عندما تتلاقى الإرادات وتتكامل الدعوات والنداءات الأممية مع المبادرات الرسمية والمجتمعية، فإن ذلك يدفعنا نحو المزيد من الثقة والتفاؤل بمستقبل العمل المشترك.
فمنذ أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في السابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2007 قراراً بإعلان الثاني من أبريل/ نيسان يوماً عالمياً للتوعية بمرض التوحُّد، والهدف كان لفت الانتباه إلى هذا الخلل الذي يؤثر على حياة ملايين البشر في جميع أنحاء العالم.
وحتى الرسالة الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بهذه المناسبة، أكدت ضرورة النظر إلى الفئة المصابة بهذا المرض من منظار حقوق الإنسان والحريات الأساسية تماماً كما هو حال الأسوياء، إذ ان التوحُّد ـ بحسب خطاب بان كي مون ـ مرض لا يقتصر على منطقة دون أخرى، بل هو تحد عالمي يتطلب إجراء عالمياً، وان المصابين بالتوحُّد هم مواطنون متساوون ينبغي أن يتمتعوا بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. فاليوم العالمي للتوعية بالتوحد يجب أن يكون يوماً لتوجيه الانتباه إلى ما يعانيه المصابون بمرض التوحُّد وذووهم من سوء المعاملة والتمييز والعزلة مما لا يمكن القبول به، فعلى رغم أنه مرض يبدأ في مرحلة الطفولة، فإنه يستمر طوال حياة الفرد.
واللافت في كلام بان كي مون أهمية «البعد التربوي» في التعاطي مع هذه الفئة من حيث التأكيد على ديمومية العمل؛ ليتمكنوا من الحصول على كامل حقوقهم الإنسانية، وألا يقتصر العمل مع المصابين بمرض التوحُّد في الكشف المبكر والعلاج فحسب، بل يجب أن يشمل أنماط العلاج والخطط التربوية وغيرها من الخطوات التي تقود نحو العمل المستمر مدى الحياة، باعتبار أن الاستثمار في القطاع الاجتماعي وقطاعي التعليم والعمل أمر في غاية الأهمية؛ لأن البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء بحاجة إلى أن تحسن قدراتها لتلبية الاحتياجات الفريدة للأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد والاعتناء بمواهبهم.
إن مرض التوحُّد أو الاجترار حالة إعاقة من إعاقات النمو الشاملة، ومن أسرع الأمراض من حيث معدل الإصابة بها، ويُعرَّف على أنه «خلل متفاوت الدرجات في القدرة على التواصل الاجتماعي، والذي ينحصر في سلوك مقيد ومتكرر».
في المؤتمر الصحافي الذي أقامه مؤخراً رئيس إدارة بريد الأمم المتحدة ديفيد فيلير أشار إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي «ان كل شخص توحُّدي فريد، ولدى الكثيرين منهم قدرات غير عادية في مختلف المجالات، وإن القدرات الفكرية لنحو 40 في المئة من المصابين تضاهي المعدل المتوسط أو ما تفوقه، ويفخر الكثيرون بقدرتهم على النظر إلى العالم بشكل مختلف».
في الأسبوع الماضي، وتحت رعاية وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي وحضور رئيس مجلس إدارة جمعية البحرين للأطفال ذوي الصعوبة في السلوك والتواصل الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، أُقيم حفل تدشين كتاب باللغة العربية كدليل شامل ومتكامل للمعلمين وأولياء الأمور؛ لتعليم الأطفال ذوي الصعوبة في السلوك والتواصل، وشرح آليات التعامل مع تلك الفئة وتقديم الحلول العملية والتوجيهات المناسبة للرقي بسلوكيات أطفال التوحد.
الكتاب صادر عن مركز عالية للتدخل المبكر ويقع في 153 صفحة، وفيه رسومات وأعمال فنية متميّزة بأنامل أطفال المركز، ويركز أساساً على فهم المنهج العلمي المسمى بـ «تحليل السلوك التطبيقي وتحليل السلوك اللفظي»، بغية فهم وتفسير مشكلات السلوك والتعامل مع السلوكيات قبل أن تحدث من جهة معرفة أسبابها وكيفية تنميتها أو تقليصها، والتأسيس لبُنية نظرية أساسية لتعليم السلوكيات الجديدة لدى الأطفال المصابين بالتوحُّد.
