العدد 3500 - الجمعة 06 أبريل 2012م الموافق 15 جمادى الأولى 1433هـ

على أعتاب «القيصرية»... تجاعيد الجبين تروي قصة الحب الدفين

في قلوب المحرقيين وعموم أهل البحرين لها معزة التراث...

دكاكين الأغذية في الجزء المسقف من سوق القيصرية
دكاكين الأغذية في الجزء المسقف من سوق القيصرية

«في الصباح الباكر... يحلو لكبار السن من أهالي المحرق أن يشربوا الملة (وهي التسمية الهندية للشاي بالحليب) في مقهى سوق القيصرية التراثي، وربما كانت (غضارة النخي)... الحمص أو (الباجلة)... الباقلاء... وربما الخبز الإيراني، هو الإفطار الذي يكون حاضراً ساعة اللقاء في الأحاديث اليومية عن الأحوال والصحب... صورة جميلة متجذرة في نفوس البحرينيين، ولعل الجولة في الصباح الباكر بسوق القيصرية، تنعش ذاكرة من ارتبطوا بالسوق لسنين طويلة».

سوق القيصرية الذي يمتد عمره الى اكثر من 150 عاماً (شيد في العام 1810)... على موعد مع مشروع تطويري على مساحة تزيد على 20 ألف متر مربع على شارع الشيخ سلمان، وهذا المشروع الذي تشرف عليه وزارة الثقافة، أدرج 14 دكاناً تاريخياً مسجلاً على مشروع مسار اللؤلؤ المقترح تسجيله في قائمة التراث العالمي، ودون شك... يستحق هذا السوق، وسائر المواقع التاريخية والأثرية والتراثية في قرى البحرين، أن تحظى بالاهتمام لتبقى حاضرة على موروث تراثي غني جيلاً بعد جيل.


الخصوصيةالتاريخية للسوق

واللافت للنظر، أنه مع بدء الأعمال في مشروع تطوير السوق، تم اكتشاف العديد من مدابس التمر في الأرض الفضاء الواقعة في جنوب أرض المشروع، وتم تعديل التصميمات حتى لا تؤثر الأساسات الجديدة بالسلب على هذه المدابس التاريخية، والعمل على عرض بعض أجزاء هذه المدابس للمارة في السوق لربط تاريخ وأنشطة المنطقة بواقعها المعاصر، بجانب عرض فيلم وثائقي بشكل مستمر في المقهى لتذكير رواد السوق بتاريخ المكان، وتوضيح مراحل تطور المشروع وتوثيق الاكتشافات الأركيولوجية (اركيولوجي تعني علم البحث والتنقيب عن الآثار) التي تمت خلال فترة تنفيذ المشروع، كما أعلنت وزارة الثقافة في تصريح صحافي سابق منذ بدء العمل في المشروع العام 2010، وهذا جانب مهم للحفاظ على الخصوصية التاريخية للسوق.


في قلبي وروحي هي

تجاعيد جبين كبار السن ممن عاصروا مراحل طويلة من السوق تحكي قصة الحب الدفين... لا يفشي الحاج أحمد عبدالرحيم البالغ من العمر 78 عاماً أن سوق القيصرية في قلبه وروحه، فهو تاجر للكماليات والأحذية والحاجيات المنزلية، ارتبط بالسوق منذ أن كان في العشرين من عمره، وهذه السنوات الطويلة التي عاش فيها بمدينة المحرق وكسب رزقه من سوق القيصرية تجعله يشعر بالتفاؤل والسرور كلما تنامى الى مسامعه بأن هذا السوق ستصله يد التطوير، ولعله يعبر بالقول: «نحن قمنا بما علينا... العمر مضى... لكننا سنفرح اذا وجدنا أبناءنا واحفادنا يتذكروننا ويأتون الى هذا السوق الذي يمثل لنا ولهم ذكرى».

ويتذكر الحاج عبدالرحيم أنه في الأربعينيات من القرن الماضي، وكذلك حتى بداية السبعينيات، كان سوق القيصرية من الأسواق الأكثر نشاطاً على مستوى البحرين، لكنه منذ أواخر السبعينيات والثمانينيات، بدأ يتعرض للتعب والضعف... لكن مع كل ذلك، فإن تجاره ورواده الذين اعتادوا عليه لايزالون مرتبطين به، واليوم، نرى ولله الحمد أن فترات المساء تستقطب الكثير من المواطنين والمقيمين، ولن اقول إن الاسعار في السوق ارخص أو تختلف عن سائر الأسواق، ولكن لهذه السوق خصوصية تراثية، ولهذا نتشرف بزيارة الأشقاء الخليجيين والسواح الذين يشعرون بالسعادة وهم يتجولون فيها.


في العاشرة من عمري

على كرسي بلاستيكي، جلس الفاكهاني فرج مبارك أمام منزل قديم مقابل لدكانه... الصورة بكل زواياها تنقلك الى الماضي الجميل... الباب الخشبي للمنزل... الجدران المتهالكة... وكذلك هيئة فرج بثوبه وغترته الملفوفة حول رأسه و... سلة (الكنار البحريني) التي جلس ينتقي منها الثمار الناضجة ويتخلص من الثمار الفاسدة... فرج، ارتبط بالسوق وهو في سن العاشرة من العمر... آنذاك... دكاكين التمور والخياطة والحلوى وادوات الصيد واحتياجات البحارة والغوص كانت تأخذ الطابع الأول... زد على ذلك أن الميزة التي لا يمكن ان ينساها فرج أن أهل البحرين، بكل طوائفهم كانوا يمثلون جزءاً رئيسياً من السوق ولا أحد ينظر للآخر بفروق دينية أو مذهبية أو طبقية... هكذا يحاول ايصال الفكرة: «طول عمرنا يا ولدي نحب البحرين... ونحب القيصرية... ونحب كل شي فيه ريحة البحرين... عيل شلون عشنا هالعمر؟ قلبنا يا ولدي عامر بحب الله والناس... ومثل ما يقولون: الناس للناس».


