يخطئ الكثير من الناس، عندما يعتقدون أن الإدمان، ينحصر في شرب الخمور، وتعاطي المخدرات، أو التدخين سُعُوطًا، بل هو ينسحب على أشياء كثيرة غير ما ذكرت. فالصفات والسلوك، عادة ما يُصاحبهما إدمان، سواء أكان إدمانًا على الحسن والفاضل منه، أو على القبيح والمحمود فيه.
في الإعلام، يوجد هناك إدمان أيضًا، ولكن بطريقة أخرى. فالصورة، التي تصاحب الخبر، عادة ما تغني عن ألف كلمة، مثلما تقول أبجديات الصحافة التي تعلمناها. لكن هذه الصورة، قد لا تساوي كلمتين في أحسن الأحوال، بل ولا تكلف صاحبها حتى هزة كتف، عندما تتحوَّل إلى حالة من التكرار السلبي، الأمر الذي يجعلها بغير تأثير يُذكر على المتلقي، فردًا أو جماعة.
فهدف الصورة في حقيقته، هو أن تلك الصورة، تعكس واقعًا قائمًا فعلاً. وإذا كان ذلك الواقع مريرًا فجيعًا، فهي تعني أن تأثيرها الطبيعي والمؤمّل، سيدفع نحو معالجة ذلك الواقع عاجلاً (أو حتى آجلاً). أما إذا تكررت مشاهد الصورة عدة مرات، دون أن يكون لها متابعة، ولا حتى مشروع حل، فهي تفقد قيمتها الأصلية، بل وتصبح كما لم تكن موجودة بالمرة.
كل متابع للأخبار، سيرى، أن جلّ أحداث العالم تقع في منطقتنا العربية والإسلامية. ولأن الأحداث ساخنة فيها، فهي تمنح المتابعين، أكثر الأنباء إيلامًا، سواء في عدد القتلى والجرحى والمشردين، والمنكوبين والثكلى، وأزيد الصور تأثيرًا على القلب، لأنها إطار صامت في شكله، متحرك في مضمونه، لكافة الأحداث المؤلمة، التي تجري في هذه البقعة الملتهبة من العالم.
قبل أيام، حصل في دير البلح بقطاع غزة، ما يجعل أيّ إنسان يخجل من نفسه. فقد قضى ثلاثة أطفال فلسطينيين، (هم صبري: سنتين، فرح: خمس سنوات ونادين: ست سنوات) جراء حريق نتج عن سقوط شمعة كانوا قد أشعلوها في غرفة نومهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي في القطاع لأكثر من ثماني عشرة ساعة في اليوم. ولأن تلك الشمعة قد سقطت على مادة مشتعلة، فقد أوقد ذلك التماس الغرفة التي كانوا يتوسّدون فيها أذرعهم، الأمر الذي أحرق البطانيات، والأغطية، ومعها الأطفال الثلاثة، وهم نيام، بينما جعل من أختهم الرابعة، (وهي طفلة لم تبلغ من العمر سوى ستة أشهر) في حالة خطرة جدًا.
خلال نشرات الأخبار، استمعت إلى عمَّتهم المفجوعة، وهي تعلق على الحادث الأليم، فلم تبقِ ولم تذر أحدًا إلاَّ وهاج كلامها عليه. حركتا فتح وحماس والكيان الصهيوني والعرب والمسلمون والعالَم، كلهم كانوا متهمين أمام عينيها. بالتأكيد، هي لا تلام أبدًا على ما أبدته. بل لو أن والدَا الضحايا الثلاثة، كانا في حال غير الإغماء، ويسمح لهم بالحديث، لكانا قد تحدثا بمنطق أيّ واحد مكلوم، وهو يرفع المِجلَد، على ما أصابه من بلاء عظيم.
عندما ترى صور الضحايا، ينتابك شعور، أنك خارج الآدمية تمامًا، حتى ولو لم تكن سببًا مباشرًا في مقتلهم. أيّ صيغة حياة يُمكن أن يهنأ بها أحد منا وهو يرى ما رأى؟! كيف لأحد أن يذهب إلى بيته عند الهجيرة، ليرى عياله يأكلون ويشربون وينامون ويتبضعون ويذهبون إلى المدارس ويتطبَّبوا كما يشاؤون، في حين يوجد هناك عربٌ مثلهم (بل بشر متساوون في الإنسانية) لا تتوافر لديهم أبسط هذه الأمور، لا لنقيصة فيهم، سوى أنهم فلسطينيون، يجاورون كيانًا مسعورًا، يحاصرهم ويخنقهم بعدما استولى على أرضهم، وأشقاء عربًا ومسلمين، لا همَّ لهم، سوى كنز الأموال، وحب التهاتر، داخل شقوقهم الطائفية التافهة.
هذه السعادة في ميسور الحال عندنا، تصبح عالة على ضمائرنا ونحن نشاهد جثامين صبري وفرح ونادين (وغيرهم الآلاف من العرب)، الذين لا يعرفون معنى السياسة، ولا الفصائل الفلسطينية السياسية والعسكرية، ولم تتكوَّن لديهم بعد، نزعة نحو أيّ شيء، سوى رؤية عالَم مجرد، بشكله المحسوس والمرئي. لا يفقهون انتماءاته ولا تحالفاته، ولا أهواء لاعبيه.
