العدد 3515 - السبت 21 أبريل 2012م الموافق 30 جمادى الأولى 1433هـ

إيران وكعب أخيل

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وفقاً للميثولوجيا الإغريقية؛ فإن «أخيليس» أو «أخيل»، أمسكته أمه من كعبه وغطسته في مياه نهر سيتكس ليكون من الخالدين، إلا أن الكعب الذي أمسكته منه لم يغمره الماء فأصبح هذا الجزء نقطة ضعفه. وعندما نشبت حرب طروادة تمكن أخيل من تحقيق الانتصار على جيش طروادة، إلا أن أحد أمراء طروادة ويدعى باريس، عرف نقطة ضعف أخيل فصوّب سهمه نحو كعبه فسقط أرضاً، واستطاع باريس أن يجهز عليه.

معرفة نقاط القوة والضعف لدى الخصم أصبحت الآن نظرية تدرَّس في علم الإدارة، ويطلق عليها تحليل «سووت»، أي تحليل مكامن القوة والضعف والفرص والمخاطر.

الغرض من هذه المقدمة هو استخدام أدوات التحليل المتعارف عليها لإلقاء الضوء على جوانب محددة من قضية سياسية معينة. ولنبدأ قراءتنا بقضية هي في صلب وجوهر اهتماماتنا في هذه المنطقة الحساسة من العالم، ألا وهي الخلافات بين الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية من جانب، والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جانب آخر.

الظاهر للعيان هو أن البرنامج النووي الإيراني هو المسألة البارزة على سطح هذه الخلافات، إلا أن كثيراً من المحللين والخبراء يرون غير ذلك. فهذا الملف بحسب رأيهم ما هو إلا وسيلة لغاية، الهدف منها تقويض النظام السياسي في إيران بسبب التباينات الكبيرة في مواقفه السياسية مع الغرب حيال أمور عدة، منها داخلية وأخرى خارجية، من أبرزها الصراع على النفوذ في هذه المنطقة الغنية بالنفط والمبتلاة بصراع عربي إسرائيلي مزمن.

ولغرض حسم هذا الصراع؛ تبلورت وجهتا نظر مختلفتان، إحداهما اسرائيلية استعرض تفاصيلها بعض الخبراء الإسرائيليين في أحد المؤتمرات الدولية، حيث شددت وجهة النظر هذه على أهمية الحسم العسكري، أملاً في أن يدفع هذا الأسلوب الشعب الإيراني لاستبدال نظامه السياسي بعد تلقيه ضربةً عسكريةً يعتبرها الشعب الإيراني ثمناً باهظاً لطموحات امتلاك طاقة نووية، وذلك على غرار تجارب مشابهة مع بعض الدول العربية. ومهما تكن صحة أو جدية هذا السيناريو؛ فقد تمكنت «إسرائيل» من تحقيق منافع جمة من خلال ابتزازها للإدارة الأميركية التي رفضت الانجرار نحو الفخ الإسرائيلي مقابل مساعدات عسكرية ومزيد من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران.

في مقابل وجهة النظر الإسرائيلية هذه؛ هناك وجهة نظر أميركية مغايرة، تعي المخاطر لأي عمل عسكري على اقتصادها المريض، في منطقةٍ هي بمثابة برميل بارود قابل لإشعال المنطقة والعالم بأسره على المحاور السياسية والاقتصادية والعسكرية. كما تعي الإدارة الأميركية تماماً مدى فاعلية السلاح الاقتصادي في زعزعة الأنظمة السياسية. فهي تمتلك خبرة واسعة وتجارب ناجحة في هذا المجال، مكّنتها من تفكيك أكبر امبراطورية عسكرية في التاريخ الحديث. وكل ما تطلَّبه هذا النجاح؛ هو مزيد من الصبر في توجيه الضربات الموجعة إلى مكامن الضعف في جسد العملاق السوفياتي، وذلك على غرار السهم القاتل الذي وجّهه الأمير باريس إلى كعب أخيل. فما هي نقاط الضعف التي تعوّل عليها الإدارة الأميركية لتغيير النظام السياسي في إيران؟

