المسئولين في بلدك لم يلبوا دعوتي، أريد منك أن تتحمل المسئولية، وتزرع بيديك (رمانة شكسبير)»!
انتهت مهمة البريطاني جون، وعاد إلى بلاده، وبعد 6 سنوات عاد لتقديم دورة تدريبية، وأول ما هبطت الطائرة، فكّر بزيارة الحاج أحمد المضحك، فله ذكرياتٌ ممتعةٌ لا تنسى. وعندما دخل المزرعة والتقى الحاج أحمد ضحك واستمر في الضحك. قال الحاج أحمد: انظر إلى هذه الشجرة، هل تذكر عندما زرعتها قبل 6 سنوات». قال جون: هل هذه «رمانة شكسبير»؟ فأجابه: «نعم، لقد أثمرت 4 مرات، وبعت ثمرها، وما حصلت عليه من نقود قدّمته كدعم ومساعدة لأسرة فقيرة فقدت عائلها، والآن أكبر الأبناء في الثانوية، وهو يحلم بأن يصبح واحداً من كبار الفلاسفة في الأدب العربي والانجليزي». طلب جون أن يرى العائلة الفقيرة، فأخذه الحاج أحمد إلى بيت قديم جداً آيل للسقوط، منظره يوحي بفقر مدقع، وأوضاع يندى لها الجبين.
تحدّث جون إلى الابن الأكبر الذي يدرس في الثانوية، فتعجّب من الطموح والإرادة والتفاؤل والأمل والإصرار على تغيير الحياة، وحلمه بأن يصبح واحداً من كبار فلاسفة الأدب العربي والانجليزي. دمعت عينا جون، وقال في نفسه: نحن نضحك من الحاج أحمد وفكرته، لكن الآن اتضح لي أن ما يقوم به شيء عظيم.
بعد سنتين، صدر قرارٌ بإقامة شارع عام يقطع مزرعة الحاج أحمد إلى نصفين، ضمن مخطط لتحويل التصنيف إلى منطقة تجارية، ورفض الحاج أحمد القرار، فضغط التجار وحرّكوا وسائل الاعلام لإيجاد رأي عام لإزالة المزرعة، ولم يقف أحد مع الحاج أحمد، لأن الناس ينظرون إليه على أنه مجنون، وتعالت الأصوات لإزالة المزرعة.
وقف الحاج أحمد أمام مزرعته بعمود من حديد ليوقف الجرّافات والشاحنات، وقال: «والله لن تقلع المزرعة إلا على جثتي». ولأنه متصلب في موقفه ومستعد لقتل كل من يتقدم، اضطرت الشرطة إلى استخدام القوة، وأدى ذلك إلى إصابته بجروح، وسال الدم من رأسه على شيبته، وتم تقييد يديه وهو يبكي ويقول: «إلهي أنا مظلوم وأؤمن بأنك لن تتركني وحيداً».
وتحرّكت الجرافات لاقتلاع المزرعة، وفجأةً في اللحظة الأخيرة، وإذا بمسئول غاضب ينزل من سيارةٍ تابعةٍ للوزارة جاءت لتستكشف المكان، ويأمرهم بالتوقف حالاً. وقال: «ماذا تفعلون؟»، وعندما رأى الحاج أحمد والدماء تسيل منه وسمع القصة، قال: «هذا ظلم، وكل من ساهم في ذلك سيحاسب، سأرفع التقرير للحكومة حالاً». وخاطب للحاج أحمد: «نريد أن نجهز المكان، وكل ما تحتاجه سنوفره لك، غداً صباحاً ملكة بريطانيا ستزور مزرعتك»؟.
