ماذا كان الرئيس جورج بوش ليقول للشعب الإيراني لو تسنت له الفرصة بالتوجه إليه مباشرة؟ تمكنت من طرح هذا السؤال على بوش خلال مقابلة حصرية أجريتها معه في المكتب البيضاوي الأربعاء الماضي. أشارت إجابته بوضوح إلى رغبة الإدارة بحل دبلوماسي للخلاف بشأن برنامج إيران النووي - حلاً يرتكز على تقدير أميركا لدور إيران كدولة مهمة في الشرق الأوسط.
أجاب بوش على الفور ومن دون ملاحظات مدونة: «كنت لأقول للشعب الإيراني: إننا نحترم تاريخكم. إننا نحترم حضارتكم. إننا نقدر مهارات البناء والتعمير التي يتمتع بها شعبكم. كنت لأقول للشعب الإيراني إنني أقدار أهمية سيادتكم - انكم أمة موقرة، وترغبون في تأمين مستقبل جيد لمواطنيكم».
وتابع قائلاً: «فيما يتعلق بالمسألة النووية، أتفهم إيمانكم بأنه من مصلحتكم - مصلحة سيادتكم، وحق سيادتكم - أن تمتلكوا قوة نووية. أتفهم ذلك. وإنما كنت لأقول للشعب الإيراني أيضًا، بأن هناك مخاوف كبيرة من نوايا البعض في حكومتكم الذين قد يستخدمون المعرفة المكتسبة من صناعة قوة نووية مدنية في تطوير سلاح يمكنه تحقيق الغايات المذكورة الخاصة ببعض القياديين (بمهاجمة إسرائيل وتهديد الولايات المتحدة). وكنت لأقول للشعب الإيراني إنني لأعمل على إيجاد حل يتناسب مع رغباتكم العادلة في امتلاك قوة نووية مدنية».
وأضاف بوش: «كنت لأخبر الشعب الإيراني بأننا لا نرغب في النزاع».
لقد عبر عن آماله بمساهمة إيران في تهدئة الأوضاع في العراق، ولكنه أشار إلى أن السبيل الأفضل لذلك هو رئيس الوزراء العراقي الجديد نوري المالكي، الذي كان في طهران الأسبوع الماضي. ثم نادى بإنشاء برنامج جديد من التبادلات الحضارية والثقافية بين الولايات المتحدة وإيران، كوسيلة للتشجيع على قدر أكبر من التواصل والثقة.
شكلت تعليقات بوش إشارة علنية واضحة للاستراتيجية المعتمدة من قبل الإدارة في مواجهة برنامج إيران النووي. في الأيام القليلة الماضية، صدرت إشاعات في واشنطن تقول إن الإدارة تخطط لخيارات عسكرية لمعالجة الأزمة، وربما في القريب العاجل. ولكن ملاحظات بوش اتخذت منحًى آخر، فقد برز تشديده على طمأنة إيران بأن الولايات المتحدة تقدر طموحاتها في أن تكون دولة متقدمة ذات برنامج قوي من الطاقة النووية المدنية، ودور في بناء شرق أوسط متساو في الحجم والقوة. تتضمن الخطوط الحمراء بالنسبة إلى أميركا الأسلحة النووية، والتهديدات العسكرية لـ «إسرائيل» أو للولايات المتحدة، وعلاقات إيران مع مجموعات إرهابية.
تابعت تعليقات بوش العرض الذي طرحته الولايات المتحدة مع حلفائها على إيران في حال موافقتها على تعليق تخصيبها لليورانيوم. لقد اقترح أن يقوم الغرب بتزويد إيران وغيرها من الدول باليورانيوم المخصب، ومن ثم تجميع المخلفات النووية. وأشار إلى أن هذا البرنامج العالمي «قد يشكل حلاً من شأنه تلبية رغبة عميقة لدى الشعب الإيراني بامتلاك صناعة للطاقة النووية».
عن العراق، أشار بوش إلى أن زيارة المالكي إلى طهران «تهدف إلى إقناع الإيرانيين بأن استقرار العراق يصب في مصلحتهم. فقد كرروا هذا الأمر عدة مرات، وأعتقد أن رئيس الوزراء المالكي يسعى حاليًا إلى اكتشاف معنى ذلك، وكيفية تعاون الحكومة العراقية مع الإيرانيين بهدف خلق شعور بالاستقرار».
أعلن بوش عن قراءته لملاحظات تنتقد زيارة المالكي، «أنا لا أوافق على ذلك. على رئيس الوزراء المالكي الذهاب إلى إيران، إذ إنه من مصلحة العراق الوطنية أن تتمثل العلاقات مع إيران على هذا النحو، أي بوجود حدود أمنية وغياب مسائل التجاوزات عبر الحدود بما فيها من تصدير التجهيزات التي من شأنها إلحاق الأذى بالمواطنين العراقيين بالإضافة إلى جنود الائتلاف، وتصدير التطرف الذي يستطيع أن يعوق إنجاح هذه الديمقراطية العراقية اليافعة».
جاء حوارنا بعد زيارة الرئيس السابق محمد خاتمي إلى أميركا التي استغرقت 12 يومًا. سألت بوش عن سبب موافقته على هذه الزيارة من قبل مسئول إيراني، وعما حققته برأيه: «من إحدى المعضلات التي يواجهها صانعو السياسة الأميركيون، هي طبيعة نظام الحكم الإيراني المعقدة. فارتأيت أنه من المجدي لبلدنا استقبال الرئيس السابق خاتمي، للاستماع إلى ما لديه من كلام. كما أنه من المهم له أيضا أن يستمع لما سيقوله الأميركيون». فقد أراد أن يظهر لخاتمي أنه فيما يتعلق بالمسألة النووية واعتداءات حزب الله على «إسرائيل»: «ليس فقط جورج بوش من يتكلم».
وأوضح بوش قائلاً: «إن زيارة خاتمي أشارت إلى أن الولايات المتحدة ترغب في الاستماع إلى الآخرين، وآمل أن يشكل هذا الأمر رسالة للشعب الإيراني بأننا مجتمع منفتح، وأننا نحترم شعب إيران».
ومن الواضح أن البيت الأبيض يرغب ببلوغ شرائح من الرأي العام الإيراني بعيدًا عن الرئيس محمود أحمدي نجاد.
سألت بوش عن الخطوات التالية التي يحبذها لفتح حوار مع إيران فأجاب: «أرغب في رؤية تبادلات ثقافية أكثر، ما بين الجامعات. وأرغب في رؤية تواصل أكثر ما بين الأشخاص».
وختم بوش قائلاً: «أعلم أنه كلما أظهرنا للشعب الإيراني نوايا الحكومة الأميركية الصادقة، كلما أصبح من الممكن التوصل إلى حل دبلوماسي لمشكلة مستعصية».
وقد غادرت شاعرًا بأن بوش جدي في العثور على حل سلمي للأزمة النووية، وأنه يسعى جاهدًا إلى إيجاد سبل التواصل بين أميركا وإيران.
ديفيد إغناتيوس
محرر صحافي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1483 - الأربعاء 27 سبتمبر 2006م الموافق 04 رمضان 1427هـ