والدي كان حمالاً

ويعتز المواطن (بوسالم) كما أراد أن نسميه وهو في العقد الخامس من العمر، بأنه واحد من الذين يعبرون عن حبهم لسوق القيصرية، بل ويعتز بقوله إن والده رحمه الله كان يعمل حمالاً منذ الخمسينيات في هذه السوق، وله شهرته فالكل كان يعرفه بالحمال (بويوسف)، والحق، نحن نعتز بأن والدنا كسب لقمة عيشه من عمله في السوق، ومع ذلك فقد ربانا أحسن تربية وعلمنا أحسن تعليم بل والأهم من ذلك أنه علمنا حب الناس من باب محبة الله سبحانه وتعالى دون تفريق بين أحد.. أنا تعلمت من والدي أن احب الناس.. واشعر كلما زرت السوق بأن روح والدي معي... احب كل المعارف والأصدقاء الذين يرتادون السوق... نحب الجميع والجميع يحبنا... كما تعلمنا من والدي... نزور المجالس والحسينيات... في الأفراح والأحزان... نأكل مع اخوتنا من كل الطوائف والجنسيات... أتذكر أن والدي كان يقص علينا حكايات جميلة في المساء وقت الراحة وقبل النوم وكم كانت قصصه تزرع فينا حب الناس بلا طائفية ولا احقاد... صدقني، كلما زرت السوق شعرت بالفخر.


توثيق تاريخ السوق

وخصصت شبكة المحرق الإلكترونية توثيقاً لجوانب عديدة من المدينة وهو عمل جميل، فبالنسبة لإنشاء سوق القيصرية، فتشير معلومات الشبكة الى أن السوق أنشئ في العام 1810م بأمر من حكومة المغفور له الشيخ عبدالله بن أحمد الخليفة، وكانت تعتبر السوق الرئيسية في المحرق آنذاك، وهي سوق قديمة مسقوفة ومسورة ولها ثلاث بوابات تقفل ويقوم على حراستها النواطير ليلاً، وهي يمتد جنوبا ليكمل شارع التجار ويتوسط سوق المحرق ويتكون من عدة متاجر لبيع الأواني المنزلية والملابس وغيرها من المواد الاستهلاكية المنزلية، وسيتم هدمها وبناؤها من جديد وعلى الشكل والتصميم التراثي القديم.

هوية ملكيات الدكاكين

وحسب مخطط مشروع تطوير السوق لوزارة الثقافة، فقد تركز الاهتمام على الحفاظ على هوية الملكيات للدكاكين في السوق، حيث يعتبر استمرار ارتباط أسماء الدكاكين بأسماء العائلات التي كانت تملكها من أهم القيم التراثية التي يلزم الحفاظ عليها ضمن ذاكرة المكان، كعائلة عبدالوهاب آل خليفة والسيادي وفخرو والدوي وغيرها من العائلات البحرينية، كما تواصلت وزارة الثقافة مع جميع ملاك الدكاكين والأراضي الواقعة في نطاق المشروع للوصول لاتفاق يمَكّن الوزارة من الترميم والبناء حسب المخطط المعماري العام للمشروع، ومن ثم إتاحة الفرصة للملاك لإعادة فتح هذه الدكاكين مرة أخرى بشرط استغلالها في أنشطة تجارية مناسبة لطابع السوق التراثي والقيام بأعمال الصيانة المستقبلية اللازمة دون تشويه، وعلى أن يكون لوزارة الثقافة الحق في الاشتراك مع المالك لتحديد طبيعة النشاط التجاري ومتابعة أعمال الصيانة المستقبلية.

العدد 3500 - الجمعة 06 أبريل 2012م الموافق 15 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:21 ص

      تعجبوني يا الوسط

      بصراحة مشكورين واااايد الواحد يطلع على الجريدة عاد يشوووف فيها اشياء وايد.. متابعة للأحداث.. مقالات.. مواضيع منوعة.. تقارير مصورة.. كلها محلية.. علشان جذيه الواحد يرتاح لأنه ياخذ جولة مهمة وفيها معلومات وايد ومثل ما طرحتو موضوع سوق القيصرية الحلو نبي بعد التركيز على اصحاب القلوب السودة اللي تشعل العداوة بين عيال محرق.. والأخ الصحفي .... يزور المحرق وايد ويعرف اشياء وايد عن هالشي وكتب عنه من قبل.. نبي الوسط تخصص حق هالشي

    • زائر 1 | 3:16 ص

      نذهب الى الماضي ونعيش الحاضر

      صباح الخير.... نحتاج الى الذهاب للماضي الجميل... هذه الجولة لنا فيها عبرة.. الماضي الجميل هو ماضي اهل البحرين بافكارهم واخلاقهم وحياتهم الطيبة.. ليست اخلاق اهل الفتنة والسلاح والتخويف واللصوصية والاجرام.. سوق القيصرية جمعنا نحن اهل المحرق سنة وشيعة ولم نتفرق مهما حاول الأشقياء.. هذه العبارة جميلة في الموضوع تقول :"الجميع والجميع يحبنا... كما تعلمنا من والدي... نزور المجالس والحسينيات... في الأفراح والأحزان"... شكراً لجريدتنا الوسط

اقرأ ايضاً