يرى تشالمرز جونسون، وهو أكاديمي ومستشار سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، أن تفكك الاتحاد السوفياتي حدث نتيجة تناقضات اقتصادية داخلية وجمود أيديولوجي وتمدد امبراطوري وعجز عن الإصلاح. إن سوء الإدارة والفساد وانخفاض معدل الإنتاجية والتضخم وارتفاع مستوى البطالة وانحدار مستوى المعيشة الناتج عن تآكل الأجور هي نتاج لسوء الإدارة. وتكتمل ملامح هذه الصورة؛ إذا ما صاحب ذلك قيود على الحرية الشخصية، وحرية التعبير، وتدخل الدولة في الحياة العامة للفرد. وهذه الأمراض هي نقطة الضعف التي يبحث عنها أي طرف في خصمه ليسدِّد له الضربات في موضع الألم. وإذا ما استعرضنا مدى توافر نقاط الضعف هذه في النظام الإيراني يمكننا استنتاج الآتي:

كما كان الاتحاد السوفياتي محصّناً من الناحية العسكرية؛ فقد تمكنت إيران من بناء منظومة دفاع رادعة ساعدها في ذلك توافر بيئة إقليمية حساسة أثبتت التجارب خطورة العبث بها. من هنا يمكن القول إن الجانب العسكري لا يشكّل نقطة الضعف المرغوبة. إلا أن المتتبع للحماس الأميركي لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران يدلل على النتائج الإيجابية التي تحقّقت في هذا الجانب كما توضحه الأرقام التي سنستعرضها في هذا المقال. كما تدلّل على ذلك تلك الشروط التي وضعتها إيران في مفاوضاتها مؤخراً مع دول 5+1 والمتمثلة في تخفيف العقوبات الاقتصادية.

من الواضح أن العقوبات الاقتصادية بدأت تؤتي ثمارها المتمثلة في ما يأتي:

- انخفاض قيمة العملة الإيرانية إلى النصف بسبب العقوبات المصرفية، ما يعني تآكل دخل الفرد وانخفاض مستوى معيشته بسبب التضخم الذي بلغ نسبة 21.5 في المئة في الشهر الماضي. وكلنا يدرك خطورة الفقر وانخفاض مستوى المعيشة على استقرار النظم السياسية.

- يعتبر النفط المصدر الرئيسي للدخل في إيران، ووفقاً لمصادر هيئة الطاقة الدولية؛ فقد انخفضت صادرات إيران النفطية من 3.8 ملايين برميل يوميّاً إلى 3.3 ملايين برميل. ومن المتوقع أن تنخفض إلى النصف في هذا الصيف. ما يعني مزيداً من التدهور في الأداء الاقتصادي. وهذا ما تبتغيه الإدارة الأميركية في هذه المرحلة من الصراع.

- البيروقراطية والمركزية هي الأم الحاضنة للفساد المالي والإداري. والمركزية والاقتصاد الموجّه في إيران جعل من الفساد معضلة لا يمكن السيطرة عليها. وتعتبر حادثة خصخصة بعض الشركات الحكومية ومن بينها شركة الحديد والصلب من أكبر فضائح الفساد المالي في إيران، وقد تورّط فيها مصرفيون ومسئولون كبار. وتقدر الأموال المختلسة بثلاثة مليارات دولار. من جهة أخرى فإن غياب التشريع اللازم للانفتاح الاقتصادي له تبعات سلبية على التنمية الاقتصادية. فكما أن ضعف وغياب التشريع يطلقان العنان لقوى الفساد؛ فإن المركزية لا توفّر الشفافية والرقابة الذاتية المطلوبة للتنمية الاقتصادية.

- البطالة هي نتاج طبيعي لضعف الأداء الاقتصادي. وفي إيران جاوز معدل البطالة 13.2 في المئة متركزاً في أوساط الشباب والنساء، وهي الشريحة الأخطر في المجتمع. وإذا ما استمرت نسبة البطالة في الارتفاع بسبب الحصار الاقتصادي؛ فإن ذلك يهيئ الوضع لمزيد من النقمة على النظام السياسي، ما يصب في صالح خطط تغييره.

