نعَت الأمة العربية منذ أيام قليلة فقيدها الراحل المناضل الجزائري أحمد بن بلة الذي توفي، رحمه الله، عن سنّ تناهز 96 سنة كانت حافلة بالأحداث والتجارب والمواقف التي تحتاج إلى بحوث وقراءات معمّقة للوقوف على حقيقة هذه الشخصية التاريخية المعاصرة.
أحمد بن بلة رجل بقامة قرن وأيّ قرن إنه القرن العشرين وفيه ما فيه من كبريات الأحداث العالمية والعربية كان هو أحد أبطالها... أحمد بن بلة ومئة سنة تقريبا انقسمت أرباعا فكانت مرحلة النضال والمنفى ثم مرحلة الرئاسة والسلطة فمرحلة السجن والقسوة ثم مرحلة الأمل والعودة.
انضم أحمد بن بلة إلى الحركة الوطنية باشتراكه في حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات والديمقراطية وذلك إثر أحداث مايو/ أيار 1945 وألقي عليه القبض سنة 1950 وحكم عليه بالسجن 7 سنوات لكنه استطاع الهروب سنة 1952 لتبدأ مرحلة النضال في المنفى حيث التحق في القاهرة برفاق النضال ليكون معهم الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني ثمّ سجنته الحكومة الفرنسية من 1954 إلى 1962.
في هذه المرحلة الأولى من تاريخه النضالي مثّل ابن بلة نموذج المناضل الشجاع صاحب المواقف المشرفة، خاض الثورة وناضل من أجل الاستقلال داخل الجزائر وخارجها وقال في هذا السياق: «أنا أفتخر بأنني أحد مناضلي جبهة التحرير الوطني التي كانت تتويجا للنضالات الجزائرية من الأمير عبدالقادر الجزائري مرورا بأولاد سيدي الشيخ والمقراني والشيخ الحدّاد وبومعزة بوزيان والزعاطشة... وهي سلسلة نضالات وانتفاضات شعبية متكاملة نابعة من قيمنا العربية والإسلامية، أنا أنطلق من هذه القيم مجتمعة».
وأطلق سراحه العام 1962 ليعود صحبة رفاق النضال والسجن وينتخبه الجزائريون أول رئيس للجمهورية في 15 سبتمبر/ أيلول 1963 ليدشن المرحلة الثانية من حياته السياسية فقد أسس بمعية رجال الثورة الجزائرية، وإن كانت العلاقة بينهم لا يعدمها الخلاف، قواعد الدولة الجزائرية الحديثة وحمل على عاتقه مسئولية البناء في أحلك ظروف عرفتها البلاد حيث تركتها فرنسا مخربة محطمة وقد قال بن بلة في هذا الصدد: «أنا الذي كونت الدولة الجزائرية بعد استرجاع السيادة الوطنية، وهذا شرف أفتخر به» ومن أهم إنجازاته على الصعيد الوطني تأميم الأراضي الزراعية التي لم تكن للجزائر وإنما على ملك الكولون - المستعمرين - وعملائهم فضلا عن تأميم البنوك والاعتماد على الذات في فترة لم يكن في أيدي الجزائر النفط والغاز كما انتهج سياسة خارجية فعالة تميزت بالتعاون مع دول تشبه في تجربتها الجزائر وخاصة مصر حيث قال احمد بن بلة: «أنا وفيّ لفكر جمال عبدالناصر لأنني أعتبره رجلا عظيما ساهم في دعم الثورة الجزائرية أكثر من أي شخص آخر في الوطن العربي الذي تحكمه أطراف متناقضة ومتباينة» كما كان حريصا على مدّ جسور التواصل مع الدول الاشتراكية بدءًا بموسكو ومرورًا بهافانا ووصولاً إلى بلغراد.
ومن مواقفه المشرفة التي تكشف عن طينته الأصيلة اعتباره العربية هي اللغة الوطنية الوحيدة أما البربرية فتدخل في حيّز التراث، وحين آخذه بعضهم بسعيه إلى محو الأمية بتدريس اللغة الفرنسية برر ذلك بكونه يفتقر لمعلمين لتدريس العربية ثم قام بن بلة بإحضار أعداد كبيرة من المدرسين العرب ليشرع في إعداد برنامج إصلاح شامل للتعليم وتنفيذه، فلقد كان يؤمن بعروبة الجزائر لكنه اصطدم بمجموعة كبيرة من العراقيل البيروقراطية التي كان يضعها في طريقهم سماسرة الثقافة الفرانكفونية فاختار الكثير من هؤلاء الأساتذة العرب العودة إلى بلادهم.
