العدد 3508 - السبت 14 أبريل 2012م الموافق 23 جمادى الأولى 1433هـ

الأفغانيات يفضلن الموت أو الهروب على معاناة العنف الأسري

مرسال فتاة جميلة تبلغ 19 عاماً، وقد فرت من بيتها هرباً من زوجها المريض عقلياً. ومرسال مجرد واحدة من النساء والفتيات الأفغانيات اللاتي يعتبرن مجرمات وفقاً لقوانين البلاد «الأخلاقية». فالهروب من الزوج يعتبر «جريمة أخلاقية»، وتم سجن مئات النساء الأفغانيات بالفعل بموجبها، مع تعرض مئات أخريات لمصير مماثل.

فحسب ما قالته مرسال لوكالة «إنتر بريس سيرفس»: «أجبرت على الزواج من رجل مريض عقلياً عندما كان عمري 11 سنة. كنت ماأزال طفلة وليس لدي معلومات عن الجنس والزواج. وهربت لتوي من البيت لأن زوجة أبي الثانية كانت تضربني».

من الواضح أن ذكرى تلك السنوات المبكرة لا تزال ماثلة في ذهنها على الرغم من أنها تروي حياتها من ملجأ للنساء في كابول، بعيداً عن بيتها القديم.

وتضيف مرسال، «ماتت أمي عندما كان عمري سنة واحدة، ومنذ ذلك الوقت وحياتي جحيم، ولهذا السبب جئت لهذا المأوى منذ تسع سنوات. وبعد ذلك بعام، جاء والدي وأجبرني على الذهاب إلى ميدانشار للعيش مع ابنة عمي. وبعد شهر تزوجت».

وتقول «لأن زوجي يعاني من مشاكل نفسية كثيرة، بدأ الناس يقولون إنني عاهرة. وفي إحدى الليالي بدأوا يهتفون أمام بيتي، لذلك غادرت بيتي وجئت إلى هنا منذ ثلاثة أيام».

مرسال ترتدي ثوباً مطرزاً بشكل جميل ووشاح لا يتناسب مع محيطها المتواضع. ولا يسع المرء إلا أن يفكر أن مرسال هربت بأثمن ممتلكاتها.

وهي الآن تقول إنها تريد الطلاق، ولكن لن يسهل الحصول عليه بدون موافقة زوجها، والذي تتغير حالته وفقاً لأوضاعه النفسية غير المستقرة وآراء من حوله. وبالرغم من كل شيء تقول إنها تريد الزواج مرة أخرى، وهذه المرة لرجل من كابول.

وتروي والدموع تفيض من عينيها، «في المدينة الرجال هم أفضل من رجال القرى».

العيش مع سوء المعاملة أو الموت، خيار أليم.

لا يوجد لدى النساء مثل مرسال الكثير من البدائل للزواج، لأن المرأة التي تعيش وحدها في أفغانستان تعتبر عاهرة حتى لو كانت تعمل بوظيفة أخرى.

ومن حسن الحظ أن الملجأ الذي تعيش فيه مرسال، تديره المساعدات الإنسانية لنساء وأطفال أفغانستان، وهي منظمة محلية غير حكومية، ويقدم دروساً في محو الأمية ودورات في الخياطة. وقد أصبحت اثنتان من نساء الملجأ من ضباط الشرطة.

وقبل سنتين، أوشك تشريع الدولة على إغلاق جميع الملاجئ الخاصة ووضعها تحت سيطرة الحكومة. ولكن الاحتجاجات الضخمة أدت إلى حل وسط مفاده أن الحكومة سوف تدير «الملاجئ المفتوحة» والمنظمات غير الحكومية تدير «المغلق» منها.

وحتى الآن لم تقم الحكومة بفتح أي ملاجئ تابعة لها، وبالتالي تواصل الوزارات والشرطة إرسال النساء المعرضات للخطر إلى المراكز التي تديرها المنظمات غير الحكومية.

وفي كابول لا يوجد سوى ثلاثة ملاجئ من هذا النوع ونحو 14 ملجأ في كل أفغانستان، وهي بالطبع لا تكفي لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من الناجيات من العنف الأسري.

من المؤلم أن نرى النساء وقد تحولن للتضحية بالنفس كوسيلة لتجنب العنف الأسري، فهن يفضلن الموت المؤلم والمروع على الاستمرار في حياة مليئة بالمعاناة الشديدة. وقد افتتح مستشفى الاستقلال في كابول قسماً خاصاً للمرضى الذين يعانوا من الحروق، وتبلغ نسبة النساء بينهن 90 في المئة. ومعظم هؤلاء الضحايا يمتن من شدة الحروق، وتظل الأقلية الضئيلة على قيد الحياة.

