تتعرض إدارة الرئيس أوباما لضغوط متزايدة لتسريع عملية انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وتخطط قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لتسليم المسئولية الأمنية إلى القوات الأفغانية بحلول العام 2014. إلا أن الانسحاب العسكري يجب ألا يعني أن المجتمع الدولي يبتعد عن أفغانستان كلياً أو أنه يوقف الدعم للمجتمع المدني المحلي، وخاصة عندما يعود الأمر إلى الحفاظ على الحقوق والمكتسبات التي تم الحصول عليها بصعوبة للمرأة الأفغانية. كيف يمكن ذلك؟
حتى يتسنى البحث عن إجابات، قمت وزميلتي سارة سمايلز بيرسنغر بمعهد كروك لدراسات السلام الدولي بجامعة نوتردام، بتأليف تقرير «النساء الأفغانيات يتكلمن»، بناءً على عشرات المقابلات في أفغانستان مع برلمانيات وناشطات وباحثات وعاملات في مجال الصحة ورئيسات لمنظمات غير حكومية. وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قمت بزيارة كابول لتقييم آخر التطورات.
قالت جميع النساء اللاتي قمنا بمقابلتهن إنهن يرغبن بانتهاء الحرب، فهن لا يستطعن تأمين حقوقهن في بيئة عسكرية. وكلما طال أمد الحرب كلما ازداد التهديد الذي يواجهنه من جانب «طالبان» والرجعيين من الذكور في الحكومة الأفغانية. تفضّل النساء المفاوضات لتحقيق السلام، ولكنهن لا يردن اتفاقية تلغي القوانين مثل قانون العام 2009 لإزالة العنف ضد المرأة، أو اتفاقية تفشل في الحفاظ على الخدمات الأساسية للمرأة.
ما الذي توصي به النساء؟ الحاجة الأولى والأكثر بروزاً هي الدعم المستمر لبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي حسّنت حياة النساء والأطفال الأفغان. «استثمروا في الشباب الأفغاني»، تقول امرأة قيادية، «وليس في الزعماء الفاسدين». بوجود التمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والبنك الدولي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حصلت ملايين النساء على التعليم وسبل الوصول إلى الرعاية الصحية.
هذه الإنجازات هي من بين المجالات القليلة المشرقة للبعثة الدولية في أفغانستان. يجب الحفاظ عليها عند انسحاب القوات الأجنبية. التعليم المحسّن أولوية. في العام 2002 كان هناك 900.000 تلميذ ذكر يذهبون إلى المدارس، واليوم هناك أكثر من سبعة ملايين ذكر وأنثى مسجّلين في المدارس. كما ازدادت معدلات الالتحاق والحضور بما يزيد على سبعة أضعاف خلال العقد الماضي. تشكل الفتيات اليوم 37 في المئة من مجموع الطلبة، وقد تم بناء ما يزيد على 4000 مدرسة جديدة، الكثير منها من خلال التعاون بين البرامج الدولية والمجتمع المدني المحلي. وازداد عدد المعلمين والمعلمات من 20.000 (جميعهم من الرجال) العام 2002 إلى ما يزيد على 150.000 (نحو 30 في المئة منهم من النساء).
كما تم تحقيق التقدم في تخفيض معدلات وفيات الأطفال والأمهات عند الولادة. فمنذ العام 2001 ازداد عدد المرافق الصحية والعاملين المدربين في مجال الصحة عشرة أضعاف. كما تم تدريب ما يزيد على ثلاث آلاف امرأة كقابلات، وهي زيادة بواقع سبعة أضعاف. وبحسب آخر الأرقام التي أصدرتها الحكومة الأفغانية، وبناءً على استطلاع أجري بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والأمم المتحدة، فإن معدل وفيات الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة انخفض من واحد لكل 11 طفلاً إلى واحد لكل خمسين طفل. مازالت هذه المعدلات مرتفعة بشكل مثير للصدمة، إلا أن التوجهات تسير بالاتجاه الصحيح. وتترجم تحسينات العقد الأخير إلى مئات آلاف من الأفغانيين الأكثر تعرضاً الذين تم إنقاذ حياتهم.
وعلى رغم هذه المكتسبات، يبقى هناك الكثير الذي يتوجب عمله، ففي المجتمعات الريفية، حيث يعيش معظم الأفغانيين، تبقى الرعاية الصحية متخلّفة، ومازالت الأمراض التي يمكن منعها منتشرة. كما ازدادت معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية، ولكن المدارس الثانوية ومؤسسات التعليم العالي مازالت غير متوافرة للشباب الأفغاني. يجب أن تستمر برامج التنمية الاجتماعية حتى بينما ينخفض الإنفاق العسكري.
الأولوية الثانية هي الحفاظ على حقوق المرأة السياسية. النساء يتمتعن بالمساواة أمام القانون في أفغانستان اليوم، حيث يتم حجز 25 في المئة من المقاعد البرلمانية للنساء. أفضل ضمان ضد تراجع هذه الحقوق هو وجود المرأة على طاولة مفاوضات السلام. عدد قليل من النساء فقط، لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، يشاركن في مجلس السلام الأعلى في أفغانستان، وهو المسئول عن إرشاد عملية التسوية مع «طالبان». يتوجب على صانعي السياسة الغربيين الضغط على الحكومة الأفغانية لضمان مشاركة المرأة بشكل أكثر معنى في منتديات اتخاذ القرارات على المستويات العليا. أظهرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قدرة قيادية يحتذى بها في دعم حقوق المرأة الأفغانية. ويتوجب على المسئولين الأميركيين والغربيين اتباع خطاها.
تريد المرأة الأفغانية السلام، ولكنها تريد كذلك الدعم المستمر لحقوقها الاجتماعية والسياسية. يجب ألا يكون سحب القوات العسكرية على حساب التزام بالتنمية وحقوق الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3498 - الأربعاء 04 أبريل 2012م الموافق 13 جمادى الأولى 1433هـ