العدد 3509 - الأحد 15 أبريل 2012م الموافق 24 جمادى الأولى 1433هـ

الخائفون من التغيير في سورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كثيرون يُخطئون في النظر إلى التغيير داخل سورية. المقاومون اللبنانيون، يخشون من ضياع السَّند الإقليمي المجاور لهم. المقاومون الفلسطينيون، يخشون من تفكُّك ما تبقى لهم من أمل، في أن يكون هناك حزام جغرافي، يُسمَّى دول الطوق، يفتح لهم مجال القتال المسلح، في لحظة ما، حتى ولو كانت جبهته هامِدة ساكنة، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي.

الإيرانيون، يخشون من فقدانهم موضعًا مهمًا في الغرب الآسيوي، ملاصق لحليفهم العراقي، وجوارًا بديلاً لهم مع الأتراك من الجنوب، والأكثر، كونها بوابتهم الأساس للبنان، حيث مركز النفوذ الإيراني على خط التماس مع إسرائيل، واحدى البقع الجغرافية، التي تضم قومية كردية. الروس، يخشون أن تضيع من أيديهم نافذتهم في التزوُّد البحري لأساطيلهم، باتجاه البحر المتوسط، الذي حاربوا من أجله منذ نهاية القرن الثامن عشر ضد الدولة العثمانية.

العراق، يخشى أن يأتي الإسلاميون المتشددون إلى الحكم في دمشق، ويتم استغلال الحدود معه، لتمرير مقاتلي «القاعدة» وثوار الشمال الافريقي مرة أخرى إلى العراق، ويبدأ مشوار جديدٌ من الصراع ضد العملية السياسية. الأقليات بشتى أصنافها، سواء في الداخل السوري أو لبنان، تخشى أن يجعل منها التغيير، هنود حُمر جُددا، بعد الذي ذاقته في العراق بعد الاحتلال.

الطبقة التجارية في سورية، وبالتحديد داخل محافظة حلب، تخشى أن تتفكَّك شبكة مصالحها الصناعية، التي بنتها مع الحكم البعثي منذ حقبة حافظ الأسد، وأوصلتها إلى العمق التركي، وأسواق وسط أوروبا. وهي ترى، أن الدعم والتسهيلات الذي تحصل عليها من حكومة الأسد، هي بالأصل، جعلتها مواكِبة لحركة الحكم السياسي فيما خص الخارج.

إذاً، الهواجس في أغلبها ذات مصالح للآخرين وراء الحدود. لكن، لا نرى أحدًا منهم يتحدث عن مصالح السوريين أنفسهم، والذين لا يقل منسوب طموحهم، عن أيّ منسوب آخر للشعوب الناشدة للتغيير، والمطالبة بالحقوق والحريات، وسيادة القانون، وتداول السلطة. أيضًا، لا أحد يتحدث، أو يهتم بما سيحدث للإقليم العربي المتصل نزولاً باتجاه الجنوب، وغربًا صوب الشمال الافريقي (المتحوِّل أصلاً) لو تغيَّر الحكم البعثي في دمشق، وجاء نظام حكم ديمقراطي.

أبدأ من حيث انتهيت لأنه هو الزاوية في الحديث. فالتغييرات التي تجري في الدول عادة، لا ينحصر تأثيرها على الوضع الداخلي لها، وإنما يمتد ويتمدد باتجاه الخارج، وبالتحديد، في الدول التي تتمتع بقوة حضور إقليمي. هذه طبيعة منطقية، تتداخل فيها الجيوبولتيكيا، وقوة الأفكار الجديدة، وقدرة النموذج الجديد على عدم تكرار أخطاء الصورة الكربونية للأنظمة الزائلة، وبالتالي لا دخل لهامش القوة فيها بشكل جدي، أو على الأقل بشكل أساسي.

عندما وقعت ثورة العام 1917 في روسيا، كان ثلث العالَم يُحكم بأنظمة يسارية، بعد ثلاثين عامًا على اندلاع تلك الثورة، وقيام النظام الماركسي في موسكو. وعندما انهارت الكولونيالية الغربية، تأثرت أهم دول العالم العربي بذلك، سواء في مصر أو الجزائر أو تونس أو سورية والعراق. ورغم الفشل السياسي لها، أو لأنظمتها العسكرية، والجدل بشأن أدائها، فإن ذلك لا يعني عدم حدوثها.

