يبدو أن العالم مقبلٌ على «عصر التقارير»! ولسنا وحدنا في البحرين من يعاني من التقارير المفبركة والمزوّرة والمغلوطة التي تفتري على الناس الطيبين وتحاول تسقيط الشخصيات الوطنية وضرب الوحدة الوطنية والإخلال بالنسيج الاجتماعي المترابط وإثارة الفتنة بين أفراد الشعب الواحد، فحتى الدول المتقدمة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الفرنسية، تتعرض كل منهما إلى هذه الهجمة الشرسة من «التقارير»!
ففي الأسبوع الماضي نشرت الصحافة الفرنسية تقريراً عن موت الشيخ أسامة بن لادن بحمّى «التيفوئيد»، اعتماداً على خبرٍ سرّبه بعض الجواسيس «المغرضين» العاملين في جهاز أمن فرنسي، ويعتقد أن «تنظيم القاعدة» استطاع اختراق الجهاز الأمني الفرنسي ودسّ عناصره لتسريب مثل هذه الوثائق «السرية للغاية»، من هنا طالبت وزيرة الدفاع الفرنسية آلوّه جان مارى (جِد... هذا هو اسمها: آلوه!) بإجراء تحقيقات لكشف هؤلاء المندسين!
سياسياً، سارعت أميركا وحلفاؤها الغربيون، بمن فيهم الرئيس جاك شيراك، إلى التشكيك في التقرير «المشبوه» الذي يهدّد وحدة الشعب الفرنسي والعلاقات الأميركية الفرنسية المتميزة!
هذا الأسبوع نُشر في الولايات المتحدة تقريرٌ عن شركة مخابرات، تقول إن الإرهاب وقتل المدنيين الأبرياء تصاعد أكثر بعد احتلال العراق وأوجد بيئةً أفضل لخلق الإرهابيين، وسارع جورج بوش إلى نفي التقرير «المشبوه» الذي يهدّد بنسف كل الجهود الهادفة إلى محاربة الإرهاب، ويشكّك في قدرات وكفاءة الشخصيات الوطنية الأميركية وفي مقدمتهم رامسفيلد وتشيني والآنسة الفاضلة كونداليزا رايس!
أما نحن في البحرين، فلابد في عصر العولمة أن ندفع ثمن مواقفنا المبدئية في الصراع العربي الإسرائيلي، ودعمنا المتواصل للشعب الفلسطيني الشقيق، وخصوصاً موقفنا الداعم للبنان في حربه العادلة ضد العدو الصهيوني الغاصب للقدس. كل ذلك إضافةً إلى ما نتمتع به من موقع استراتيجي مهم في قلب الخليج، جعلنا مركز جذب لمؤامرات المخابرات الدولية والمشروعات الاستعمارية، وفي مقدمتها ما يسمى بـ «مشروع الشرق الأوسط الموسع الجديد».
ومما يلفت النظر أن هذه المؤامرة الأمرو-صهيونية جاءت في سياق موجة التقارير المخابراتية التي تكتسح دول العالم أجمع، صناعيةً وناميةً. فقد ابتُلِينا في هذا البلد الصغير، بجاسوسٍ خبيث، وعميلٍ خطير لمخابرات دولة أوروبية استعمارية سابقة، لا يمكننا ذكر اسمها هنا حفاظاً على الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي. هذا الجاسوس المشبوه استطاع التسلّل خفيةً إلى بلادنا الوادعة، واستطاع أن يندس إلى بعض الوزارات الحكومية، وأن يقنع بعض المسئولين الطيبين بأنه «خبير سياسي»، وأن بإمكانه أن يحوّل البحرين إلى سنغافورة الخليج خلال خمسة أعوام، فإذا وقفت القوى الاستعمارية لافشال المشروع، فبالإمكان تمديد خطته خمسة أعوام أخرى، كما فعل بوش في تمديد حربه ضد الإرهاب.
ولأننا في البحرين، حكومةً وشعباً، على نيّاتنا وقلوبنا (روبة)، وبسرعة (ينقص) علينا، فقد تم توظيفه مستشاراً استراتيجياً في مناصب حكومية رفيعة، وصُرف له راتبٌ خياليٌ لم يُدفع مثله لأحدٍ في تاريخ البحرين (حتى المستشار بلغريف ما حصل مثله!). راتبٌ يزيد على رواتب اثنين من الوزراء: ستة آلاف دينار. وللتوضيح: نصفها راتبٌ أساسي، والنصف الآخر عبارةٌ عن مخصّصات خمس وزكاة ومنحة وعطيّة وصدقة وهِبة وعلاوة سيارة وقرض إسكان!
عموماً، «ما فات مات»، ولكن المرحلة التاريخية الحرجة التي تمر بها البحرين، تتطلب تنظيم حملةٍ وطنيةٍ كبرى، للوقوف صفاً واحداً ضد المؤامرات الأجنبية التي تستهدف أمن واستقرار ورخاء البلاد، وتحصين جبهتنا الداخلية ضد كل أنواع التقارير، والأهم منع حدوث أيّ تسللٍ في المستقبل لأي نوع من الجواسيس و«البنادير»
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1483 - الأربعاء 27 سبتمبر 2006م الموافق 04 رمضان 1427هـ