أقر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها في 3 سبتمبر/ أيلول الجاري مشروع تطوير التعليم والتدريب، المكون الثالث في برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل في مملكة البحرين، والذي أطلقه ولي العهد بهدف إعادة بناء القوى العاملة البحرينية وتفعيل دور القطاع الخاص وجعله المحرك الرئيسي لعمليات التنمية، من خلال عمليات التعاون والدعم الدائم.
يذكر أن بداية انطلاق المشروع كانت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، ما يعني أنه مضى على المشروع قرابة العشرة أشهر، مضى غالبيها في التشخيص وطرح المبادرات، وستبدأ المرحلة المقبلة بناء على تنفيذ المبادرات التي توصلت إليها فرق العمل، كما أنه تم تشكيل فريق عمل من قبل ولي العهد، صاحب المشروع، أصر من خلاله على أهمية اطلاع فرق العمل على تجارب وخبرات الدول المتقدمة من خلال الزيارات الميدانية التي قامت بها لعدد من الدول المتقدمة في مجال التعليم والتدريب، وشملت سنغافورة ونيوزيلندا وايرلندا وسويسرا وفنلندا بهدف الوقوف على تجاربها وإمكان الاستفادة منها في تطوير عمليتي التعليم والتدريب لدينا في البحرين.
وبحسب الخطة الزمنية لمشروع تطوير التعليم والتدريب يبدأ في الشهر الجاري تنفيذ المبادرات والتي يأتي على رأسها إنشاء هيئة مستقلة لضمان الجودة لتقييم أداء المؤسسات التعليمية والتدريبية، وتقوم بمراقبة المؤسسات التعليمية والتدريبية وامتحانات الطلبة وتحديد مجالات التطوير الممكنة لتحسين العملية التعليمية والحث على الجودة في التعليم من خلال زيادة المسئولية والشفافية ورفع تقارير الجودة الشاملة للنظام التعليمي ونشر أفضل الممارسات الوطنية، إلى جانب العمل على إنشاء كلية تطبيقية وكلية لإعداد وتدريب المعلمين، وإنشاء كلية تقنية جديدة وذلك لتوفير خيارات ومسارات جديدة في التعليم الفني والمهني والثانوي وما بعده.
وضع نظام وطني جديد للقبول والالتحاق بالجامعات وعمل مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات التدريبية، يتضمن إصلاح نظام القبول الحالي بالجامعات. وضع السياسات والمعايير للتعليم العالي والتدريب الفني والمهني، تبني عدد من الآليات واعتماد استراتيجيات فاعلة لاستقطاب العناصر الجيدة للتعليم والاحتفاظ بالمعلمين الجيدين وفق إطار كادر المعلمين الجديد من خلال مراجعة وتحسين شروط العمل للمعلمين بالإضافة إلى المبادرات التطويرية الأخرى.
كل ما تم التطرق إليه من مبادرات نظرية تحمل في جوهرها أبعادا عميقة تؤكد أن التشخيص الذي قامت به فرق العمل كان دقيقا وشفافا ولا مجاملة فيه. وهذا بحد ذاته تحول إيجابي كنا نطمح إليه، ففي السابق لم يكن موجودا هذا الحس بل ان الكل يداري على الأخطاء والجوانب السلبية بغرض تزييف الواقع، فالتشخيص نصف العلاج، ولكن نتمنى فعلا أن نصل إلى جوهر الشيء ولا نظل فقط نحلم أن نرى أحلامنا تتحقق أمامنا، فالدول التي سبقتنا لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا من خلال الإرادة والرغبة الحقيقية في إصلاح وتطوير عمليتي التعليم والتدريب.