مَنْ يُنكر على أوروبا، أن سنواتها الممتدة، ما بين العام 1789 والعام 1917 كانت تبنيها، على وهج تأثيرات الثورة الفرنسية نهاية القرن الثامن عشر. فعندما وقع التغيير السياسي في فرنسا، وأسقِطت الملكية، بدت التحولات السياسية، تأكل في كل أوروبا. ألمانيا، البرتغال، اسبانيا، بريطانيا، اليونان. بل وصل الأمر حتى إلى الهند، عندما بدأت حركة رام موهان روي وأميركا اللاتينية، والتي تحرَّرت بالكامل بعد العام 1808م. (راجع عصر الثورة لـ هوبزباوم).

أكثر من ذلك، فعندما قام الملك لويس السادس عشر، بدعم الثوار الأميركيين في العام 1776 نكاية بالإنجليز، تفاجأ أن المد الثوري قد وصلَ إلى قصره، عندما تم اقتحام سجن الباستيل في الرابع عشر من يوليو/ تموز من العام 1789 لتبدأ مرحلة جديدة في فرنسا بزوال العرش، ويلتقي الثوار الأميركيون (الذين ساعدهم الملك) والفرنسيون (خصومه في الداخل) على قاعدة التآزر والالتحام، ضد الإنجليز والملكية الرجعية في الأوان ذاتها، حيث كانت تلك نكسة كبيرة له.

خلاصة القول، هو ان التغيير في سورية، لا يجب أن يُنظر إليه على أنه فقدان للمصالح المتغايرة. الإيرانيون، الروس، العراقيون، اللبنانيون، الفلسطينيون، بل وحتى الدول الداعمة للتغيير في سورية. هذا الأمر يجب أن يعيه الجميع. فالتغيير في سورية إن حصل، سيكون لصالح الداخل السوري حتمًا، باستلام طبقة سياسية للحكم، ستكون، مماثلة إن لم تكن أطور من تلك الطبقة التي ناهضت الاستعمار الفرنسي في ذلك الأوان. وفي الوقت نفسه، لن يكون محدودًا ومحصورًا في الجغرافيا السورية قِطرِيًا، بل إنه سيصل إلى العمق العربي.

اليوم، مركز الشمال الافريقي قد تبدل بشكل شبه كامل. تونس، مصر وليبيا. وإذا ما تبدَّلت أحوال سورية أيضًا، سيعني أن هذا الحزام السياسي الجديد، لن يقف تأثيره في داخل ذلك المحيط فقط كما ذكرت، وإنما سيصل إلى أبعد مدى ممكن. وإذا كان البلشفيون، قد تسيَّدوا على ثلث العالم في بحر ثلاثة عقود، فإن تأثيرات التغيرات العربية ستكون أقل من ذلك بكثير.

وربما يرى البعض ما يجري في مصر من فوضى سياسية، أو في ليبيا الآن، من احتراب، وتقاتل بين القبائل الليبية، والثوار أمرًا سوداويًا، إلاَّ أن ذلك، لم يكون إلاَّ بمماثلة مع ما جرى لفرنسا، إبَّان فترة حكم اليعاقبة المتشددين بعد الثورة، وما صاحبه من اضطراب سياسي هائل، إلاَّ أن الأمور سارت باتجاه بناء الجمهورية الفرنسية، وفي الوقت نفسه تأثيرها العارم على المحيط القريب والبعيد للقارة الأوروبية، وهو ما سيتكرر في هذه المنطقة من العالم بالتأكيد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3509 - الأحد 15 أبريل 2012م الموافق 24 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:42 م

      مقال غير موفق .. مع فائق الإحترام

      عزيزي الأخ محمد ... حجر الزاوية في مقالك هو تغافل أو تجاهل حلفاء النظام في سوريا حقوق الشعب السوري المشروعة في الحرية و الديمقراطية و هذا مجانب للصواب تماما .. و ما نحن ببعيد عن تصريحات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي يرى مفتاح الحل في حوار مباشر بين النظام و المعارضة للمضي بالإصلاح قدما .. هذه النظرة مبنية على قراءة واعية لما يخطط لسوريا و هو تحويلها إلى دويلات طائفية متناحرة مما يعيد عصر الهيمنة الإسرائيلية و الإستعمارية للمنطقة
      المسألة أكبر بكثير من شعارات ترفع ..
      تحياتي

    • زائر 8 | 5:13 ص

      مقاله ممتازه ولكن ياليت قومي يفقهون

      مقال رائع ومنصف ويتكلم عن حق الشعب السوري في العيش بحريه وديمقراطيه ودون النظر او الالتفات الى مصالح او مصلحة الدول الاقليميه. عندما ينال الشعب السوري كامل حقوقه سوف يقرر مع من سيقف.

    • زائر 1 | 11:33 م

      نعم

      صحيح

اقرأ ايضاً