ويقول حرير، وهو طبيب في مستشفى الاستقلال، «مرضى الحروق ليسوا دائماً ضحايا التضحية بالنفس. ففي كثير من الأحيان يحرق الأزواج أو أهل الزوج النساء. لذلك يتوجب الآن إبلاغ الشرطة عن جميع مرضى الحروق حتى يمكن إجراء التحقيقات المناسبة.

وللأسف، فمعظم أفراد قوة الشرطة غير مجهزين للتعامل مع الشكاوى المتعلقة بالعنف الأسري المرفوعة التي ترفعها النساء، وأعربت النساء أنفسهن عن قلقهن من خطر التعرض للإغتصاب على أيدي الشرطة.

هذا وفي سعي لمعالجة الوضع، تجري منظمة المساعدات الإنسانية لنساء وأطفال أفغانستان التدريبات الهادفة لتوعية ضباط الشرطة «. لكن، رئيس المنظمة، سيلاي غفار، يقول لوكالة «إنتر بريس سيرفس»، إنه ليس من السهل تغيير الموروث الثقافي.

ويفيد غفار أيضاً أن جرائم الشرف لا تزال تشكل مشكلة كبيرة «ففي كثير من الحالات تكون مخفية من القبيلة أو المجتمع المحلي (ولا تقدم أبدا بشكل علني)، وتختفي الفتاة أو الامرأة تماماً».

ويضيف، «وفي حالات أخرى تتولى طالبان تنفيذ حكم الإعدام برجم الفتاة (حتى الموت)». وهناك أيضاً حالات تعذيب على نطاق واسع.

أما ماللاليا جويا، فهي ضحية لعنف الدولة رداً على حصولها على مقعد في مجلس اللوياغيرغا (مجلس الشيوخ) في منطقة فرح، فبعد أن ألقت كلمة ضد حركة «طالبان» الأفغانية، تعرضت جويا للضرب في حين هتف بعض أعضاء مجلس النواب مطالبين «باغتصابها». وقضيتها هي الآن مشهورة في جميع أنحاء البلاد.

فتقول لوكالة «إنتر بريس سيرفس»: «لقد تعرضت سارة غول للتعذيب من زوجها لأنها رفضت أن تصبح عاهرة».

وفي غضون ذلك، اشتهرت كلناز، 21 عاماً، مؤخراً بعد تقديمها شكوى لدى الشرطة في أعقاب تعرضها للاغتصاب من ابن عمها، وهو رجل بارز في المجتمع المحلي.

وبدلاً من إلقاء القبض على مرتكب الجريمة، أدانت الشرطة جولناز بتهمة الزنى. وكان البديل للحكم الصادر ضدها بالسجن لمدة ثلاث سنوات، هو الزواج من الرجل الذي اغتصبها، وهو البديل الذي رفضته كلناز.

هذا ويجري تحديد هذه «الجرائم الأخلاقية» عبر إجراء غير مشروع، وإنما يطبق على أساس مفاهيم دينية مبهمة.

ونتيجة لذلك، أصبح فرار النساء من المنزل «يستحق» حكماً بالسجن، ولو شجبن الاغتصاب لجرى وصفهن بأنهن زانيات، ويصبح رفضهن للزواج القسري جريمة.

وقد أصدر العلماء الأفغان (الزعماء الدينيين) مؤخراً بياناً يحد من حريات المرأة التي هي قليلة جداً بالفعل.

فعلى سبيل المثال، لا يسمح للمرأة بالتحدث مع رجل مجهول، ويؤذن للزوج أن يضرب زوجته إذا كانت لا تطيعه. ويدعم الرئيس الأفغاني حامد قرضاي هذا البيان، ومنع إصدار نسخة بيان العلماء باللغة الإنجليزية من موقع الحكومة الإلكتروني.

ومازال كل ذلك يحدث في أفغانستان تحت «سيطرة» المجتمع الدولي والقوات المسلحة المختلفة التي مازالت إلى حد كبير موجودة وعاملة هناك.

«بعد عشر سنوات من سقوط نظام طالبان، يزداد وضع المرأة سوءاً يوماً بعد يوم»، كما تقول بلقيس روشان لوكالة «إنتر بريس سيرفس»، وهي عضوة مجلس الشيوخ المطلعة علي الأوضاع السيئة التي تعاني منها النساء في منطقتها (فرح).

وتضيف: «غالبية أعضاء مجلس الشيوخ هم من أمراء الحرب والأصوليين الدينيين، ولذلك فمن الصعب جداً اتخاذ مواقف مؤيدة لحقوق المرأة. وعلى أقل تقدير، يمكنني أن أثير هذه المسألة وأكون صوت النساء في أفغانستان».

العدد 3508 - السبت 14 أبريل 2012م الموافق 23 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً