تميزت قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في 24 ديسمبر/ كانون الاول 2011 الماضي، بطرح مقترح بشكل مفاجئ لإقامة الاتحاد الخليجي، لتجاوز صيغة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي أنشئ في مايو/أيار 1981، وذلك بحجة الأخطار التي تتهدّد دول المجلس، مع انتقاد بطء مسيرة مجلس التعاون الخليجي.
الملاحظ في هذه الدعوة أن الموضوع لم يكن مطروحاً على جدول أعمال القمة، وأن الموضوع كان مفاجئاً للكثيرين. وليس من المتوقع أن يختلف مصير مقترح الاتحاد الخليجي عن سابقه الذي طرح في قمة المجلس الطارئة في مايو 2011، بضمّ كل من المغرب والأردن إلى مجلس التعاون، وانتهى الأمر كما تعلمون لإنشاء صندوق لدعم التنمية في البلدين كنوع من المؤازرة والدعم.
قبل فترة اجتمع الخبراء من دول المجلس الست المكلفين بدراسة المشروع في مقر الأمانة العامة بالرياض، لكن مداولات اجتماع الخبراء أحيطت بالكتمان الشديد ولم يرشح عنها شيء، كما لم يصدر بيان بنتائجه. لكن مواقف دول المجلس متباينة جداً، حيث تتحمس دولتان للمشروع وعمدتا للترويج له رسمياً وإعلامياً، بينما لم تبد باقي الدول الأربع الأعضاء في المجلس أي حماس، ولن تدخل فيه بالتأكيد.
في بعض التصريحات الرسمية تمت الإشارة إلى أن الاتحاد لن يكون مطية للتدخل في شئون الدول، وان المشروع الاتحادي لا يتعدى كونه وسيلةً تتيح لدول المجلس إمكانية العمل من خلال هيئات ومؤسسات فاعلة ومتفرغة، و«ان تطورات العمل المشترك وحاجتنا الملحة إلى مواجهة التحديات والمتغيرات المتسارعة يتطلب بالضرورة إيجاد كيان اتحادي أكثر تماسكاً».
ويرى المحللون السياسيون أن التحديات المشار إليها هي المترتبة على الربيع العربي، وما يتطلبه من تعاطٍ مع الثورات في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا، والعمل على احتواء رياح التغيير في الداخل. وخلال هذا الصراع جرى الترويج وبدرجات متفاوتة من الحماس، إلى اعتبار إيران بأنها الخطر الأول، وهي وراء إثارة الفتن والاضطرابات، مع التركيز على خطر البرنامج النووي الإيراني. وهو ما تستثمره إسرائيل أبشع استغلال لتبرير ضربة إسرائيلية محتملة ضد إيران.
أجهزة إعلام خليجية من فضائيات وصحف، استنفرت بدورها للترويج لمشروع الاتحاد الخليجي بكل أبعاده، وربطه بالخطر الداهم، والتشكيك في وطنية ونزاهة كل من يعارضه أو يتحفظ عليه أو يناقش الفكرة علمياً وعملياً.
في البحرين كان هناك تأييد وحماس لمشروع الاتحاد الخليجي أثناء وبعد القمة، وقد رحب وزير الخارجية بالمشروع وانتقد من يشكّكون فيه. وسارت باقي مؤسسات الدولة في الاتجاه ذاته وبحماس شديد، كما دعت لجنة الخارجية والدفاع والأمن النيابية في جلستها بتاريخ 19 مارس/ آذار 2011 إلى الإسراع للاتحاد الخليجي. أما لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى، فقد أصدرت بياناً دعمت فيه مشروع الاتحاد، وأكدت أن البرلمان الخليجي المرتقب سيلعب دوراً حيوياً في الاتحاد الخليجي.
وقد سرى حماس حار لدعم مشروع الاتحاد الخليجي إلى عدد من الجمعيات السياسية القريبة من دائرة السلطة، وأصدرت بيانات تأييد حماسية لمشروع الاتحاد وهاجمت بعنف من يطرحون اشتراطات على قيامه.
وبالمقابل فإن قوى المعارضة المؤتلفة الخمس (الوفاق، وعد، القومي، الإخاء، التجمع) إضافة إلى العمل الإسلامي والتقدمي أيدت مشروع الاتحاد الخليجي كهدف، لكنها اشترطت أن يكون محتواه ديمقراطياً، وأن يتم إقراره من خلال استفتاءات شعبية في الدول الأعضاء. ومن الواضح ان سجالاً محتدماً في البحرين تشترك فيه القوى السياسية والنخب الثقافية على مشروع الاتحاد الخليجي. أما بالنسبة للدول الأربع الأخرى بمجلس التعاون، فلم تبد حماساً لمشروع الاتحاد الخليجي، ولكل دوافعه في ذلك.
من ناحية الكويت، من المعروف أن الكويت تتمتع تاريخياً باستقلالية عن جيرانها في إدارة شئونها الداخلية وسياستها الخارجية، وتتمتع بتجربة ديمقراطية مختلفة. لذا فقد كان أحمد السعدون واضحاً في تأكيده أن الكويت لن تدخل في اتحاد خليجي، لأن الأوضاع متباينة جداً فيما بين دوله. وأن الكويت وما تتمتع به من مؤسسات ديمقراطية ودستور، لا تتمتع به دول أخرى، مطلوب منها أن تشكل معها كياناً واحداً. ونوه إلى أن الكويت لم توقع على الاتفاقية الأمنية المشتركة لمجلس التعاون للأسباب ذاتها.
بالنسبة إلى قطر، يُنظر إليها على أنها قوة اقتصادية وسياسية وإعلامية صاعدة في الخليج، وينظر إليها كمنافسة للآخرين. أما الإمارات، فهي كيانٌ اتحادي مركب، ولذا فاتخاذ قرار بالانضمام لاتحاد خليجي يحتاج الى قرار مشترك يأخذ بعين الإعتبار بعض القضايا. كما سبق للإمارات أن انسحبت من مشروع العملة الخليجية الموحدة،، لذلك فالإمارات من المحتمل ان لا تنضم للاتحاد المقترح.
من ناحية سلطنة عُمان فترى لنفسها عمقاً جغرافياً مختلفاً عن باقي دول الخليج. كما أن لها سياستها الخارجية المختلفة تجاه إيران في ضوء مشاطأتهما لمضيق هرمز الاستراتيجي، ولذلك من غير المتوقع انضمامها لمشروع الاتحاد. وقد صرح وزير الدولة للشئون الخارجية يوسف علوي عبدالله في مقابلته مع «الشرق الأوسط» أن مثل هذا الإتحاد «لن يتحقق في جيلنا الحالي».
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3505 - الأربعاء 11 أبريل 2012م الموافق 20 جمادى الأولى 1433هـ