نهاية الأسبوع الماضي، حلت ذكرى وفاة فاطمة الزهراء بضعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم)... تلك المرأة العظيمة المقتداة.
امرأة استطاعت الفرز بين شخصيتين لا تستغني عنهما كل بنات حواء السويات، شخصية المرأة العاطفية الحنونة واللينة، وشخصية المرأة الواثقة والقوية والصلبة في مواقفها.
الشخصية الأولى هي للمرأة مع زوجها وأولادها وأسرتها الصغيرة في البيت، حيث يغذي هذا السلوك كلاً من الزوج والأولاد، ويوفّر لهم حاجات نفسية ومعنوية مهمة، والشخصية الثانية هي شخصية المرأة حين تقودها الحياة إلى خارج البيت الأسري أو تضطرها الظروف لتكون في معمعة تحديات وضغوطات صعبة التحمل.
قدرة الفصل بين الشخصيتين حسب المواقف والضرورات عملية ليست سهلة مع أنها مهمة وضرورية، ففي إحدى خطب الزهراء (ع) نلاحظ كيف أنها تتعمد أن تغذيها بتلك الشخصية والروح المفعمة بالثقة بنفسها وبنسبها وبأقوالها وأفعالها. ثقة تعطي لصاحبها القوة، وتجلّله بالهيبة والجلال، حيث تقول: «أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد، أقول عوداً وبدواً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططا».
فالكلام لواثقٍ جازمٍ مُصرّ، لا تردد عنده، ولاشك أو ريب يخالجه، بل اليقين هو المهيمن عليه بصحة أقواله وأفعاله وتصرفاته دون خوف أو وجل.
أما شخصية العطف والحنان فالكلام عنها يملأ الآفاق بعد أن قال عنها رسول الله (أم أبيها)، وبعد أن انسابت الكلمات من قلب علي (ع) وهو يعبّر عن رضاه عنها، وتحسّره عليها بعد وفاتها، ولنا في نضج شخصية ابنيها الحسنين (ع) ما يدل على ذلك.
إن عدم القدرة على الفصل والفرز بين الشخصيتين، وعدم الوعي بالمكان والظرف الذي تنهض فيه تلك الشخصية أو الشخصية الأخرى، هو الذي يسبب التيه والضياع للمرأة، ويحرمها من تكامل شخصيتها ومن ثم نجاحها في مختلف شئون وتحديات الحياة.
إذا استحضرت المرأة عاطفتها في حضورها العام خارج المنزل، وأعملت كامل أنوثتها خارج النطاق المسموح به شرعاً، فإنها ستكون إلى الميوعة أقرب، ولن تقف عند حد معين، وستفقد الكثير من قدرتها على الفعل والعطاء والتأثير الذي أراده الله سبحانه وتعالى من استخلاف الإنسان في الأرض «وإِذ قال ربُّك للملائكةِ إِنِّي جاعلٌ في الأَرض خليفةً». كما أنها لن ترقى إلى مشاركتها في المسئولية إلى إعمار الأرض الذي أراده الله من الناس «هو أَنشأَكُم مِن الأرضِ واستعمركُم فيها».
العكس كذلك يمكن أن يقربه الإنسان في صورة المرأة التي تخوض غمار الحياة كالمرأة العاملة والموظفة والمديرة إلى آخر المهن والأعمال، فإنها لو تبلورت شخصيتها العملية التي تفرض عليها الصرامة والجد والتعامل بعيداً عن العاطفة، وأرادت أن تعكس كل ذلك على زوجها وأسرتها وأولادها فإنها ستحطم كل شيء أمامها وستتحطم هي.
إن المتابع لمواقف الزهراء يدرك العمق والمعنى الدقيق للمرأة الكاملة، وهي التي تجمع شخصيتين، الأولى شخصية أنثوية عاطفية ناعمة، والثانية شخصية إنسانة واثقة قوية بحجم تحديات الحياة وأعبائها، مع القدرة على التوفيق والانسجام بين تلك الشخصيتين، والوعي بالمكان والظرف المناسب لكل شخصية.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 3502 - الأحد 08 أبريل 2012م الموافق 17 جمادى الأولى 1433هـ
تعميم يحتمل النقاش
ان العاطفة جزء من شخصية المرأة وكونكم حددتم حدود للعاطفة ومكانها البيت والاسرة الصغيرة فقد ظلمتم بهذا التعميم حاجة الإنسان للعطف فلم تتصف الام تريزا بالميوعة كونها استخدمت عاطفتها في العامة، فالنكبر يا شيخ ولنسمح للعقل البشري ان يوجد الطريق الصحيح بدل ان نضع العواطف في قوالب قد تحجب اهم مبادئ الحياة عن التكافل. حبي لفاطمة الزهراء عليها السلام يجعلني ارغب في البحث عن شخصيتها وكيف قامت بالتوازن الذي تكلمتم عنه وحقيقة شكرا لإلهامنا بظرورة ذلك.