هكذا انتمى بن بلة إلى حقبة الزمن العربي المجيد، فنهاية الخمسينيات وبداية الستينيات هي مرحلة الأحلام القومية العربية بقيادة جمال عبدالناصر وهي أيضا مرحلة مؤتمر باندونغ وحلم الاستقلال عن القطبين الاشتراكي والرأسمالي وإنشاء طريق ثالث يجمع الأفارقة بالآسيويين انطلاقا من فكرة مالك بن نبي المفكر الجزائري.
لكنّ الرجل لم يُمنَح الوقت الكافي لينفذ برامجه ونعرف تطورات مواقفه السياسية حيث انقلب عليه هواري بومدين وعزل مجلس الثورة أحمد بن بلة ليدخل مرحلة السجن والقسوة مرحلة امتدت 15 سنة ظل خلالها معتقلاً سجيناً تحت الإقامة الجبرية في سجن يليق بالرؤساء في فيلا لم يخرج منها إلا بعد موت بومدين وتولى الشاذلي بن جديد رئاسة البلاد حيث أصدر عفوا عن أحمد بن بلة ليخرج سنة 1980 ولكن إلى منفى اختياري إلى المهجر من جديد.
وهناك عاوده الأمل والحنين إلى العمل السياسي فأسس الحركة من أجل الديمقراطية وعارض التوجهات السياسية الأحادية وطالب بحياة سياسية تعددية فيها احترام لحقوق الإنسان وظل كذلك حتى دخلت البلاد في مرحلة التنافسية الحزبية وشارك حزب بن بلة في انتخابات 1991 ولكن حزبه لم يحقق أي نجاح في تلك الانتخابات التي حكم عليها الجيش بالإعدام إثر فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية. وبقيت مواقف أحمد بن بلة راسخة القدم في الديمقراطية حيث عارض قرارات الرئيس ابن جديد بحل جبهة الإنقاذ ورحل مجددا إلى سويسرا ليطالب من جديد بالمصالحة الوطنية حتى تقعد كليا ولزم الفراش والبيت.
هكذا فقدت الجزائر رجلا سيبقى في ذاكرة الشعب الجزائري باعتباره «رمزا للثورة التحريرية المظفرة». بل إن أحمد بن بلة في رأي الكثيرين أسطورة ترحل، لكنها لا ترحل لتغيب، بل لتترك وراءها آثارا كبيرة في الجيل الجديد، لكي يتعلم منها الدرس والصبر والنضال وحب الوطن. إنه زعيم عربي وإنساني، قبل أن يكون زعيما ورجلا ثوريا جزائريا، فالفقيد لا يُعَدُّ جزءا من تاريخ الجزائر فحسب، باعتباره أول رئيس لها، بل يتعدى نضاله النطاق الوطني إلى القارة الإفريقية وأميركا اللاتينية والبشرية جمعاء». رحم الله الفقيد لقد كان رجلا بقامة قرن.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3510 - الإثنين 16 أبريل 2012م الموافق 25 جمادى الأولى 1433هـ
MERCI
Je te remercie et félicite pour cet excellent article, sauf que je trouve qu'il serait beaucoup mieux si tu as développé plus la partie qui parle des réalisations d’Ahmed Ben Bella, surtout dans des domaines comme le social juste pour donner la chance au lecteur non pas de connaitre ce héro mais aussi pour tirer des lessons.
Bonne continuation
رحمه الله كان صرحا وهوى
جيل من الزعماء الوطنيين مهما أخطأوا سيكتب التاريخ لهم مواقفهم العظيمة
زعماء وأقزام
انظر كيف يودع العالم بن بلة وانظر كيف كانت نهاية القذافي ومبارك وذاك التونسي بن على
رجل ودوله
من اكثر رؤساء البلدان العربيه الذى حظى بحب واحترام الأخرين
مقاله اكثر من رائعه فى حق الراحل الكريم
جمال الشريف
رحم الله الفقيد
نعزي أشقاءنا الجزائريين في مصابهم الجلل وإنا لله وإنا إليه راجعون