وصف وزير الدولة للجاليات والحكم المحلي في المملكة المتحدة إريك بيكلز الشهر الماضي التعددية الثقافية على أنها «سياسة التفرقة». انتقد الوزير الإدارات السابقة في المملكة المتحدة لأنها سمحت للجاليات باتّباع حياة مختلفة وعدم تشجيع الانخراط في المجتمع والتكامل مع المجتمع البريطاني في التيار الرئيسي. وفي الوقت الذي تتصارع فيه المملكة المتحدة والدول الأوروبية مع كيف يمكنها جعل الأقليات تنخرط في المجتمع، بما فيها الأقليات المسلمة، قد يكون من المفيد النظر إلى كندا كنموذج ناجح.
تعتبر التعددية في كندا من قبل غالبية المجتمع سياسة حكومية ناجحة بالذات لأنها تشجّع، ضمن أمور أخرى، الوحدة الوطنية. تشجّع التعددية الثقافية في كندا في معظمها التماسك الاجتماعي من خلال وضع جميع الثقافات على مستوى واحد، فهي تقوم بإيجاد قيم مشتركة، مثل التسامح الذي يمكن التشارك به من قبل الأعضاء المختلفين في المجتمع، رغم حقيقة أن الكثير من المواطنين تعود أصولهم إلى أماكن عديدة وخلفيات دينية متباعدة. بمعنى آخر، يمكن تعريف التعددية الثقافية بأنها توجه يهدف إلى المساعدة في انخراط المهاجرين والأقليات، وإزالة المعوقات أمام مشاركتهم في الحياة الكندية وجعلهم يشعرون بترحيب أكبر في المجتمع الكندي، مما يؤدي إلى شعور أقوى بالانتماء والعزة الوطنية.
بدلاً من الوقوف في الهوامش، تملك الجالية المسلمة بشكل عام موقفاً اجتماعياً اقتصادياً عالياً، فمساهمتها في المجتمع بعيدة المدى، وظاهرة في حضورها النشط في العديد من القطاعات، بما فيها السياسة وقطاع الضيافة والرعاية الصحية والإعلام.
جرى تبنّي التعددية الثقافية كسياسة رسمية العام 1971، وهي ترتكز على الاحترام المتبادل بين الكنديين من كافة الخلفيات، ويوفر مجالاً واسعاً من التشريعات الدعم للسياسة. وتنعكس التعددية الثقافية في ميثاق الحقوق والحريات الكندية، التي يضمن الحقوق المدنية، بما فيها حرية الدين. إضافة إلى ذلك، يهدف قانون التعددية الثقافية إلى الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي للمجتمع الكندي، وفي الوقت نفسه دعم الفكرة بأن التعددية الثقافية بحد ذاتها هي ميزة أساسية للتراث والهوية الكنديين.
يمكن رؤية كيف يترجم ذلك إلى سياسات فعلية من خلال الأساليب المتعددة التي يستوعب فيها الكنديون مواطنيهم المسلمين.على سبيل المثال، يُسمَح بعقد صلاة المسلمين في المدارس الحكومية تحت إشراف المجالس المدرسية المحلية، كما يسمح بلبس النقاب في الأماكن العامة (ولكن ليس أثناء مراسم الجنسية عندما يتوجب على المرأة إلقاء القسم للحصول على جنسيتها الكندية)، كما يمكن الحصول على اللحم الحلال من متاجر الغذاء الكندية.
عنت عملية مأسسة التعددية الثقافية أن هناك، في معظم الحالات، قبولاً صادقاً وحقيقياً لجميع الثقافات في المجتمع على أسس متساوية، دون خوف من أن يُضعِف استيعاب الثقافات المختلفة القوانين الكندية أو المؤسسات الكندية أو طابع الدولة. ومما يشهد على ذلك عدد من الاستطلاعات التي أجريت بين العامين 2006 و2007 والتي تظهر أنه مقارنة بدول أخرى، تأثّرت كندا بشكل أقل بالحراك العالمي في المشاعر المضادة للمسلمين وبالاستقطاب الذي نتج عن ذلك في العلاقات العرقية. وحسب استطلاع أجرته العام 2006 مؤسسة «فوكاس» (Focus) الكندية، فإن 83 في المئة من الكنديين يوافقون على أن المسلمين يحققون مساهمة إيجابية في كندا. وتكشف استطلاعات عالمية أن المسلمين في كندا أقل احتمالاً من المسلمين في الدول الأخرى لأن يظنوا أن مواطنيهم يشعرون بالعداء تجاههم. لم تكن هذه السياسة بدون انتقادات، وخاصة في مقاطعة كويبك، حيث انتقد السياسيون بشدة «عقيدة التعددية الثقافية الكندية»، مطالبين بِـ «انخراط» المهاجرين في ثقافة كويبك الفرانكوفونية. ولكن ذلك يتعارض مع سياسة الانخراط والتكامل الفيدرالية، التي تعرّف الانخراط من حيث الثقافة الوطنية وليس المحلية.
ومن بين أفضل الأمثلة لانخراط الجالية المسلمة في المجتمع الكندي الانتخاب الناجح لأول عمدة كندي مسلم في واحدة من أكثر المدن الكندية المحافظة، وهي مدينة كالغاري.
تستحق كندا سُمعتها بكونها مجتمعاً شمولياً يحتفل بالتعددية. ورغم أن ذلك ليس نظاماً كاملاً ومثالياً، تعني التعددية الثقافية التي تشجعها كندا اعتناق ثقافات أخرى، وفي الوقت نفسه الالتزام بقوانين الدولة وسياساتها. وبينما تكافح المملكة المتحدة والدول الأوروبية لإشراك وتكامل الأقليات من سكانها، من الحكمة لها النظر إلى هذا النموذج والتفكير بتبني سياسات تحقق هذا التوازن لصالح الشمولية.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3505 - الأربعاء 11 أبريل 2012م الموافق 20 جمادى الأولى 1433هـ