هناك قول مأثور يقول «لا تعجب إنْ رأيت منكراً من أمة غير تواقة للفضائل، أو من ولي أمرٍ غير متقٍ». وهذا القول المأثور يحمل العديد من المعارف ويضع الكثير من المبادئ الإنسانية والاجتماعية.
و«الولي» في اللغة اسم شامل لكل مَنْ وَلِيَ أمراً أو قام به، كصاحب العمل مثلاً. وصاحبُ العمل قد يكون شخصاً طبيعيّاً وقد يكون شخصاً معنويّاً (اعتباريّاً). والشخصُ الاعتباري قد يكون مؤسسة أهلية، وقد يكون مرفقاً عاماً كالوزارة. وهذه الوزارة (الشخص الاعتباري) هي واحدة من أولياء الأمور التي نعنيها في هذا المقام.
أما التقوى (أو الاتقاء) فنقصد به التقوى من لدن أولياء الأمور، وله وجوه متعددة؛ أهمها اتقاء حَدَثٍ ما، وهذا لا يتأتى إلاّ بالخوف منه، كاتقاء حساب الضمير بعد صحوته من سُباته، واتقاء دعوة المظلوم التي لا تُردُّ، واتقاء اللهِ الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة.
والتقوى ليس لها حدود أو نطاق معين، إنما لها درجات أعظمها تقوى الله كما رأينا، فإن لم يتقِ اللهَ هذا الولي أو غيره فهذا يعني أنه لا يتقي أي شيء، ومن لا يتقي أي شيء فلا تعجب إنْ رأيت منه منكراً.
بعد كل ما تقدم؛ نخاطب أولياء الأمور بخطاب صريح من القلب هذه المرة ونأمل أن يدخُل القلب. ولكن قبل هذا الخطاب لا بد من الإشارة إلى أنه سبق القول منا في مقالٍ نُشر في صحيفة «الوسط» بعنوان «كفى إهانة بالمعلمين»، وكان قبله في الموضوع ذاته مقال آخر بعنوان: «هل نسيتم أن المُقدَّس لا يُهان»، وما قبل هذا وذاك كانت هناك الكثير من الخواطر والأطروحات القانونية التي لامست الموضوع ذاته والتي تفضَّلت بنشرها هذه الصحيفة المباركة، وكانت كلها مِداداً تُكمِّل بعضها بعضاً وتصور هذه المشكلة الانسانية والاجتماعية التي نحن بصددها الآن تصويراً دقيقاً.
وكنا على يقين بأن المعنيين قد فطنوا ما قِيل وما كُتب وتبينت لهم الحقيقة التي لم يواجهوها برأي أو أدلة داحضة، لكنهم استحسنوا سياسة «التطنيش» لأنها السبيل الوحيد لتوقي الرد وإظهار وجه الاستعلاء، أو ربما ليُثْبِتوا أن كلام الناس لا يزجِرهم، وأن القانون لا يقدَعهم، وأن الرفق بالناس لا يستسيغونه، وأن ما يصيب أتباعهم من نَصَبٍ بسبب غلاظِهم هو أمر لا يعنيهم، وليؤكدوا أنهم القادرون على فعل ما يشاؤون. أو ربما امتطى هذا الإنسان أو غيره ثقافة عدم الرِّفق ومنهج الغِلْظة مع فئة تلاقت الإرادات حولها على أن تنال هذه الفئة أسوأ التنكيل لأسباب لم تعُد خافية.
لذلك استوجب علينا أن نقف هذه المرة بكلام غير خَطِلٍ، ونوجه هذا الكلام خصيصاً إلى واحد من المعنيين، ونقول لشخصه الكريم بشكل مباشر:
أولاً - لك الحرية إنْ قُلت: إني عزيزٌ قويٌ مغتبطٌ بعلو المقام لا أجزع من اللوم، ولا يثنيني العتاب... فإذا كان لك أن تقول ذلك؛ فأهل الحق يقولون لك: «إن الدنيا غرورٌ حائِل، وسَرابٌ زائِل، وسِنادٌ مائِل».
ثانياً - لما كان، وعلى نحو ما أوضحنا في المقالات السابقة؛ أنَّ شذوذ عقابك وتأديبك لعمالك ومستخدميك المستهدفين من ذوي الفئة الواحدة، لم يكن له حدود ولا سدود، ولم يكن مبنيّاً على أصول، وبعد أن حَطَّ هذا العقاب على رؤوس المعلمين الذين لم تشفع لهم قدسيتهم وفضائلهم؛ أوضحنا آنذاك قدسيتهم وفضائلهم، غير أنك على ما يبدو كنت أسير الشموخ. ثم تمادى هذا العقاب لينال مؤخراً هامات الحراس الفقراء ذوي الرتب المتدنية لأسباب أقل أن يُقال عنها إنها واهية، وكأننا نقرأ من غيث هذا العقاب؛ أنك أقسمت ألاّ ينجو من هذه الفئة في عهدك ناجٍ. وهذه القراءة ليست من خيال عاطفي ولا من شخص طائفي بل هي والله الحقيقة، وهذه الحقيقة سنثبتها للقراء تباعاً، ونقبل أن يكون القراء بيننا حكماً... والكلام الآتي موجه إليهم:
فقد قرر مؤخراً «المسئول» المعني إيقاف العديد من الحراس في وقت واحد، وجاء في خطاباته الموجهة إليهم جميعاً وبالمضمون ذاته وبالحرف الواحد ما يأتي:
«بناء على نتائج التحقيق الذي أُجري معك من قبل اللجنة التأديبية المشكلة من قبل وزارة ... قد تبين ثبوت ما نسب إليك من مخالفات في فترة الأحداث المؤسفة التي حصلت في المملكة خلال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011 والتي صدرت نتائجه بتحويلك إلى مجلس تأديبي الذي من خلاله قد تصل عقوبته إلى الفصل من العمل. وأنه بناء على التوجيهات السامية من جلالة الملك المفدى قد قرر مجلس التأديب تخفيف الجزاء من الفصل من الخدمة إلى التوقيف عن العمل والراتب لمدة عشرة أيام فقط».