عندما قام فرنسي مسلم من أصل جزائري، بقتل سبعة يهود، بينهم ثلاثة أطفال (وهو عمل مُدان بالمرة، ولا يمكن التعاطف معه) أجرى الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصالاً هاتفيًا عاجلاً بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قال فيه بالحرف «إن «الشعب الأميركي يقف كتفًا إلى كتف، مع حلفائنا وأصدقائنا الفرنسيين في هذا الوقت العصيب»! نحن نسأل: أين كتفك يا أوباما من كتفِ الفلسطينيين بعد هذه المأساة؟! أم أن هذا الكتف لا يتحرك ولا يصطف، إلاَّ إلى جانب أصحاب الدماء الزرقاء، وغيرهم أبناء مملوكات وإماء؟! رغم أن الإماء أنجبن عظماء نفعوا الإنسانية.
أيضًا، نتساءل باستغراب: تبسَّل العرب في الملف السوري، وفرضوا العقوبات على النظام القمعي والدموي الساقط في دمشق، وحظروا على الرحلات الجوية في أن تذهب لمطاراته، ودفعوا رواتب الجيش السوري الحر، وألَّبو الرأي العام عليه، لكن هذه المواقف الشجاعة، والملاحقة لا نجدها تعمل في غيرها من الأماكن العربية، لا في الصومال، ولا في الأراضي الفلسطينية، بل إنهم غير قادرين حتى على فكِّ الحصار على غزة بشكل عملي، وتزويده بالوقود. رغم سقوط نظام مبارك.
اليوم، هناك ثلاثة عشر مستشفى عام في غزة محتاج للسولار، وسبعة وثلاثين سيارة إسعاف متوقفة، لأنها لا تملك بنزينًا تتحرك به، والبنزين الذي وعِدَت به غزة، والذي سيكفي احتياجاتها لمدة شهرين، لا تزيد قيمته عن الثلاثيين مليون دولار، في حين أن خزائن العرب، تتوزع على ما لا يُحسن حتى ذكره. إنها فاجعة. وقبل أن تكون فاجعة، هي عَيْب، وعدم إحساس بالمسئولية. وقد صدق الكاتب والشاعر والسياسي الإنجليزي جوناثان سويفت عندما قال «لا أتعجب لكون المرء شريرًا، لكني كثيرًا ما أتعجب لكونهم لا يستحون».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3498 - الأربعاء 04 أبريل 2012م الموافق 13 جمادى الأولى 1433هـ
Sad&Bad
كلام في الصميم,,,لو كان كل منا صادق مع نفسه ومع الاخرين,,,لما غمضت عين ولا ارتاح جسد,,,واعض على لساني لعجزي,,وان لساني لينقطع,,,وما فاءدته فهو لم يفهم ابدا,,,ولا حرك ساكنا
نحن العرب مقدر علينا ان نعيش في تناقضات
مادامت هذه الأنظمة على رقابنا ، فلن يصلح حال هذه الأمة التي اكل عليها الدهر و شرب ابداً.
وجهة نظر...
قلتها لك سابقاً أستاذي محمد بأنك كاتب مبدع وحباك الله بملكة فريدة وأسلوب كتابي أكثر من رائع ولكن تنقصك الجرأة التي لاتكتمل شخصية الكاتب إلا بها!!
مثال أقتبسه من مقال اليوم:" ... والملاحقة لا نجدها تعمل في غيرها من الأماكن العربية، لا في الصومال، ولا في الأراضي الفلسطينية" إنتهى الإقتباس.. السؤال: هل عدم ذكرك لبلدك الجريح- وهو أقرب الأمثلة- نتيجة نسيان أو خوف أو حيادية أو ماذا؟
عقول مخدرررة
وكل ما ألهى عن الله فهو من الميسر و المنكر ......... والخمر ة ......
وما أكثر اللهو والبعد عن الله
موضوع مؤلم حقا ويلامس الواقع العربي الاسلامي المر
في غمرتنا بكل هذه الفواجع
أقول في غمرة كل ذلك الا توجد بارقة أمل ؟ في يقظة ضمير في أوربا وامريكا وبين اليهود الاحرار لكي ينتفضوا ضد حكوماتهم كي يقفوا دعمهم للاعراب فهم أشد كفرا ونفاقاً . فهم دمروا كل شيء على الكرة الارضية . لن نناشد أمة الاسلام فهم في كبوة تتلوها كبوة ودمار وتشرذم يتبعه تشرذم أشد . فقادة الوطن العربي كلهم في سبات وسكرة الجاه والسلطان والجاهلية مسيطرة عليهم ولا أمل فيهم مطلقاً وقد شبع المواطن العربي والاسلامي وانكفى عن مخاطبتهم ما دام فيهم سيف أبو لهب هو الحاكم المطلق . اللهم أظهر لنا وليك فقد حان وقته .
مشكلة المشاكل المعادلة
من ليس معنا فهو ضدنا
غفلة الروح
غفلة الروح هي سبب الإعوجاج الذي نعيشه ويقظة الروح هي الحل لكسر جحافل الظلام
بسالة الأنظمة العربية
هذه البسالة والشجاعة العربية لا تخدع احد فالعالم يعرف السبب الحقيقي وراء ذلك فهم لا يخدعون الا انفسهم ، فهم ببساطة ينفذون أجندة أمريكية صهيونية وليس لها اي تفسير اخر ، فالدفاع المستميت عن الشعوب المضطهدة من قبل بعض الأنظمة الخليجية بالذات اصبحت مكشوفة بل ومضحكة في ظل ممارستهم القمع لشعوبهم في الوقت ذاته !!!!
داود
إدمان الكذب و خصوصاً الكذب على النفس أخطر