ولا نزايد حينما نؤكد أن المورد البشري هو أغلى وأثمن الموارد الموجودة لدينا، وعلينا استثمارها، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال عمليات التدريب والتطوير والإصرار على إصلاح التعليم. فلا أحد يذهب إلى المدرسة فقط من أجل الذهاب وإنما بغرض الحصول على المعارف والمهارات، وتأتي المهارات لتحتل الجزء الأكبر والأهم من العملية التعليمية / التعلمية إذا جاز لنا أن نرتب أهميتها، لأنها الترجمة الفعلية والحقيقية لمدى تعلم الإنسان، فالمعارف سيأتي اليوم الذي ينساها الإنسان أو قد تظل ذكرى أو تاريخا، لا أقلل أبدا من أهميتها ولكن لم يعد دور المؤسسات التعليمية الرئيسي هو تلقين وتزويد الطلاب بالحقائق والمعارف والمفاهيم بل باتت أهم أدوار الطالب نفسه من خلال أساليب وطرائق العلم الذاتي أو التعلم عن بعد، ولكن التعلم المهاري لابد أن يكون أحد الأدوار الرئيسية للمؤسسات التعليمية والتدريبية على حد سواء.
حسنا ما توصلت إليه المبادرات من سعيها لتشكيل هيئة مستقلة للاشراف على المؤسسات التعليمية والتدريبية والامتحانات لضمان الجودة ونشر أفضل الممارسات الوطنية من خلال التقارير المعدة لهذا الغرض. ونتطلع فعلاً لمتابعة مرحلة تنفيذ المبادرات وما سيتمخض عنها من نتاجات، ولكن ما أحاول أن أفهمه أن بعض تلك المؤسسات التعليمية تتبع وزارة التربية والتعليم وأظن بأن دور الهيئة المستقلة المزمع تشكيلها قد يتعارض مع أدوار ومسئوليات مركز القياس والتقويم الذي أنشأته الوزارة حديثاً، وأعتقد بأن الطموح والأهداف واحدة وان كان فقط يمتد ليشمل الإدارة والمؤسسات التعليمية التابعة لوزارة التربية، أتمنى أن تكون هناك التفاتة واضحة من قبل المعنيين بالمشروع حتى لا يكون هناك تعارض، بل السعي لإيجاد إجراء تنسيقي مسبوق لتحقيق الغايات.
فكرة إنشاء كلية متخصصة لإعداد وتدريب المعلمين أيضا حلم جميل جدا، فهو على الأقل يعوض النقص الحاصل في إعداد المعلم، فمن المعروف أن خطة جامعة البحرين، بل خطط غالبية الجامعات الأكاديمية، تركز كثيرا على الجانب النظري وتغفل أهمية الجانب العملي، بل في الغالب يترك لنهاية الدراسة، ولا يهيأ المعلم على إعداده للقيام بأدواره كمعلم بل ان هناك الكثير من الخطوات والإجراءات المتخذة غير منظمة، وبالتالي لا فائدة ترجى منها، فعلى سبيل المثال كانت هناك بعض الممارسات الايجابية ولكن نتائجها لا يؤخذ بها كإجراء مقابلات مع الراغبين في التدريس، ويتضح من خلال اللقاءات أنهم يلجأون إلى الدراسة بغرض الحصول على الامتيازات الخاصة بقطاع المدرسين ليس إلا، بدليل عدم رغبتهم أو حبهم للتدريس، فيقبلون على الوظيفة بشهية مغلقة، ويكثرون من التذمر والاستياء، خصوصا أن مهنة التدريس مهنة المتاعب النفسية والجسدية، فمن يطلب الراحة لن يجدها حتما طالما كان خياره التدريس بذمة وضمير.
هؤلاء يجب أن لا يسلكوا مسار التدريس لأنهم في النتيجة النهائية لن يكونوا منتجين وفاعلين، وسيصبحون عبئا كبيرا لن تحتمله وزارة التربية ولا حتى الطلبة والأهالي.
