العدد 3513 - الخميس 19 أبريل 2012م الموافق 27 جمادى الأولى 1433هـ

بعد مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري»: سؤال المصير

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

لا يبدو ما تمخض من مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري» الذي انعقد في تونس 24 فبراير/ شباط 2012 أمراً جديداً على الشعب السوري، فما قرأناه في البيان الختامي للمؤتمر سبق، وقرأناه في الصحف وسمعنا من خلال الإعلام المرئي والمسموع. لبّ البيان هو التمسك بالمبادرة العربيّة من قبل المؤتمرين!

أما فعلياً فإنّ مؤتمر أصدقاء الشعب السوري هو العمل على خلق – كما أشارت راغدة درغام (صحافيّة من صحيفة «الحياة») – استراتيجية تنسيق وتوزيع الأدوار لتنفيذ ما يتفق عليه المشاركون وهو: نزع الشرعية عن نظام بشار الأسد ثنائياً، ورفضه إقليمياً، وملاحقته دولياً… هذه الأهداف تتطلب استراتيجيّة تنفيذيّة وليس فقط سياسيّة ما يعني أن تسليح المعارضة سيكون في صدارة ما يتم توزيع الأدوار في شأنه...

وهذا تنبؤ صار منطقيّاً أكثر بعد أن تعزز التحالف الخليجي – الغربي الذي اتخذ قراراً لا رجعة فيه وهو عدم ترك الملف السوري لروسيا.

ولا نستغرب أن قدر السوريين أن يكونوا الشغل الشاغل لدى السياسات الإقليمية والدوليّة، ويبدو أنه كلما تأخر النظام في الاعتراف بالوقائع التي فرضتها الانتفاضة أو الثورة، كلما انزلق نحو سياسات وآفاق أشد قسوة من كل ما سبقتها.

ثمّة من يرى أنه لو قبل النظام بما تريده المعارضة في بداية الحوادث لما وصلنا إلى حالة المزاد العلنيّ والصراع الدوليّ على سورية، كما نحن عليه اليوم، لو أقدم النظام على البدء بالإصلاح السياسيّ قبل الحديث عن أمر آخر، وعزف عن اعتماده المفرط على الحلول الأمنيّة، لم نكن لنعيش المآسي الأليمة مثلما نعيشها اليوم، وحتى قبل أشهر قليلة، لو فكرّ النظام قليلاً واعتمد قبول المبادرة العربيّة الأولى بتواضع وقيّمها كصيغة للخروج من الأزمة، لكانت سورية الآن تعيش في حالة من العمليّة السياسيّة والديمقراطيّة المتقدمة، ولكانت قد قطعت الطريق أمام التدخل الدوليّ سواء كان إنسانياً أو عسكرياً، ولكنّا تركنا المجتمع الدولي للتنافس على مناطق النفوذ الأخرى، وتالياً لم تكن قضيتنا (قضيّة الشعب والثورة) أمام المجتمع الدوليّ وصراعاته على مناطق النفوذ.

النظام هو من يتحمّل مسئوليّة الأزمة المتفاقمة. حيث كان بوسعه منع البلد من أي انزلاق، لكن، وعلى رغم ذلك، فإنّ هذا النظام الذي ما انفك يعاني من الفلتان وعدم السيطرة على البلد مازال يتكبّر على الاعتراف بالأزمة الوطنيّة المتفاقمة، فالغطاء الدوليّ (إنسانياً) أرحم من التدخل العسكري، والخيار الوطنيّ للحلّ كان أفضل من كل الخيارات إلا أن النظام كان دائماً يريد أن يحلّ الأزمة وفق منطقه، وبالتشاور على من يدعيّ أنه معارضة مع أنّه لا يحلّ ولا يربط في الشارع المنتفض. بمعنى آخر، أراد النظام أن يقدم صورة بديلة للمعارضة الحقّيقية، وجلب معارضة على مقاسه ومتطابقة مع أمزجته، حتى تكون قادرة على الحفاظ على أجندة النظام، وعوامله، فكان النظام يقفز على المثقفين والنخبة، ويتجه لتجميل صورة العشيرة بعد أكثر من 49 عاماً على «الثورة» ظناً منه أنّه ربما يكون الحلّ بيد شيوخ العشائر، تماماً مثلما فعل عندما سد أذنيه في فترة «ربيع دمشق» وواجه خطاب «إعلان دمشق» بكل الوسائل، ولم يقف في حدود المواجهة النظريّة بل تجاوزها إلى المواجهة العملية وزج قيادة «إعلان دمشق» في السجن، وسرعان ما صار هذا الخطاب التحدوي عبئاً على السوريين جميعاً، الأمر الذي أوصل البلاد والعباد إلى هذه المزالق.

