كثيرون منا لم يقرروا مواجهة آلامهم يوماً؛ خوفاً من الاصطدام بحجم الفجيعة ومقدار هذا الألم الحقيقي.
نهرب من أنفسنا أحياناً قبل هروبنا من غيرنا حين يتعلق الأمر بالألم الداخلي الذي قد يعرف عنه الآخر أكثر ما نعرف، وما إن نفتح شرفة البوح حتى نشهق لشدة الألم أو لحجم استغفال الخوف عقولنا حين يكون الألم لا يشكل سوى ربع ما تخيلنا أو أقل.
كثيرة هي القصص التي تشكل هذه الصدمة / الفرحة / الخذلان، وهي اكتشاف أننا كنا رهائن خوف لا محل له من الواقع، خوف أفقدنا الكثير من الاستمتاع بلحظات الفرح، أفقدنا الاستمتاع بجمال الواقع حتى وإن بدا في كثير من لحظاته مؤلماً.
ما يسببه الخوف من مواجهة الألم هو أضعاف ما يسببه ذلك الألم/ المبتدأ، وكلما تراكم هذا الخوف ممزوجاً بالشعور بعظمة الألم كلما كان التخلص منه أصعب.
في حديثها عن «الصحوة إلى نموذج من الحب» وهو أحد المواضيع التي طرحت للنقاش في المؤتمر العالمي الثاني للتأمل وتعزيز الذات الذي يختتم جلساته اليوم، تقول كارولين وارد: يجب أن تحب نفسك أولاً كي تحب الآخرين، ولكي تعيش في عالم من التسامح واجه آلامك ومخاوفك لتحقق سلامك الداخلي الذي سيقودك إلى تحقيق السلام مع الآخرين.
أوصتني «وارد» في حديثنا الخاص بعد الجلسة، أن أكتب كل مخاوفي وآلامي كحوار، وحين سألتها عن ألم الفقد وهو الألم ذاته الذي عانت منه في بداية حياتها، إذ فقدت حبيبها بعد أربعة أشهر من معرفتهم بمرضه بالسرطان، قالت إن الطريقة الأولى للتخلص منه هو كتابة حوار مع الحب، يتقمص خلاله المرء الذي يشعر بالفقد دور الحب تارة ويكون نفسه تارة أخرى ليكون حواراً صادقاً يكتشف من خلاله نفسه ومشاعره أكثر، وقد جربتُ هذه الطريقة بالفعل فوجدتها حلاً ممتعاً وبه كثير من تهدئة الروح والمكاشفة مع المخاوف والأسرار التي نهرب من بوحها حتى لأنفسنا، واضعة بعين اعتباري المقولة التي تحذر: «من يفكر في النسيان يتذكر».
أنت بحاجة لإيقاظ قواك الكامنة كي تواجه نفسك، لكي تكون هذه المواجهة طريقك لمواجهة غيرك. وكلما كنت قادراً على أن تخطو أولى خطواتك نحو أعماق ذاتك كلما شعرت بأن ما تمر به من ظروف ما هو إلا حَدَث آنيّ لن يجعلك تنغمس في أحداثه لتنسى واقعاً ملوناً سيحمل لك الأجمل دائماً.
ومضة:
«من أصلح نفسه قد أدى بذلك دوره كاملاً في إصلاح من حوله»
نورمان دوجلاس
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3514 - الجمعة 20 أبريل 2012م الموافق 28 جمادى الأولى 1433هـ