وفي المقابل، قد تكون هناك فئة لديها دافعية كبيرة للتدريس ورغبة في العمل، ولكن الاحباطات الكبيرة الملازمة للقطاع نفسه، وبعدهم عن الخطط التطويرية، إلى جانب قلة المحفزات التنشيطية والتشجيعية، تجعلهم محبطين يشعرون بالسأم من العملية التدريسية ويشعرون بأنهم غير مقدرين، وبالتالي يقل عطاؤهم. فمن هذا المنطلق أؤكد على أهمية أن تكون هناك خطط استراتيجية لتطوير أوضاع المعلمين النفسية منها والمادية، ولاسيما أن غالبية المشروعات التطويرية التي تأتي بها وزارة التربية تعتمد في الأساس في إنجاحها على إدارة المعلم لها، إلى جانب إدارة الهيئة الإدارية طبعا. ولكن الأداة المهمة والآلة المحركة وحجر الزاوية هي المعلم، ذلك الجندي المجهول، ويتم ذلك من خلال عدة إجراءات كتطوير أساليب وطرائق التدريس بتوفير فرص تدريبية متنوعة.
وهنا يجب أن أشير إلى أهمية أن تكون الفترة التدريبية في الفترات الصباحية كحال غالبية المؤسسات الأخرى لا مسائية حتى لا يتثاقل المعلم من الدورات التدريبية، بعدها يصبح العائد منها محدودا جدا. أيضا يجب الالتفات إلى أهمية مراجعة المناهج الدراسية مراجعة شاملة وإعادة صوغها والتأكيد على أهمية اشتمالها على ما يحقق القدرة على بناء الشخصية القادرة على التفكير والإبداع مع الالتزام بالثوابت الإسلامية والوطنية، والابتعاد عن حشوها بالكم الهائل من المعلومات غير المهمة وغير المفيدة، حتى لا يضطر المدرس حينها إلى أسلوب التلقين ومطالبة الطالب بالحفظ والاستظهار، وبالتالي ضعف المخرجات.
ولابد أيضا من مراجعة نصاب المعلم من الحصص وأدواره الأخرى من مناوبة وتربية صف ونشاطات وغيرها من أدوار تكميلية تثقل كاهل المعلم وتجعله يقبل على التدريس بنفسية هابطة، كما لابد من التأكيد على أهمية تعزيز فرص ترسيخ ثقافة الحوار، سواء بين المعلم والطالب أو بين إدارة المدرسة والمعلم، أو بين إدارة المدرسة ووزارة التربية، أو بين المعلم والوزارة... لمعالجة الأمور وضمان عدم تعقيدها. كما لابد من الموضوعية والعلمية في الطرح، بمعنى أن المعلم ليس وحده المسئول عن ضعف المخرجات التعليمية ويجب ألا يحمل المسئولية كاملة، فهناك عدة أطراف مسئولة وعليها الاعتراف بذلك ومحاسبتها، كما يجب عدم إغفال دور الطالب السلبي في العملية التعليمية وقلة دافعيته نتيجة عدة أسباب قد يكون المنهج أحدها، إلى جانب أهمية أن تلعب الهيئة الإدارية الدور القيادي الرائد المحفز والمشجع لا المحبط المثبط.
وإننا نتطلع إلى اليوم الذي نجد فيه مكانة المعلم في تصاعد مستمر، ويكون عندها الإقبال شديدا والتنافس على أشده في الحصول على الوظيفة وبرغبة عارمة، فبحسب التشخيص الحالي هناك إقبال منقطع النظير بسبب الامتيازات الملازمة لمهنة التدريس، ولكن الرغبة تكاد تكون معدومة، فعلينا أن نجد المبادرات الفعلية التي نستطيع من خلالها الوقوف على ما يعاني منه الميدان التعليمي من معوقات، وعلينا تذليل العقبات لمزيد من عمليات تطوير التعليم والتدريب للحصول على أفضل النتائج المرجوة، فالأمم والشعوب لا تتقدم إلا من خلال التعليم والتدريب، ونحن على المحك كل بحسب موقعه وأدواره
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1483 - الأربعاء 27 سبتمبر 2006م الموافق 04 رمضان 1427هـ