بعد النظر إلى مضمون هذا الخطاب على نحو ما تقدم؛ لنا حوله مرافعة نختصرها في بعض البنود ونترك البنود الأهم إلى مقال آخر قادم سنلقي فيه الضوء على أسباب ودواعي عقاب وتأديب هؤلاء الكادحين «الحراس». وفي هذه المرافعة نقول الآتي:
(1) إن الحراس المعنيين عمال لا يخضعون لأحكام قانون الخدمة المدنية حيث لا تنطبق عليهم أحكام المادة الأولى من هذا القانون، إنما - حيث هم مستثنون من أحكام قانون الخدمة المدنية - فهم يخضعون لأحكام قانون العمل في القطاع الأهلي منذ بداية تعاقدهم ولاتزال عقود عملهم قائمة على ذلك. وحيث كان الأمر ذلك؛ فإن إحالتهم إلى التحقيق أمام لجنة تأديبية حكومية وإلى مجلس تأديبي بمقتضى قواعد وإجراءات التأديب المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية؛ هو إجراء مخالف للقانون، ذلك لأن قواعد وإجراءات التأديب المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية تختلف تماماً من حيث الضوابط المقيدة، وشروط صحة الجزاء التأديبي وإجراءات التحقيق، ونوع الجزاءات ومقدارها، عن تلك المنصوص عليها في قانون العمل في القطاع الأهلي.
وحيث إن كل إجراء مخالف للقانون باطل؛ فإن أي قرار يصدر عن هذا الإجراء الباطل هو باطل.
(2) لما أن الحراس المعنيين يخضعون لأحكام قانون العمل في القطاع الأهلي، وأن العقوبة التأديبية المتمثلة في الإيقاف عن العمل عن أية مخالفة يجب ألَّا تزيد على خمسة أيام استناداً إلى نص المادة (102/6) من هذا القانون؛ فإنه وعلى فرض (جدليّاً) صحة ما نسب إليهم من أخطاء؛ فإن قرار توقيفهم عن العمل مدة عشرة أيام هو تجاوز لحدود القانون، وإن هذا التجاوز غير نافذ بحقهم.
(3) ينص قانون العمل في المادة رقم (102/8) على أنه «لا يجوز معاقبة العامل علي مخالفة ارتكبها ومر على ثبوتها خمسة عشر يوماً». بينما يشير الخطاب الموجه إلى الحراس أن المخالفة المنسوبة إليهم وقعت خلال شهري فبراير ومارس 2011. ما يعني أن المخالفة المنسوبة إليهم وإن ثبتت سقط العقاب في حقهم بمرور الزمن (أي بالتقادم).
ولكي لا يطول اليراع، نختم الكلام موجهاً إلى المسئول المعني بالموضوع، ونقول له: إن كنت لم تطلع على أحكام القانون فليس هناك من معضلة تحول دون المعرفة، أما إذا كنت - لا سمح الله - ممن لا يتقون الله، فهو فحسبنا حسبنا، نعم المولى ونعم الوكيل.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3504 - الثلثاء 10 أبريل 2012م الموافق 19 جمادى الأولى 1433هـ
ياليت يفهم الغبي
تسلم اناملك أستاذنا الفاضل.... طبعاً الكلام هذا ينطبق على معهد البحرين والبولتيكنك وهيئة تنظيم سوق العمل
ياليت يفهم الغبي
تسلم اناملك أستاذنا الفاضل.... طبعاً الكلام هذا ينطبق على معهد البحرين والبولتيكنك وهيئة تنظيم سوق العمل
أنت القانون
يا أستاذنا الأستاذ علي المحترم أن هناك الكثير من المسؤولين في بعض المناصب لا علم لهم بالقوانين العمّالية
إن كان لديهم (أشك في ذلك) تراهم يتلاعبون بالقانون للتشفي أو الإنتقام من هم دون المستوى
النقطة الثانية و الأهم أنه ليس هناك من يحاسب هؤلاء المسؤولين للأسف في ديرتنا
و إذا لم يكن هناك المحاسب فسيرى الشعب الكثير من الأخطاء و بالتالي يدفع الشعب الثمن سواء الفصل من الخدمة أو التوقيف عن العمل
أحد المفصولين
انت رجل قانون ورجل قيم تتكلم مع من لا يعي القانون
القانون لديهم فقط ديكور يزينون به ردودهم فكل ما تكلم احدهم قال حسب القانون وهو لا يفقه من القانون الوضعي اي شيء.
انت تتكلم مع من لا يفهم الا قانون الغاب والقيم السقيمة. والله ان العالم يتعجب لما يحصل هذا رغم انه لا يصلهم الا القليل من هذه الامور ولكنهم يضحكون من شدة التعجب هل فعلا هذا حاصل لديكم؟
نقول دعهم يسيؤا للبلد بما لا يدركون مدى هذه الاساءة. لا والادهى اذا قالوا ان غيرهم يسيء لسمعة البحرين هو انتوا خليتوا في سمعة البحرين شيء