ذهل الحاج أحمد وكأنه في حلم. لم يصدّق ما يسمع، وإذا بشخص يمد يديه إليه، انه الصحافي البريطاني جون، فسأله: «متى وصلت إلى هنا؟ فأجابه جون: «تم اختياري قبل 9 شهور لأكون مستشاراً إعلامياً لملكة بريطانيا، وبما أنها الآن في زيارةٍ لعدد من البلدان ومنها بلدك، أقنعتها بأن تزور مزرعتك لأحقق أمنيتك، ولهذا أنا اليوم موجود معك»؟
وصلت ملكة بريطانيا المزرعة، فرأت أنها بدائية وأن صاحبها إنسان بسيط، لكن الجلوس معه ممتع، فهو يملك كاريزما الابتسامة والضحك. واصطحب الحاج أحمد الملكة إلى «رمّانة شكسبير»، وقال لها إن ثمر هذه الشجرة يبيعه ليساعد به أسرة فقيرة، وابنها الأكبر يدرس الآن في بريطانيا تخصّص أدب انجليزي، وهو متفوق بامتياز. وطلب من الملكة أن تقطف الرمان معه ليأخذه ويبيعه، ليرسل الأموال إلى الأسرة وابنها، فقطفت معه الرمان. هنا قال لها: «أناشدك يا جلالة الملكة أن تزرعي (تفاحة نيوتن)، ومن ثمرها سوف أساعد الطلاب الفقراء ليصبحوا علماء مثل نيوتن».
في اليوم الثاني تحوّل الرأي العام 180 درجة، وتغيّر اسم المزرعة من مزرعة المجنون إلى مزرعة الثقافة والفن والأدب، وأن المزرعة تمثل ثروةً لا يمكن التفريط بها.
ملكة بريطانيا دائماً ما تتحدّث عن قصة الحاج أحمد أمام الملوك والملكات عندما يتبادلون الزيارات، لأنها ترى فيها الكثير من الحكم والعبر. وعندما يسمعون القصة، يصيبهم نوع من الفضول، ويتساءلون في أنفسهم: ما هذه المزرعة البدائية التي تجعل ملكة تتحدث عنها باحترام وتقدير كبير؟
أعجبت الفكرة الملوك الآخرون، فبدأوا عندما ينوون زيارة البلد، يضعون ضمن برنامجهم زيارة مزرعة الحاج أحمد. ونتيجة الزخم الإعلامي بدأ وزراء الثقافة والمشاهير بزيارة المزرعة أيضاً، وتحوّلت إلى رمز للتفاخر والتباهي بين أساتذة وطلبة الجامعات. أحد الاساتذة يقول: «لقد أكلت (رمانة شكسبير)». وآخر يقول «أكلت (موزة الجاحظ)»، وطالبٌ يتفاخر أمام زميلاته بالقول: «لقد أكلت (برتقالة أينشتاين)».
وتم تسجيل المزرعة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، وتحوّلت المنطقة المحيطة بالمزرعة إلى مركز عالمي للشركات العلمية والثقافة والنشر والطباعة، وتطوّرت مراكز السينما والمسرح وغيرها، ما ولّد آلاف الوظائف للعاطلين عن العمل.
ونتيجة لتواجد الشركات العالمية تمت إضافة قطاع الثقافة في البورصة لتداول أسهم الشركات. وما لم يكن يصدق أن القطاع الثقافة أصبح يساهم بنسبة 8 في المئة من الناتج المحلي.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 3517 - الإثنين 23 أبريل 2012م الموافق 02 جمادى الآخرة 1433هـ
معجب جديد
بصراحة هذه أول مرة أعلق على عمود ما في صحيفة الوسط، مع كل التقدير والحب لكتاب الوسط الغراء، وللسيد قاسم الذي احرص دائماً على قراءة مقالاته الرائعة.
لكن اسلوب "المغني" لفت انتباهي وأنا أتابعه منذ فترة، فتحية للكاتب الذي يرسم لوحة الشروق في خضم العاصفة، ويعزف أجمل الألحان وسط صخب وضجيج يصم الآذان دويه.
سلمت تلك الأقلام التي توقظ فينا أحاسيس متبلدة وتعدنا بمستقبل مشرق رغم ضبابية الأفق.
فمهت من القصة
أن لا تيأس مها تعقدت الأمور...فأن الله سيسبب لك أسباب النجاح حتى آخر لحظة...كادت مزرعة الحاج احمد أن تدمر وتقتلع، ولكن في آخر لحظة جاء الفرج....
فكرة الكاتب
فكرة الكاتب أن النجاح متنوع، وهناك نجاح مبهر، يقوم على أشياء بسيطة، تستهزء بها الناس.
لكن ما أن تحصل الفكرة على الأضواء تنطلق بقوة نحو النجاح.
مثل بيل غيتس مؤسسة شركة مايكرسوفت، في البداية كانت فكرته محل استهزاء، أم اليوم فهي واحدة من أكبر الشركات في العالم.