الجانب المعرفي مهم في أي دليل تعليمي، والأهم من ذلك أن الدليل يوفّر المعلومات المفصلة عن طريقة وأسلوب إيصال السلوكيات المراد تعليمها وتمثلها للطفل؛ من أجل توفير بيئة تعليمية تعزز مبادرات الدمج الاجتماعي الإيجابي لمرضى التوحُّد في المؤسسات التعليمية، وهو التوجُّه الذي يخدم أهداف التربية على حقوق الإنسان لأنه يضمن حصول كل طالب على حقه في التعليم الذي يتلاءم مع قدراته وإمكاناته الذاتية، وخصوصاً مع التوجهات التربوية الحديثة في تبني استراتيجيات تدريس فعالة، مثل «التدريس المتمايز» الذي يراعي أنماط التعلُّم لدى كل من الطلبة الأصحاء أو ذوي الإعاقة.
اطلاع أولياء الأمور على دليل التوحُّد من شأنه أن يساهم في خلق ثقافة علمية لفهم أفضل لسلوكيات الطفل المصاب بالتوحُّد، كما ويمثِّل السبيل الأمثل للتعامل المنزلي معه وإحراز التقدم السلوكي المنشود بالنسبة للطفل؛ لقطع الطريق أمام الاجتهادات والممارسات التي قد تتسبب في تعقيد الحالة.
على مستوى المدرسة، يوجِّه الدليل المعلمين والتربويين والمنتسبين للمؤسسات التعليمية نحو التخطيط الجيد في التعامل مع الطالب الذي يعاني من التوحّد. وبحسب تصريحات وزارة التربية والتعليم فإن الدليل المتكامل يشكل نقلة نوعية على صعيد التعليم؛ لأنه يشتمل على كفايات مهمة تخدم المعلمين والطلبة في مجال التربية الخاصة.
وفي الكلمة التي ألقتها عضو جمعية البحرين للأطفال ذوي الصعوبة في السلوك والتواصل الأكاديمية سوسن كريمي والتي طالبت بضم دليل (كتاب) التوحُّد ضمن المناهج المعترف بها لدى وزارة التربية والتعليم، جاء رد الوزير النعيمي باعتماد الوزارة لـ «دليل التوحُّد» ضمن مناهجها الدراسية، والقيام بطباعته وتوزيعه وعقد الدورات التدريبية للمختصين في هذا المجال لتفعيل ما جاء فيه.
يذكر أن مجموع من تمَّ دمجهم للتعلم في المدارس الحكومية من الطلبة ذوي الإعاقة لهذا العام الدراسي 2011 ـ 2012 والعام الذي سبقه قد بلغ (361) طالباً وطالبة.
إن تقديم أفضل الخدمات التعليمية للطلبة من ذوي الإعاقة مسئولية مشتركة بين الجهات الرسمية والمتمثلة في وزارة التربية والتعليم ووزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية من جهة، ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة من جهة أخرى.
ربما كان البعض من المهتمين بالتوحُّد وإلى فترة قريبة محبطاً نتيجة للنظرة المجتمعية السلبية تجاه هذه الفئة أو قلة الوعي أو قلة الرعاية أو الدعم المالي المخصص لها، أو الافتقار إلى وجود أطباء اختصاصيين في مجال التدخل المبكر للأطفال الذين يعانون من التوحّد، حيث يضطر بعض الأهالي لمراجعة أطباء متخصصين في دول الخليج، هذا إلى جانب طول قوائم الانتظار لتلقي برنامج العلاج المكثف في المراكز الأهلية التي تُعنى بأطفال التوحّد.
الحديث عن التوحُّد يقودنا إلى المطالبة بسرعة الانتهاء من مشروع مجمع الإعاقة الشامل بمنطقة عالي والذي هو قيد الإنشاء، فقد تمَّ وضع حجر أساس مركز التشخيص والتقييم فيه منذ العام 2007، وبدأت بعض الأعمال الإنشائية في سبتمبر/ ايلول 2010، وأملنا أن يبصر النور قريباً.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3501 - السبت 07 أبريل 2012م الموافق 16 جمادى الأولى 1433هـ
شكرا
شكرا مقال جميل وهدف نبيل يجب ان يوحد كافة الجهود الرسمية والشعبية من اجل مساعدة الاهالى والاطفال ووضع برامج لدمجهم الان وفي المستقبل وفعلا يجب وضع المصابين بالتوحد في راس القائمة شكرا مرة اخرى للكاتب
طابت اوقاتك أستاذ فاضل
لو لم يكن لشيء ... يجب التوحّد من أجل المصالح القومية, كما فعل الأوربيون (و هم أمم و شعوب مختلفة) عندما تعالو على جراحاتهم بعد الحرب العالمية الثانية و "توحّدوا"!! فكيف بنا و نحن وطن واحد و شعب واحد؟!!