هل تستطيع المحبّة حقاً جمع الناس معاً وعبور الحدود وكسر الحواجز؟ يبدو ذلك مادة لقصص الخيال والأفلام، ولكن في زاوية صغيرة في لندن، هذا هو بالضبط ما حدث.
تجمّع أناس من ديانات وخلفيات متعددة في مطعم هندي عصري كان في السابق باراً، ليتناولوا وجبة ويحتفلوا بذلك الشعور المجنون المسمى بالحب. قام بتنظيم الحدث الجمعية الإسلامية البريطانية بالتشارك مع المنتدى المسيحي المسلم لإطلاق الأسبوع التاسع عشر للوعي بالإسلام، والذي جرى في الفترة 12 – 18 مارس/ آذار 2012.
شكّل أسبوع الوعي بالإسلام في كل سنة خلال السنوات الـ19 الماضية فرصة للناس في أنحاء بريطانيا للّقاء وتناول الطعام والإصغاء وفهم بعضهم بعضاً بصورة أفضل. يختار منظمو الأسبوع موضوعاً له اهتمام مشترك لأتباع جميع الديانات، مثل رعاية جيراننا والاحتفال بأفضل ما تقدمه بريطانيا أو تذكّر بإرثنا المشترك. كان موضوع هذا العام كل ما يتعلق بالحب.
شرح خطباء يهود ومسلمون ومسيحيون في حفل الافتتاح في لندن مركزية المحبّة في تعاليمهم الدينية. في التقاليد اليهودية، يرتكز العالم على ثلاثة أمور: التوراة (القانون) والعبادة وأعمال المحبة والكياسة. علّم يسوع المسيح أتباعه محبة الله والجار كما تحب نفسك. وفي الإسلام، يتواجد الحب في جوهر الدين، وهو أساس علاقة المرء بربه، والصخرة التي ترتكز عليها العلاقات مع بني البشر الآخرين ومخلوقات الله.
حب الله وحب الجار هما الوصيتان التوأمتان اللتان أصبحتا الموضوع الرئيسي للرسالة المفتوحة التي كتبها العلماء المسلمون إلى نظرائهم المسيحيين العام 2007، والتي عرفت بمبادرة «الكلمة المشتركة». وقد دعت هذه الرسالة، التي يصفها أحد الخطباء في حدث لندن بـ «رسالة حب» إلى المسيحيين في أنحاء العالم، الناس إلى التجمع معاً على أساس ما يشتركون به وما يعتبر كذلك أساسياً لكلا الديانتين. قبل شهور قليلة فقط أطلق أحد الذين شاركوا في كتابة تلك الرسالة، وهو الأمير غازي بن محمد من الأردن، وهو أستاذ في الفلسفة، كتاباً جديداً عنوانه «الحب في القرآن الكريم» يرتكز على رسالة الدكتوراه التي قدمها إلى جامعة الأزهر في القاهرة.
أعطى الكتاب، وموضوع الحب المسلمين فرصة لشرح ما يعنيه الإسلام حقاً لهم. بالنسبة لجالية صغيرة من المسلمين البريطانيين، التي لا تملك في العادة سبل الوصول إلى إعلام التيار الرئيسي، فإن فرصة مثل مناسبة إطلاق الكتاب في لندن تعتبر حيوية لجعل أصوات المسلمين من التيار الرئيسي مسموعة فوق الهستيريا والإعلام المضلل الذي يثيره المتطرفون من جميع الاتجاهات.
إلا أن الأعمال يمكن أن ترتفع أصواتها أحياناً على أصوات الكلمات. لذا فإن الأسبوع لا يركز فقط على الكلام، وإنما على إطعام المشردين والمشاركة في أعمال التنظيف والمساعدة وجمع الأموال للمؤسسات الخيرية المحلية والوطنية.
كما ألهم موضوع الحب كذلك الجهود التعاونية العالية المتنامية المعروفة بِـ «ميثاق التعاطف» الذي يتم إعادة إطلاقه هذا الشهر بشكل مهم. وهو اعتراف بأن مبادئ التعاطف تكمن في قلب جميع التقاليد الدينية والأخلاقية والروحية، ويناشد الرجال والنساء في كل أنحاء العالم بالعمل نحو إزالة معاناة الآخرين، وضمان إعطاء الشباب معلومات دقيقة ومحترمة عن الآخرين وتحقيق تعاطف معمق مطّلع مع معاناة الآخرين، حتى هؤلاء الذين ربما نراهم أعداء لنا.
تمثل أحداث الأسبوع الماضي جزءاً صغيراً من العمل الذي تم على مستوى الجذور خلال العقدين الماضيين من خلال أسبوع الوعي الإسلامي، يجمع معاً أناساً ما كانوا ليلتقوا لولا ذلك. معاً يشكلون ألف نصر صغير للتعاطف والمنطق، وتلك هي قوة المحبة.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3501 - السبت 07 أبريل 2012م الموافق 16 جمادى الأولى 1433هـ