من دون شك، لم تكن روسيا والصين حريصتين على سورية ونظامها وشعبها بقدر حرصهما على أنفسهما، وعلى مناطق نفوذهما من دون النظر إلى أي اعتبار آخر. ومن الواضح أنهما كانتا تبحثان عن تجديد مركز تواجدهما في سورية، وتالياً في الشرق الأوسط. وإلا لما كنّا أمام واقع جديد.

وفي هذه الحال، ليس من المبرر أن يفرح النظام كثيراً للموقف الذي اتخذه الروس والصينيون في مجلس الأمن، وخصوصاً أنّ الفيتو الروسي الصيني، وما أن اعتقد النظام أنّ الفيتو الروسي يحمي البلاد من التدخل العسكري ومن الانقسام، حتى انتقلت البلاد من حالة التعريب والتدويل الجزئي إلى حالة التدويل بشكل كامل لأن العالم غير عاجز عن البحث عن الخطط والوسائل الكثيرة للضغط على النظام، وفات الزمن ليقول العالم للسوريين: «حلّو مشاكلكم بأنفسكم». لعل عشرات التجارب تؤكد أن المجتمع الدولي مال باتجاه الثورة السورية، فإذا لم يكن من منطلق المسئوليّة الدولية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي فإن منطق علم الاجتماع السياسيّ يقول إن العالم (طبيعياً) يقف إلى جانب الثورات وليس إلى جانب الأنظمة مهما تكن صفات هذه الأنظمة!

هناك سبل وطرق شتى لإيجاد الحلول من قبل المجتمع الدوليّ للسوريين، ولعل عقد «مؤتمر أصدقاء للشعب السوريّ» أهم رسالة بعثها المجتمع الدولي للنظام السوريّ والروسي مفادها: أننا لن نتخلى عن الشعب السوري.

فإذا كان الفيتو الروسي الصيني خطوة إلى الأمام، بالنسبة للنظام، فإنّه خطوتان إلى الأمام (وليس الوراء، بالنسبة للثورة ومكوناتها)!

يقول المفكر اللبناني فواز طرابلسي في أحد مقالاته: تستطيع القوى الكبرى أن تحوك تسوية فوقية، ولكنها لن تستطيع وقف العملية الجذرية لتغيير النظام في سورية. ليس فقط لعجزه عن فهم النظام أزمته وتصوّر إمكان الترقيع أو حتى التغيير من داخله، وإنما أيضاً لرفضه الاعتراف بأن مطالب ذلك القسط من شعبه في الشوارع والساحات يؤشر إلى ما يمكن أن تكونه سورية الجديدة، سورية الشباب، أي سورية الاستقلال والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

والحال، إذا كان الفيتو الروسي الصيني أوقع بلادنا وسياساته في مزالق خطرة، فإنّ الآتي أكثر وطأة من كل ما سبق، وفي الوقت الذي كنّا نتخوّف من التدخل العسكري صرنا الآن أمام واقع خطر جداً. صرنا الآن نخاف من وجودنا كمجتمع سياسيّ، ونخاف على استقلاليّة قرارنا، وعلى التدابير التي ستتخذ من قبل شعبنا وعلى شعبنا.

إن الروس والصين بعدم قدرتهما على إدراك عواقب سياساتهما تجاه ثورات المنطقة العربيّة، أوقعتنا في فخ الصراعات، في الوقت الذي كانتا تطالبان بالتفكير والنقاش العميق مع المجتمع الدوليّ حول كيفية تكوين المبادرة الأخيرة التي عرضت على مجلس الأمن، وكيفيّة توظيفها وتحويلها إلى صيغة تخلص شعبنا ومجتمعاتنا السياسيّة من تدهور الأوضاع كانتا توقعان بلادنا في طريق يُصعب معه التنبؤ في مصيرنا.

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 3513 - الخميس 19 أبريل 2012م الموافق 27 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:08 م

      ابو منصور

      وقتل المتظاهرين . هل هي العصابات المسلحة . اضحكتني. ياليت ان تنظر من خميع الزوايا

    • زائر 1 | 3:20 ص

      شي من الإنصاف لا يضر

      لماذا لا تنصف في كتاباتك وتضفي شياً من الموضوعية والمحايدة ... انت تشاهد ما يحدث في سوريا من قنوات مشكوك في نزاهتها حيث انها ملك لأشخاص محسوبين على المحور الودود لإسرائيل و يتنفر من المحور الممانع اها كذا قنوات تتوقع منم الإنصاف يا أخي كن حكما يرى ويشاهد ويستمع الى كل الأطراف ..ان اول ماحدث في سوريا من قتل للمتظاهرين والشرطة لم يكن من النظام بل هو من العصابات المسلحة فكيف للنظام ان يقتل شعبة او يقتل افراد من الأمن هذا لا يصدقه عاقل ان النظام يقتل نفسه

اقرأ ايضاً