منذ أيام مرت الذكرى المئوية الأولى لغرق السفينة المشهورة «التايتنك»وبعض دول العالم احتفلت بهذه الذكرى الأليمة بطريقتها الخاصة، فمنهم من ذهب إلى موقع الحدث لرمي الورود ومنهم من قام ببناء مطعمٍ مشابه للمطعم الذي شهد آخر عشاء للضحايا، ومنهم من قدم وجبة العشاء المشابهة للوجبة الأخيرة، كل هذه التقليعات الغرض منها الإثارة وشد الانتباه.
هذه الأخبار السريعة الخاطفة حول الكارثة ومن عليها من جنسيات مختلفة أثارتني، فالأرقام التي تداولتها الصحف الغربية بأنه على متنها يوم الغرق أكثر من 200 عربي وجلهم من اللبنانيين لأنهم كانوا المهاجرين العرب الوحيدين في تلك الفترة.
الـ 200 لبناني ممن غرقوا إذا كان الرقم صحيحاً فأنهم من المهاجرين الذين تركوا ديارهم بحثاً عن حياة أفضل ومنهم بلا شك مصطافون كانوا على متنها.
الآن وبعد مرور مئة عام على هذه الحادثة شهد العالم آلاف الحوادث التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء وظلوا في طي النسيان.
هذا الرقم هو مدخل لهذا المقال الذي أعادني للتذكير بحجم الكارثة الحقيقية التي نعيشها نحن في العالم العربي، فلو قامت أية جهة رسمية بعمل استطلاع واستبيان عن رغبة الشباب العربي في الهجرة لخرجت الأرقام مدوية وبشكل خطير جداً.إن الشباب العربي وصل من اليأس لدرجة أنه بات لا يرى في حياته ولا في مسقبله أي بارقة أمل، فالأوضاع السياسية والاقتصادية وسوء توزيع الثروات حولت الشعوب العربية جمعاء إلى شعوب مهاجرة، فالأمر لم يعد من نصيب الأخوة اللبنانيين بل أصبحت كل الشعوب تنشد الهجرة والبحث عن الأمل في خارج ديارها.
حتى الربيع العربي وما جاء به من أنظمة جديدة لا تبعث على الأمل، فالثوار الذين جاءوا بالثورة من أجل تصحيح الأوضاع وبناء مستقبل أفضل لدولهم وإذا بهم فجأة يتحولون إلى مهمشين وغداً ربما إلى معتقلين أو مطلوبين لمنهجهم الفكري وأيدلوجيتهم المختلفة عن من وصلوا إلى الحكم.
والمؤلم حقاً إن تمثيلهم في البرلمانات الجديدة لا تتعدى إلا نسبة ضئيلة جداً قد لا تذكر فأي مستقبل يرون بعد كل هذه التضحيات عدا الهجرة والركوب على ظهر أي مركب قاصدين دار العم سام أو دار الخواجات.
الطامة الكبرى الآن إنه حتى الدول التي كانت في السابق على استعداد لاستقبال المهاجرين وأصحاب المهن المختلفة، باتت مصدرة للعقول وللأيدي العاملة وليست بحاجة لهم ولا لغيرهم.
إن العربي في الوقت الحاضر الذي ينشد الهجرة لن يكون في مقدوره ركوب باخرة عملاقة بحجم التايتنك ولا قارب ولا حتى «طشت».
إقرأ أيضا لـ "عمران الموسوي"العدد 3513 - الخميس 19 أبريل 2012م الموافق 27 جمادى الأولى 1433هـ
يرحم والديك
الله يرحم والديك