استوقفتني فكرة طرحها أحد الأقارب عن طبيعة قلب الإنسان بقوله «إذا أردت أن تشرب كوبا من الماء وليس أمامك سوى كوب واحد به زيت فماذا ستفعل؟!». ومن ضمن الحلول الذي وضعها هي «إما أن تصب الماء على الزيت وتشربه كما هو! وبذلك يستحيل شربه نظيفا، وأما أن تفرغ الكوب المليء بالزيت وتغسله وتشرب ماء نقيا؟! فماذا سنختار؟! وقد شبه القلب بالكوب المذكور إما أن تملأه بحب الدنيا وتوافه الأمور وإما أن تملأه بحب الله والإخلاص له.
هذا القلب الصغير الذي وصفه الأطباء بالعضلة الصغيرة التي من خلالها تضخ الحياة إلى جسم الإنسان وما أن توقف توقفت الدورة الحياتيه له، بالإضافة إلى أنه هو منبع الروح والأحاسيس والحب والطيبة والبغض، وهو المرافق والخليل لمختلف مراحل الإنسان العمرية والشاهد على ما يفعله خليله، فعجبا من الإنسان أن يملأ هذا القلب بالنقاط السوداء وحب الدنيا.
فعند كل صباح نشعر بأحاسيس مختلفة فيوما نحب، ويوما نكره، ويوما نشعر بأن قلبنا مقبوض وكأنك تحس بأن هنالك أمرا ما سيحدث خيرا أم سوءا، ويوما نجعل العدو صديقا والخليل عدوا، هذا هو القلب الصغير المتقلب على صاحبه، ولذلك جاءت حكمة رب العالمين الذي جعل الأمور موزونة ومقرونة بجعل صفة العقل لموازنة الأمور واتخاذ القرارات الصائبة والسديدة بالسيطرة على هذه الأحاسيس لكي لا يختلط الحابل بالنابل والحق بالباطل من دون أن نغفل عن حكمة الحكماء من الأنبياء والأوصياء الذين يرشدوننا إلى الطريق الصائب في اتخاذ القرار المناسب لكل حادثة.
فيا ترى ما هي نوعية القلوب التي نحملها!؟ قلوب طاهرة نقية؟ أم قلوب قاسية سوداء؟! فقد حث الله سبحانة وتعالى على أهمية صفاء القلب ونقائه والانشغال بما يرضي الله سبحانة وتعالى وجعله يتصف بصفات المؤمنين المتقين كصفة التسامح، الصدق، وحسن الخلق، الظن الحسن بأخيه المؤمن والابتعاد عن وسواس الشيطان وحبائله، والصدقة... لكي لا ينقلب هذا القلب الطاهر إلى قلب قاس مليء بالأمراض النفسية.
ومن الأمراض النفسية سوء الظن كما يخبرنا كتاب «الومضات» فإن كثيرا ما يحسّ الإنسان بإحساس غير حسن تجاه أخيه المؤمن وهي وسوسة من الشيطان واستيلاء الوهم على القلب القابل لتلقّي الأوهام... وللشيطان رغبة جامحة في إيقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، معتمدا على ذلك الوهم الذي لا أساس له... ومن هنا جاءت النصوص الشريفة التي تحث على وضع فعل المؤمن على أحسنه، وألا نقول إلا التي هي أحسن، وأن ندفع السيئة بالحسنة، وأن نعطي من حرمنا ونصل من قطعنا، ونعفو عمن ظلمنا، وغيرها.
وطهارة القلب ونقاؤه هدف نسعى جميعا لتحقيقه كقوله تعالى: «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».
العدد 2482 - الثلثاء 23 يونيو 2009م الموافق 29 جمادى الآخرة 1430هـ