- إن الوضع السياسي في أية دولة يصبح أكثر هشاشة إذا ما صاحب تردي الأوضاع الاقتصادية تضييقٌ على الحريات الفردية. وبهذا الخصوص؛ فإن إيران هي واحدةٌ من دول معدودة تفرض قيوداً على الحرية الشخصية بما فيها حرية اختيار الملبس للرجل والمرأة على حد سواء. مثل هذه السياسات غير المجدية، عوضاً عن كونها منبعاً للسخط من قبل شريحة واسعة في المجتمع؛ فإنها توفّر مادةً دسمةً يستثمرها الخصم لدعم خططه. فأدلجة السياسة تعني الخلط بين عامل متغير وآخر ثابت، وهذا الجمود الأيديولوجي الكابح للإصلاح لا يستقيم في عالم السياسة كما أثبتته التجارب العالمية.

- التهديد وسيلة لدفع الخصم للدخول في سباق تسلح ينهك اقتصاده الهش. وهذه السياسة الغربية هي أحد الأسباب لانهيار الاتحاد السوفياتي. وللغرض ذاته يكرّر الغرب لعب هذا الدور مع إيران.

إن المؤشرات المتبادلة مؤخراً بين إيران والغرب بشأن برنامجها النووي، يوحي بأن القيادة الإيرانية باتت أكثر إدراكاً لخطورة وضعها وما يخبئه المستقبل لها. ولربما ساعد في ذلك بروز عدة مؤشرات إقليمية منها ما يأتي:

- هشاشة النظام السوري حيث إن استمراره بتركيبته الحالية لن يدوم لفترة طويلة.

- إن الربيع العربي الذي اقتلع رموز الحكم في بعض الدول العربية لم يحدث تغييراً سياسيّاً جوهريّاً على الطريقة التي تتمناها إيران.

- إن القضية الفلسطينية وخصوصاً بعد مواقف قادة حماس من أحداث سورية، ربما عزّزت وجهة نظر الإصلاحيين في الداخل الإيراني حيال الموقف من هذه القضية العربية الإسلامية. وهذا هو القول الفصل في صراع الغرب مع إيران.

إن إعلان إحراز تقدم في مباحثات الملف الإيراني في تركيا قد يصحبه تقدم مماثل في المباحثات المقرر عقدها في العراق. جميع هذه المؤشرات توحي بأن إيران الإسلامية ربما أيقنت بأن أميركا والغرب قد عرف موقع كعب أخيل؛ فأصبح حسم الأمر مسألة وقت يكسب رهانه صاحب النَّفس الطويل.

إن لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أوراقاً ثمينة حان الوقت لاستخدامها للخروج من حلبة صراع خطيرة؛ تقوض من طموحاتها الأقتصادية وتحدُّ من تطلعات شعوبها وشعوب هذه المنطقة إلى حياة مستقرة كريمة. فوجود إيران ديمقراطية ومتصالحة مع العالم يمكن أن يوفّر نموذجاً صالحاً تقتدي به جميع شعوب المنطقة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3515 - السبت 21 أبريل 2012م الموافق 30 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:51 م

      عامل الانغلاق عن المجتمع الدولي

      لا اعلم الكثير عن كوريا الشمالية لكنها بعزلها شعبها عن المحيط الخارجي و تعزيز القبضة الحديدية المركزية في جميع مفاصل الدولة
      لا زال النظام يفرض سيطرته
      بالنسبة لإيران فلن يتغير الوضع في المستقبل المنظور خصوصا بعد هجوم عسكري غير حاسم حينها حتغلق الأبواب و ربما يحصل ما يغشاه الغرب و هو امتلاك القنبلة حينها يصعب ابتزازه و الأدبي موقع اسرائيل من ناحية الردع النووي

    • زائر 3 | 2:49 ص

      لم تشر الى

      لم تشر الى نقاط القوة والضعف لدى الفريقين


      كما ان التحليل اعتمد على ما ينشر ويقال وانت تعلم ما ينشر في الغالب ليس هو الحقيقة بل في كثير من الاحوال للتمويه والتشويه وهذا لا يمكن الاعتماد عليه والبناء عليه

      أرجو رسم صوة كاملة لا مبتورة

اقرأ ايضاً